الأربعاء 26/يونيو/2024

غزة حيث لا معنى للمستحيل

صلاح الدين العواودة

في قطاع غزة حيث الكثافة السكانية الأعلى في العالم، والاحتلالات المتعاقبة منذ احتلتها القوات البريطانية عام 1917، والحصار بوتائر مختلفة، والمياه المالحة التي لا تصلح للزراعة فضلا عن الاستخدام البشري، والبحر المغلق المغرق بمياه الصرف الصحي، ونسبة المواليد المباركة، ونسبة البطالة الفلكية، والسكان الذين ثلثاهم لاجئون، لم يشهدوا ما شهده إخوانهم تحت الاحتلال في الضفة الغربية من فرص معيشة فضلا عن الشعوب العربية والشعوب الحرة في غير العالم العربي، هؤلاء الذين كتب عليهم منذ أكثر من قرن أن يعتمدوا على الأنفاق ليعيشوا، صمدوا تحت الحكم العسكري الإنكليزي والحكم العسكري المصري والحكم العسكري الإسرائيلي ثم أضيف له طبقة فلسطينية جعلته ناعماً مع البعض وأكثر خشونة مع الآخرين، هؤلاء الغزيون أنتجوا طاقات فلسطينية فريدة في جميع المجالات فضلاً عن أسطورية تغلبهم على المحن والمؤامرات، ليس في العلم والطب والصناعة فحسب بل خرج منهم أبرز قادة الشعب الفلسطيني ومن كافة التيارات الفكرية والسياسية، وصنعوا أسطورة مقاومة وصمود بعكس كل النظريات التثبيطية، غزة طردت جيش الاحتلال ومستوطنيه في سابقة فلسطينية وأممية، واجتازت أطول فترة حصار كفيلة بإسقاط دول عظمى، وتعرضت لحروب طاحنة، ألقيت عليها قنابل لأيام وشهور لم تصمد تحتها دول كبرى، ولم يعرفها شعب في تاريخ الحروب لو قسمناها على عدد السكان أو الأيام أو المساحة الجغرافية، ورأت أسلحة دمار لم يرها غيرها وبقيت، غزة الفاقدة لحليف من الخارج، ابتليت بعدو أخطر من الداخل، تآمر عليها مع الاحتلال ليكسرها، وتآمر مع كل العالم ليخنقها، ولم ييأس من المؤامرات والخيانات، وظلت غزة عصية على الكسر.

غزة أسطورة الصمود والمقاومة، شكلت وحيا لغيرها من الشعوب، ففيها بدأ الربيع العربي وفيها بدأ الانقلاب عليه بحل الحكومة المنتخبة وتعطيل البرلمان المنتخب وتعيين الفاسدين والمفسدين قادة للشعب الفلسطيني، غزة التي أعطت كل هذه الدروس في الصمود والتحدي ومواجهة المستحيل، تواجه اليوم تحديا على مقاسها، تحديا من نوع جديد، هو تحدي التوازن والاعتدال في فهم حاجات الناس والتجاوب معها وحفظ الأمن وإحباط المؤامرات، وقطع الأيدي الممتدة للعبث، وخرق الآذان المتخابرة مع العدو وفي نفس الوقت، حماية حقوق وحريات الناس، فكما حمت الأرض والعرض، ستحمي الحقوق والحريات، فهي قدوة للشعوب العربية والإسلامية في تحدي الاحتلال والقمع الخارجي والفساد والخيانة الداخليين ويجب أن تكون قدوة في تحقيق حقوق وحريات المواطن الغزي، ولا مستحيل في قانون غزة، ليس مستحيلا أن تواجه كل هذه المؤامرات والمكائد والخيانات وتحمي حقوق الإنسان أيضا، فحجم القمع والقهر الذي تتعرض له الشعوب العربية لا يسمح بأن يحتمل القمع والقهر من أي جهة حتى لو كانت غزة مصدر الإلهام ومحط الآمال والأحلام التي يكنّ لها الجميع الاحترام.

ولا يعجز غزة أن تبتكر منظومة إدارية وطنية ولجانا شعبية تخوّل لها صلاحية الاستماع لمطالب المحتجين، وإشراكها في إدارة شؤون الناس، كما أدارت مسيرات العودة، وفي نفس الوقت تتابع قانونيا كل متخابر مع أعداء الخارج وهم موجودون واتصالاتهم مرصودة ومسجلة ممن يريدون استغلال حاجات الناس لتحقيق خيانتهم، وهنا هذا التحدي الحقيقي الذي يجب أن تجتازه غزة بنجاح وهو الإصغاء للناس وحاجاتهم، والأخذ بالقانون والعدل على يد العابثين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات