الإثنين 05/مايو/2025

«باب الرحمة».. والملاذ الأخير!

عوني صادق

في تجارب كل الشعوب حقيقة ثابتة ليس في مقدور أحد أن يغيبها أو يطمسها، وهي أنه عندما يتعرض بلد للغزو أو الاحتلال، وعندما تعجز الدولة عن صده، أو عندما تخضع السلطات الرسمية للقوة الغازية، تكون الجماهير الشعبية هي الملاذ الأخير لمواجهة الغزو وطرد الاحتلال، طال الوقت أو قصر لتحقيق هذا الهدف.

في تاريخنا وتاريخ نضال شعبنا الفلسطيني تبدو هذه الحقيقة أوضح ما يكون، بالرغم من أن نضال وتضحيات مائة عام من مقاومة الغزو والاحتلال الصهيوني لم تحقق نصراً ناجزاً لأسباب باتت معروفة للجميع. فمنذ بدايات القرن الماضي، لم يتأخر ولم يتردد شعبنا الفلسطيني عن مقاومة الغزو الإمبريالي- الصهيوني لبلادنا، وإذا أردنا نقطة للبداية فإن ثورة أو ما يطلق عليه «هبة البراق- 1929» تصلح أن تكون هذه النقطة. وليس مصادفة أن تكون آخر المواجهات مع الاحتلال الصهيوني بعد أكثر من قرن كامل من تلك الهبة، هي هبة «باب الرحمة»، وساحة البراق، وحائط البراق في محيط المسجد الأقصى، والتي كانت الجماهير أداتها الفاعلة التي حققت فتح الباب بعد إغلاق استمر ستة عشر عاماً!

منذ سنوات والصراع على القدس والمسجد الأقصى ومحيطه على أشده. ومنذ احتلال القدس في عدوان يونيو/ حزيران 1967، لم تتوقف جهود الحكومات «الإسرائيلية» المتعاقبة على كل المستويات، والتي شملت كل أشكال التضييق على المقدسيين، ومصادرة بيوتهم والأراضي المحيطة، ومحاولات تهجيرهم لتفريغ المدينة من أهلها ومن ثم تهويدها. وزادت الإجراءات التعسفية والقمعية، وأحياناً كثيرة باسم القوانين التي سنتها تلك الحكومات على مر الأيام، خصوصاً بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترمب والقرارات التي اتخذها، بدءاً بالاعتراف بالقدس «عاصمة موحدة لإسرائيل» ونقل السفارة الأمريكية، وكل اللغط الدائر حول ما سموه «صفقة القرن»! ومنذ سنوات أيضاً والعمل جارٍ لتحقيق خطوة أولى في سبيل التهويد، متمثلة في «التقسيم الزماني والمكاني» للمسجد الأقصى، فضلاً عن الحفريات الجارية تحت المسجد، تمهيداً ربما لهدمه في نهاية المطاف. وكانت الاقتحامات المستمرة للمسجد، وتدنيسه، واعتقال وسجن وإبعاد المرابطين والمرابطات فيه، إجراءات على طريق تحقيق الهدف البعيد الذي يحاولون جعله قريباً. وكان الإغلاق الأخير لأبواب المسجد ومنع المصلين من دخوله آخر الطلقات في المخزن الذي لم يفرغ بعد من الطلقات. وكانت الجماهير التي فتحت «باب الرحمة» بالقوة هي الرد الذي أوقف المسار، وفرض على قوة الاحتلال «التراجع التكتيكي» لحسابات تؤجله ولا تلغيه!

لقد استطاع «اتفاق أوسلو»، وما انطوى عليه من بنود سياسية واقتصادية وأمنية، أن يجعل من السلطة الفلسطينية التي أوجدها ذراعاً أمنية في خدمة الأهداف «الإسرائيلية»، وأن يفتح لسلطات الاحتلال طريق المضي وتنفيذ مخططاته الاحتلالية، حتى أصبح ضم الضفة الغربية المحتلة مطلباً تضعه حكومة نتنياهو قيد التنفيذ. من هنا باتت الجماهير الشعبية هي الملاذ الأخير لمواجهة مخططات الاحتلال، مستندة إلى تجاربها السابقة، ومستفيدة من إنجازاتها ودروسها. لقد سبق انتصار «باب الرحمة» أكثر من انتصار، نذكر منها انتصار «البوابات الإلكترونية»، و«هبة أكتوبر 2015» التي كادت أن تتحول إلى انتفاضة شاملة. يضاف إلى ذلك ما يسميه الصهاينة «العمليات الفردية» والتي ثبت أنها لم تكن لتنجح لولا «الحاضنات الشعبية» للفدائيين الأفراد، وكلها أشكال للمقاومة الشعبية المتعددة الأشكال في الظروف المختلفة.

لقد عاد الحديث مؤخراً عن «صفقة القرن»، والمصادر الأمريكية و«الإسرائيلية» أعلنت أكثر من مرة في الأيام الأخيرة أن الرئيس الأمريكي سيعلن خطته بعد انتهاء الانتخابات الإسرائيلية في إبريل/ نيسان المقبل، ومن بين تلك الإعلانات ما نسب إلى بنيامين نتنياهو نفسه. إن الوضع الفلسطيني الرسمي، وإن كان يقول باستمرار إنه يرفض «الصفقة»، وكذلك فصائل المقاومة المختلفة، إلا أن «الانقسام الفلسطيني»، والانهيار العربي الذي يمثل أمامنا بشكل بشع، يجعلان الجماهير الشعبية، ومقاومتها الشعبية، ملاذاً أخيراً لإفشال «الصفقة» وكل مخططات الاحتلال، على طريق استنزافه ثم طرده وتحرير الأرض والإنسان.

صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...