الأربعاء 26/يونيو/2024

فخاخ التطبيع (2) التَّطْبِيعُ الثَّقَافِيُّ اِحتلال مَعْرِفِيٌّ خفيّ

هشام توفيق

بَاتَ وَعْي الشُّعُوبِ يَفْقَهُ جَلِيًّا أَنَّ قُوَّتَهُ وَمُقَوِّمَاتِهِ وَمُقَدَّسَاتِهِ كقوى حافظ عليها ضد التقويض والتصفية هي بطبيعة الحال ما ستدفع المشروع الصهيوني والعربي والأمريكي إلى نهج “أسلوب الإجهاز على الوعي” والعقل وبواعث عودته، وهو نفس الوعي الذي سيحاربه وعي آخر سلبي تخريبي ونفس الفكرة التي ستواجهها الفكرة الخبيثة.

التَّطْبِيعُ الثَّقَافِيُّ اِخْتِرَاقٌ مَعْرِفِيٌّ خفي مِنْ أَشَدِّ مَعَارِكِ الْمُوَاجَهَةِ:
حقيقة صار أرباب الصفقة يفقهون ويرصدون بالبحث، والخلاصة أن انتشار الوعي الشعبي الحقيقي بانحطاط الأمة انتقل من دائرة النخبة والمؤسسة التي تم الإجهاز عليها سجنا وحصارا إلى دائرة أوسع وهي الحاضنة الشعبية التي احتضنت مشروع الحقيقة والفطرة ومشروع رفض الظلم والاستكبار سواء داخل الشعوب أو داخل أرض القضية الفلسطينية، لذلك كان لزاما اختراق هذه الحاضنة الشعبية وإلى مصادر تفكيرها الفطرية وانبعاثها وهي العقول الشعبية ودواخلها للوصول إليها تخريبا لمعلوماتها التاريخية المكتسبة واستبدالها بأخرى تخدم المشروع الصهيوني والاستكباري.

لذلك كانت بواعث وخلفيات التصريحات المعرفية المزورة لبعض الشخصيات الخليجية والعربية تلخص في ما يسمى التطبيع الثقافي والحرب المعرفية بالوكالة عن المشروع الصهيوني، ونرصد خلفياتها ونتائجها وفشلها من خلال صفات أربع:

ـ صفة الكيف: عنوان هذه الصفة هو الانتقال من الاحتلال الميداني الترابي التخريبي إلى الاحتلال العقلي الفكري، هو انتقال من فشل في مواجهة ما في الأرض ونخبها وعلمائها ومؤسساتها وحماتها إلى حرب ضد العقل والفكرة المتجذرة في الشعب فضلا عن النخب والمؤسسة.

يخرج اليوم مسؤولون وأقلام خليجية وعربية بل وتخرجهم الآلة الصهيونية من الجحور، لا لتهاجم في هذه المرحلة قطرا أو أرضا أو حدودا، ولا لتخترق اليمن وتحاصر قطر أو تركيا وتعلن حربا على بلد، بل هذه حرب على العقل والفطرة والمعرفة من الداخل، فيؤتى بهؤلاء وغايتهم أكبر من التوغل الترابي بَلْ هُوَ اِخْتِرَاقٌ وَتَغَلْغُلٌ خفِّيٌّ مُنَظَّمٌ إلى أبعد من ذلك، إلى العقول العربية والإسلامية والتاريخ الإسلامي والفلسطيني وإلى العمق الحضاري والتراثي الممثل للهوية والإسلام والقدسية.

ـ صفة الاستراتيجية: قد يظن البعض أن هذه التصريحات ترهات وهوس وهو كذلك لكنه عمل استراتيجي منظم له وقت محدد يخرج فيه وله خيوط توظفه.

فهذا الأسبوع سمعنا عن شخصيتين من بني جلدتنا يصرحان بنفس الأسلوب وبشكل مبطن مطبع وإن كان رمزيا؛ الأول يصرح “أن الشعب الفلسطيني إلى زوال لأنه شعب شتات وجاءوا من مناطق مختلفة، وليست لهم حق في ما يسمى (إسرائيل )، بل كانوا نشازا تاريخيا”، وآخر يصرح “أن الفلسطينيين باعوا أرضهم”، وآخر اليوم يخرج فيقول “الأندلس احتلها المسلمون” ثم أشار القائل الأخير في تغريدة ورسالة مبطنة إلى أن آخرين احتلوا أرضا غير أرضهم وسيزول احتلالهم إشارة إلى الفلسطينيين.

هي الخرافة تكاد تتفق مع الخرافات الصهيونية والتلمودية أن الأندلس احتلها المسلمون ثم يزيد المغرد المطبع فكريا وكليا (اصبروا فإن لكل قوة زوالًا..) فكأن صاحبنا يغازل هنا تاريخيا وثقافيا المشروع الصهيوني والمستوطنين ليبشرهم بزوال حكم المسلمين لفلسطين التي هي أرض ليست بأرضهم، وهذا ما عضده آخر سعودي بعده بشكل متسلسل ومنظم ومقصود فقال في قناة عربية: (الفلسطينيون ما هم إلا شتات عمروا أرضا غير أرضهم، وهي الدولة العبرية)..

هي إذن أضحوكة كلامية فكرية ثقافية، لكنها عملية مبرمجة منظمة لتغيير العقول وتصحيف التاريخ منذ عقود، لكن هذه العملية تتصاعد حدة كيفها وأسلوبها حسب انهزامات المشروع الصهيوني وصدماته أمام شعوب تحولت إلى عقول واعية بالداء والدواء.

بطبيعة الحال هذه الخرافات والأساطير لا تحبط من أنفسنا ولا تدخلنا في دائرة الانهزام بل تزيدنا يقينا من خلال رصد الحالة التي وصل إليها المشروع الصهيوني والاستكبار العالمي الذي شرع يخرج آخر أوراقه ويصعّد من لهجته عساها تنقذه مما تحول إليه الشعب الفلسطيني من نصرة وتشبث بقضيته فضلا على ما وصلت إليه الشعوب اليوم من وعي بإفساد الشعوب وتمزيقها واحتلال المنطقة ومقدساتها يشترك فيه طرفا الاستكبار وهما الأنظمة الفاسدة المحاصرة للشعوب، وطرف الاستكبار الصهيوني الأمريكي، ولن يتحقق التحرر إلا بزوال هذين الطرفين خصوصا من المنتوج العربي الاستبدادي إلى الصانع والمربي وهو الكيان الصهيوني.

ـ صفة الكم: منذ الربيع العربي اختار التطبيع بعد الربيع أسلوبا آخر في التطبيع غير التطبيع الاقتصادي والتجاري الذي يدخل في التطبيع اللين، بل اختار أرباب صفقة القرن سياسة تحمل كمًّا من المعلومات لتصل إلى كم كبير إلى السواد العربي والإسلامي خصوصا الشبابي، فاختاروا التطبيع الخشن الثقافي والمعرفي بإخراج كمٍّ بالٍ خرب من أرباب الطابور الخامس من المثقفين والأقلام والسياسيين ممن يسمون “بالذباب الالكتروني”، لماذا؟

لأن المعلومة المعرفية المزيفة لها مواقع تواصلية اجتماعية أكثر شهودا وحضورا، ولأن الكلمة والمعرفة حروف سهلة التغلغل والوصول للفكر، لكنها سموم خارقة لضرب عقل إنسان ومسار إنسان وإحداث قنبلة نووية فيه قد تقلب له موازين حياته وحركاته ومواقفه وجمعيته وقراراته السياسية والعملية والفنية والإعلامية والتاريخية..

فالفكرة قناعة ومسار تغييري جديد واعتقاد لتغيير توجهك نحو المشروع الصهيوني والكيان الصهيوني، لفرض نقليْن:
ـ نقل العقل العربي والمسلم إلى عقل يعترف بالشعب الفلسطيني كقوم شتات جاء إلى الأرض اليهودية وهي غير أرضه.
– نقل العقل العربي المسلم إلى عقل آخر ثان يقبل بالقوة المعرفية المشروع الإسرائيلي حبا وترحيبا ودفاعا، وهو مما ترفضه الشعوب لا بالعقل والفكرة فقط بل كذلك بالروح والفطرة، ولا ترفضه بالتفكير والتعليل فقط بل بالجبلّة لا تبديل.

ـ صفة النوعية: نوعية الخطاب ووصول العقل السياسي والثقافي المطبع الصهيوني إلى هذه السفلية في الخطاب هو دلالة على نوع من توجه وأسلوب صادر عن ردة فعل وخشية نابعة من نظرة ورصد مغمور غير معلن، مفاده أن الشعوب وصلت إلى حد كبير من غضب شمولي ضد الاستبدادات الصغيرة وهي الأنظمة وطوابيرها الخادمة وضد الاستبداد الكبير وهو الكيان الصهيوني الساعي إلى تفتيت كل ربوع وجغرافية الأمة، وهو غضب يقيسه أرباب صفقة القرن بقوة الوعي التي وصلت إليه عقول الشعوب خصوصا بعد الربيع العربي..

هو وعي شعبي خلاصته أن المشروع الصهيوني لا ينفك مشروعه عن مشروع الأنظمة الاستبدادية، وكلاهما لهما عدو وخطر، وهو في ثلاثة مقومات:
– البوصلة وهي فلسطين التي توجه المعركة وتوقظ الهمم فضلا عن المقاومة الشعبية والقوية الفلسطينية.
-الشعوب وهي القوة التي تستعد وتراكم غضبا للاحتجاج من جديد ضد المنتجات والأنظمة الصهيونية الديكتاتورية وضد المشروع الصهيوني.
– مقومات الشعوب وقواها الحية.

ما المطلوب منا؟
هو وعي شعبي يرافقه وعي فلسطيني يخشاه الاستكبار خوفا من وصوله إلى تراكم غضبي ووعي يصل إلى حد اليأس من الأنظمة وإعمال المشروع الصهيوني فينا تفتيتا وفتنة وفوضى مصطنعة.
هو وعي يرتبط بفكرة ضرورة تغيير وتحرر يحكمه تجاهين؛ تحرير الأقطار أولا من أنظمة ووكلاء الكيان الصهيوني وأمريكا، ثم تحرير الأمة من الكيان الصهيوني.

وبطبيعة الحال حين يتعثر ويفشل المشروع الصهيوني في وسط مسلم عربي واع بكل الأطراف وفقيه بالداء الحقيقي وكيفية إزالته، وحين تحققت الشعوب برفضها الاعتراف بالكيان الصهيوني لمدة قرن، فالمشروع الصهيوني يخرج أوراقه القديمة عساها تقنع الشعوب بالاحتلال من خلال تصحيف التاريخ تزييفا وقلبا.

تصريحات وكلاء الخرافات التلمودية هي دلالة على فشل، وقوة وجود شعوب واعية. بمعنى أن العدو يعمل على إعادة التوازن في الأرض، والمطلوب منا بث المعرفة الحقيقية ونشر الهوية والتاريخ الصحيح وتحريكه من خلال مأسسة المعرفة في مؤسسات مراكز ومعاهد ومدارس لتقوم بدور إنتاج العلم ومواجهة التطبيع الثقافي الذي يخترق بالقوة شعوبنا بيد عربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال ينفذ 21 عملية هدم في الضفة والقدس

الاحتلال ينفذ 21 عملية هدم في الضفة والقدس

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامنفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، 21 عملية هدم في الضفة الغربية والقدس المحتلة، إلى جانب منزل...

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الاحتلال يهدم منزلين في رام الله وأريحا

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامهدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأربعاء، منزلين في رام الله وأريحا، ضمن انتهاكاتها المتصاعدة ضد...