عاجل

السبت 28/سبتمبر/2024

الطائرة المخطوفة

محمد سليمان الفرا

شكّلت اتفاقيّةُ أوسلوا منعطفاً خطيراً في تاريخِ القضيَّةِ الفلسطينيةِ؛ ذلكَ أنها قامَت على أساسِ مقاولةٍ أمنيّةٍ حولَّت الثّورةَ الفلسطينيّةَ ذات التاريخِ النضالي الطويلِ إلى حارسٍ وفيٍّ لأمنِ الاحتلالِ ومستوطنيهِ.

لا يستطيعُ أحدٌ إنكارَ أنَّ الذِي ارتكبَ هذا الخطأَ، أو تلك الخطيئةَ هو ياسر عرفات، وهو قائدُ حركة فتح، ورئيسُ منظمة التحرير الفلسطينية، والذي أضحَى بموجبِ اتفاقيةِ أوسلو رئيساً للسلطة الفلسطينيّةِ.

ياسر عرفات الذي كانَ (3 في 1) اقتنعَ في آخرِ عمرِه أنَّ مفاوضاتِ السلامِ مع الاحتلالِ وصلت طريقاً مسدوداً، وأن حلَّ الدولتينِ أكذوبةٌ صهيونيةٌ أمركيّةٌ، هدفت إلى كسبِ الوقتِ، وتدجينِ الثورة، وفرضِ واقعٍ جديدٍ على الأرضِ، من خلالِ التنسيق الأمني، وزيادة الحواجز، وتوسع المغتصبات الصهيونية في الضغة والقدس، فراجعَ حساباتِه، وأطلق يد المقاومة على استحياءٍ، ومثالُ ذلكَ كانَ حاضراً في كتائبِ شهداء الأقصى، وعملياتها النوعيّة في الضفة المحتلة.

فأدَّى ذلكَ الخيارُ إلى حصارِه، وتجريدِه من صلاحياتِه، ثم من حياتِه، والمتابعونَ للمشهدِ آنذاكَ يوقنونَ أنَّ عباس، أو كرزاي فلسطين كما سمَّاهُ الختيار، ومحمد دحلان، كانا جزءاً من مشروعِ تصفيَةِ عرفات.

قناعتِي التَّامّةُ أن الانقسامَ الفلسطينيَّ لم يكن سببهُ انتخاباتُ 2006، ولا الحسمُ العسكريُّ؛ كما يسميهِ الحمساويون، أو الانقلابُ كما يسميه الفتحاويون.

إن الانقسامَ الحقيقيَّ بدأ يومَ اعترفت منظمةُ التحريرِ بالكيان الغاصبِ، وتحولت من خيارِ التحرير والكفاح المسلح إلى إلى خيار السلام والتفاوضِ المشلَّح، وهو فاشلٌ باعترافِ صائب عريقات كبير المفاوضين.

وكلُّ ما جرى بعد ذلك الأرضِ من ملاحقةٍ للمقاومة في الصفة وغزة، ثم انقسامٍ سياسيٍّ بين شطري الوطن، إنما هو أثرٌ للانقسامِ، وليس سبباً فيهِ.

منظمةُ التحرير التي خُطفت من قبلِ شرذمةٍ لا تؤمن بالكفاحِ المسلح، ولا بالمقاومة الشعبيَّةِ الخشنةِ، وترفع عقيرتها مناديةً بالسلام لم تعُد مؤهلةً بصورتِها الحاليَّةِ لقيادة الكل الفلسطيني؛ لأنها لا تعبر عن نبضِ الشارعِ وعقيدةِ الشعبِ الذي يؤمنُ بحقه في الدفاعِ عن أرضهِ وعرضه ومقدساتهِ، ويعتقد جازماً أن الصهاينة أعداءٌ محتلون، وقتلةٌ مجرمونَ، ولن يكونوا يوماً شركاءَنا في سلامٍ، ولا جيراننا في وئامٍ.

والأساليبُ اللاأخلاقية، والخصومةُ الفاجرةُ التي مارستها السلطة وقيادة فتح بحقِّ غزةَ بكل مكوناتها، وشركاءِ الوطنِ، وكوادر فتح من تآمرٍ مع الاحتلالِ، وتحريض في الإعلامِ، ومشاركة في الحصار، وقطع للرواتب والأرزاقِ شرُّ شاهدٍ على ذلكَ.

لكن يجبُ أن نكون صريحينَ مع نفوسِنا، وعقلانيينَ في تفكيرنا، فمنظمة التحرير رغم بؤسها وعجزها الراهنِ إلا أنها تُعدُّ في ذاتها مُكتسباً وطنياً جامعا للكلِّ الفلسطينيِّ وقد أُسِّست على جملةٍ من المبادئ النبيلةِ القائمة على تحريرِ كاملِ تراب الوطنِ، وأيُّ تيارٍ أو فصيلٍ يفكرُ في استبدالها أو إنهائها في ظني هو مخطئٌ.

والمنظمة هي التي شكَّلت عبرَ عقودٍ البيتَ السياسيَّ للقضية الفلسطينيةِ، والواجبُ اليومَ هو إصلاحُها، وإعادةُ وترتيبها، وكنسُ عواجيز التيهِ، وجلاوزة التنسيقِ الأمني منها، وإبعادهم عن دفة القرار الوطنيِّ، وتحرير هذه الطائرةِ المخطوفةِ.

والعبءُ الأكبرُ يقعُ على أبناءِ فتح، الذينَ يساوَمونَ على رواتبِهِم، وقاعدتها الشعبية والتنظيمية التي باتت تُقادُ بالابتزاز، فعليهم أن يتصالحوا مع نفوسِهم أولاً، ومع مبادئهم الثوريةِ، وتاريخهم النضالي ثاتياً، وأن يُسموا الأشياء بمسمياتها، فلا أظنُّ أن عاقلاً من أبناء فلسطين أضحى مقتنعاً بسلوكِ قادةِ فتح أو السلطة..

وإنني أرجو من كل مخالفٍ لي أن يجيبَ عن سؤالي قبل أن يناقشني: هل هو مع خيار السلام الدائمِ مع الاحتلال، الذي يقضي بالاعتراف بأكثر من ثلاثة أرباعِ فلسطين للكيان الغاصبِ، ونبذ المقاومة، والكفر بالكفاح المسلحِ؛ كما صرَّح بذلكَ محمود عباس جهاراً نهاراً، وقاله صراحاً بواحاً، وأكَّدَه مراراً وتكراراً أم لا؟!.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات