الطفل اشتيوي.. سند والده يرحل شهيدًا

لم يكن محمد رشدي اشتيوي يدرك أنّ الصورة التي نشرها لنجله البكر حمزة (17 عامًا) قبل أشهرٍ قليلة ستكون ذكرى أليمة تنغص قلبه، وتجمع المزيد من تفاعلات الوجوه الباكية على صفحته في “فيسبوك”.

كانت صورة حمزة على صفحة والده تعجّ بالدعوات أن يحفظه الله بعد أن كتب والده معلقاً على الصورة: “حمزة ابني الكبير سندي في المستقبل إن شاء الله.. أبو حفص”، إلا أنّ الصورة سرعان ما تحولت إلى عزاء مفتوح لوالد الشهيد باستشهاد نجله البكر.

واُستشهد حمزة في الجمعة الـ(46) من مسيرات العودة وكسر الحصار، حيث كان الشهيد الثاني عقب استشهاد الطفل حسن شلبي في خان يونس.

حمزة سندي
يقول والد الشهيد لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “حمزة سندي وأكبر أطفالي رحل، وأفتخر بذلك (..) والاحتلال منذ سنوات يقتل أطفال فلسطين متعمداً فعل المجازر بحقّهم”.

ويضيف اشتيوي: “آخر هؤلاء الأطفال ابني حمزة، يقنصه جندي في رقبته”، متسائلاً: “أين حقوق الإنسان؟ الكل يقف بصمت ويتفرجون علينا.. حسبنا الله ونعم الوكيل”، مستدركاً: “أحتسبه عند الله شهيدًا، وربنا يلهمني الصبر على فراقه”.

أما والدة حمزة، التي ودعت ابنها بالزغاريد قالت: “ابني حمزة الحبوب الطيب الحنون تم إعدامه بدم بارد، وكان في بر الأمان”، مشيرة إلى أنه مشارك دائم في مسيرات العودة كل يوم جمعة.

وأضافت في حديث لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “حمزة تم اغتياله بدم بارد وقتل متعمد”، محمّلةً الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قتله.

وترعرع الطفل اشتيوي بمسجد حسن البنا، حافظاً أجزاء من كتاب الله، في حي الزيتون، جنوبي مدينة غزة، ودمر الاحتلال الإسرائيلي بيتهم في عدوان 2014م، مدمراً ألعابه ومقتنياته، ليلاحقه ويغتال براءته وحلم والده أن يكون سنداً وعوناً له.

إعدامٌ بدمٍ بارد
بشهادة أحد المصورين الصحفيين لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“؛ فإنّ الطفل الشهيد اشتيوي كان يقف على بُعد أمتار خلف جمهور المصورين الذين عادة لا يقتربون من السياج.

ويضيف المصور: “كنت أقف مع ثلة من الصحفيين بعيداً مئات الأمتار عن السياج الحدودي، وكان يقف على بُعد منا بأمتارٍ قليلة ثلة من الأطفال، عندما استهدفت أحدَهم رصاصة قناص في رقبته فأردته شهيداً على الفور، فكان هو الشهيد حمزة اشتيوي”.

وهو ما أكّده أحد المسعفين رامي دبابش على صفحته بفيسبوك قائلا: “الشهيد اشتيوي أُشهد الله بأنه أُعدم بدم بارد وكان جالسًا وكان خلفي، وكان يضع يديه على قدميه فسمعت صوت الطلق”.

ويتابع: “لأني مسعف في الميدان ركضت عليه مسافة 5 أمتار تقريبا،  فقال لي حرفيا (فش فيا إشي)، فنظرت إليه لأعرف مكان الإصابة وجدت الدم يخرج للتو بغزارة من رقبته فأدركت أنها إصابة قاتله، وقلت له قل (لا إله إلا الله)، فرددها ثلاث مرات وأنا أُدخل الشاش بداخل الجرح وأضغط عليه، وكان معي زميلي يضغط فتغير لون وجهه، وكان النزيف لا يتوقف، فحاولت ولكن قدر الله أقوى منا جميعاً”.

حنون وبشوش
سميرة اشتيوي شقيقة الشهيد حمزة، تقول: إنّ شقيقها البكر كان يحب الخير للناس دائماً وللأهل جميعاً، وكان يتسم أنّه حنون وبشوش الوجه، وفي آخر أيامه تمنى الشهادة.

تضيف: “صلى أخي العصر وذهب إلى مسيرات العودة، وعند استشهاده نطق الشهادة ثلاث مرات، وكان دائماً يوصيني بالدعاء أن ينال الشهادة”.

وتؤكّد شقيقته أنه قبل خروجه لبس أجمل ملابسه وكان يردد: “هذه آخر جمعة، وبعد هيك مش طالع على مسيرات العودة، فكان له ما تمنى بالفعل”.

ونتيجة قمع الاحتلال الإسرائيلي المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة وكسر الحصار شرقي القطاع أمس، ارتقى طفل وفتى، وأصيب 17 مواطنًا آخرون بجراح متفاوتة الخطورة.