كلمات في حق والدتي أم المقاومة فاطمة المبحوح أم حسن

رحلة مليئة بالمعاناة والألم ولوعة الفراق تلك التي انتهت أمس بوفاة والدتي إحدى خنساوات فلسطين الحاجة فاطمة المبحوح (أم حسن)، رحلة ابتدأت يوم هُجرت من بلدتها الأصلية “بيت طيما” في العام 1948م، وحتى استقرت في حي تل الزعتر شمال قطاع غزة، تاركة وراءها سجلًّا حافلا بالتضحية والعطاء والصمود والصبر، عنوانه الشهداء والأسرى والمبعدين. فهي أمهم وجدتهم ومربيتهم، قدمتهم راضية صابرة محتسبة في سبيل الله على طريق الجهاد والمقاومة لتحرير فلسطين والأقصى.
في هذه السطور سأذكر بعضا من مراحل حياة أمي الحبيبة التي عاصرتها معها برًّا بها، ووفاء لحقها بأن يدون ذكرها ويحفظ جهادها.
فمنذ منتصف الثمانينات، وهي تواجه الاحتلال وإجراءاته، حين تعرض أحد أبنائها في العام 1985، وهو الشهيد محمود المبحوح إلى الاعتقال من قوات الاحتلال بتهمة حيازة السلاح، وقضى في سجون الاحتلال عاماً، وبعد خروجه من السجن بفترة قصيرة اندلعت الانتفاضة الأولى انتفاضة الحجارة 1987م، واشتعلت المقاومة، ومنذ ذاك الوقت إلى يوم وفاتها رحمها الله، لم تجتمع مع أبنائها جميعا في يوم واحد، والذي يبلغ عددهم 12 من الذكور، حيث غيب السجن غالبيتهم في فترات مختلفة، منهم من قضى السنتين والأربع والخمس سنوات، ومنهم من قضى في السجن خمسة عشر سنة.
أما في العام 1989 اشتد بها الابتلاء، حيث أصبح الشهيد محمود مطلوباً لقوات الاحتلال، وبدأت في مطاردته على خلفية عملية المقاومة الشهيرة واختطافه لجنود صهاينة وقتلهم انتقاما لدماء الشهداء، فأثناء هذه الفترة تعرض كل أبنائها للسجن والملاحقة ومداهمة البيت يوميًّا وتفتيشه والعبث في كل محتوياته، وخلال هذه الملاحقات أصيب اثنان من أبنائها بنيران القوات الخاصة، واعتقل أحدهم وحقق معه وهو جريح، لم تتوقف عند هذا الحد، بل طالها الاعتقال الصهيوني سوية مع والدي – رحمهما الله- وأودعا في سجون الاحتلال للضغط على الشهيد محمود لكي يسلم نفسه، فلم تجبن أو تلين، فصبرت واحتملت وثبتت، فكان أن سلم الله لها أبناءها ونجا لها حبيب قلبها الشهيد محمود؛ حيث تمكن من الخروج إلى خارج فلسطين، مما أغاظ الصهاينة، فقرروا معاقبة العائلة وممارسة نوع جديد من التعذيب، فجاءوا إلى البيت وفخخوه بالمتفجرات، ونسفوا بيت العائلة المكون من ثلاث طبقات كنوع من العقاب الجماعي ضد العائلة. حزنت لفقدان بيتها وذكرياتها فيه مع أولادها، لكن ذلك لم يزدها وعائلتها إلا إيمانا بصدق قضيتهم فصبروا واحتسبوا ذلك لله.
وبعدها بعامين، كان لها موعد أن تشهد على إبعاد اثنين من أبنائها حسن وحسين إلى مرج الزهور، واعتقال خمسة آخرين من أبنائها في نفس الفترة، وحين انتهت مأساة المبعدين وظفر المبعدون بالعودة؛ لم تنته مأساتها، فمنهم من عاد ثم اعتقل “حسين”، وأما حسن فلم يعد إلى بيته إنما إلى السجون الصهيونية مرة أخرى ليتم حكما صادر عن محاكم الاحتلال بأربع سنوات من الاعتقال، وكانت فرحتها بخروج حسين من السجن ناقصة، إذ كان ينغص عليها بقاء أخي فايق في السجن، ليقضي 15 عاما وراء القضبان، نعم 15 عاما.. لتنتظر حتى عام 2007 لتستقبله محررا، فقدت خلالها واحدا من أحفادها شهيدا في انتفاضة الأقصى عام 2004.. وحفيدا آخر فقدته في الحرب الأولى على غزة عام 2008، لم يترك الموساد قلبها ليهدأ، فكان العام 2010 عاما فارقاً في حياتها عندما تلقت نبأ اغتيال ابنها محمود القائد العسكري على يد الموساد الإسرائيلي في دبي، حيث تمزق قلبها حزنا وألما وحسرة على فراقه، وأي فراق هذا وهو بعيد عنها في غربته حيث لم يتسن لها أن تودعه أو أن تلقى عليه نظرة وداع، أو أن ترى قبره لتطفئ نارها المشتعلة في قلبها، وبقيت هذه الحسرة مصاحبة لها حتى لقيت ربها، فلا أذكر أن مر يوما ولا مناسبة إلا وتذكره وتتحسر على عدم رؤيته ووداعه، وبعدها بعامين فقدت ابنها الأكبر “حسن” أبو عبد الله بشكل مفاجئ، وصبرت واحتسبت أجرها وثباتها عند الله، وبعدها بعامين استشهد حفيدها الثالث في الحرب الأخيرة عل غزة عام 2014، وفقدت الكثير من أحبائها، إخوتها وأختها الذين عانوا من مرض السرطان، وبعد ذلك فقدت زوجها سندها في حياتها رحمهم الله جميعاً.
ولم يتركها المرض مع كل هذه الآلام؛ حيث عانت من عدة أمراض كالسكري وارتفاع ضغط الدم وغيرها، وكان آخرها مرض السرطان، حيث داهمها في آخر عامين من حياتها فأنهك جسدها وأضعف قواها، وعندما ذهبت لتلقي العلاج في الداخل المحتل، سمح لها الاحتلال مرة واحدة ثم منعها، وحاول أن يستمر في الانتقام منها، لكنها كانت أقوى منهم، متسلحة بإيمانها وتوكلها على الله، عادت إلى بيتها لتموت بين عائلتها.
رحلت هذه الصابرة الشامخة، الأم المجاهدة، وقد تركت وراءها إرثا عظيما من الجهاد والتضحية، وقد أحسنت إلى أبنائها، فعلمتهم ووقفت معهم، فكان لكل منهم سهم لفلسطين، فكما كان أولادها متميزون في مجال المقاومة والجهاد، كان آخرون يخدمون فلسطين في مجال العلم والتعليم محاضرين وأساتذة جامعات. أسأل الله لها الرحمة والمغفرة والمراتب العليا من الجنان، وأن يجمعها مع أبنائها وأحفادها الشهداء في الفردوس الأعلى، وأن يجزيها خير الجزاء.
ابنك البار إن شاء الله
فايز أبو محمد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

قاض أميركي يأمر بالإفراج عن الطالب الفلسطيني محسن مهداوي
المركز الفلسطيني للإعلام أمر قاض فدرالي أميركي، اليوم الأربعاء، أمرا بالإفراج عن محسن مهداوي، الطالب الفلسطيني الذي اعتُقل هذا الشهر أثناء حضوره...

حماس تدعو إلى مواصلة الحراك العالمي تضامناً مع غزة وضدّ العدوان الصهيوني
المركز الفلسطيني للإعلام دعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جماهير أمتنا العربية والإسلامية والأحرار في العالم إلى مواصلة الحراك الجماهيري العالمي،...

قصف إسرائيلي على صحنايا بريف دمشق
دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات الاحتلال الإسرائيلي -اليوم الأربعاء - عدة غارات على صحنايا في ريف دمشق، بالتزامن مع عملية أمنية ضد...

حرائق كبيرة في إسرائيل والسلطة تعرض المساعدة
المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت حرائق كبيرة في كيان الاحتلال الصهيوني، اليوم الأربعاء، وفشلت السلطات المحتلة في السيطرة عليه، في حين عرضت السلطة...

الاحتلال يصيب طفلاً في جنين وينصب بوابات حديدية جنوبي الأقصى
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب طفل، اليوم الأربعاء، برصاص قوات جيش الاحتلال في جنين شمالي الضفة الغربية، فيما نصب الاحتلال حواجز عسكرية في...

أوكسفام وشبكة المنظمات الأهلية: مخازن المواد الغذائية نفدت تماما
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت منظمة "أوكسفام"، وشبكة المنظمات الأهلية في غزة تزايد الأوضاع الإنسانية في القطاع صعوبة بشكل كبير منذ 2 مارس/آذار...

إغلاق مدارس الأونروا في القدس يهدد حق 800 طفل بالتعليم
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إغلاق سلطات الاحتلال مدارس المؤسسة الأممية في...