الإثنين 05/مايو/2025

​هدم المنازل إفلاس سياسي

د. أيمن أبو ناهية

معلوم أن إرادة الشعوب هي المنتصرة دائماً مهما طال أمد الاحتلال ومهما بلغت بشاعة انتهاكاته ووسائل الانتقام التي يستخدمها ضد شعبنا، ولكن يبدو، بل من المؤكد، أن هذا الاحتلال الأعمى لم يتعلم من نضالات شعبنا الذي أجبر قادته على الاعتراف بوجود شعبنا، رغم أنهم كانوا ينكرون ذلك ويدعون بأنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني.

إن تمادي الاحتلال في إجراءاته وانتهاكاته لن يقود إلا إلى تأجيج الصراع وتعزيز حالة العداء بين الشعبين، وبالتالي مواصلة النضال الوطني الفلسطيني رغم ما قدمه وسيقدمه لاحقا لحين تحقيق أهدافه في كنس الاحتلال الجاثم فوق صدور أبنائه، وبالتالي فإن إرادة الشعوب ونضالها هي المنتصر، ومن لا يتعلم من تجارب الشعوب والتاريخ البشري وكذلك من قوانين الطبيعة المثبتة علميا والتي تقول لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه، سيكون هو الخسران في نهاية المطاف وتلحق به الهزيمة رغم ما يتبجح به من قوة عسكرية.

إقدام قوات الاحتلال على هدم منزل عائلة أبو حميد في مخيم الأمعري للمرة الثالثة على التوالي، ثم هدم منزل الشهيد نعالوة واعتقال أفراد اأسرته وتشريد العائلتين ما هو إلا استكمال لسياسة الفصل العنصري، ظناً منها بأن مثل هذه الأساليب التي هي بمثابة تطهير عرقي يمكنها أن تثني شعبنا عن المطالبة بحقوقه الوطنية الثابتة والراسخة رسوخ الجبال، والتعايش مع المحتل وانتهاكاته البشعة التي ترتقي لمستوى جرائم الاحتلال، الأمر الذي يؤكد أن مثل هذه الانتهاكات ستزيد فقط من حدة العداء وإطالة أمد الصراع الذي سيدفع ثمنه أيضاً الاحتلال ومستوطنوه الذين يعربدون تحت حماية قوات الاحتلال في حين أنهم لا يجرؤون على القيام بمثل هذه الممارسات العدوانية لو تركهم جيش الاحتلال لساعات معدودة.

فهدم منزل عائلة أبو حميد للمرة الثالثة يعني لأي إنسان أو حتى لأي طفل فلسطيني، بأن هذا الإجراء رغم قساوته من جانب الاحتلال الإسرائيلي لم يمنع أو يحول دون إعادة بنائه من جهة ومن جهة أخرى إن مثل هذا الإجراء غير الإنساني والمستمد من قانون الانتداب البريطاني الآثم، لم يردع أبناء العائلة عن مقاومة الاحتلال في إطار النضال الفلسطيني لاستعادة حقوق شعبنا الوطنية الثابتة، خاصة وأن عائلة أبو حميد هي في الأصل مهجرة منذ عام ١٩٤٨م، من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي والعصابات الصهيونية التي أرغمتهم على الهجرة تحت تهديد السلاح، ومن خلال المجازر التي ارتكبتها بحق أبناء شعبنا لطردهم من بلادهم وأرضهم أرض الآباء والأجداد.

فالولايات المتحدة التي كانت ولا تزال أكبر قوة في العالم لحقت بها الهزيمة في فيتنام، فالقوة العسكرية لا تساوي شيئا أمام إرادة الشعوب، وشعبنا إرادته فولاذية، ولن تثنيه أي ممارسات وانتهاكات عن مواصلة مسيرته الوطنية.

فشعبنا رغم أنه أعزل إلا أن لديه من الأساليب السلمية والاحتجاجية ما يجبر المستوطنين وحتى قوات الاحتلال على التراجع أمام هذه الأساليب النضالية، وإن خير مثال على ذلك ما نشاهده في الخان الأحمر، وتراجع الاحتلال أمام الإرادة الجماهيرية أثناء محاولته وضع كاميرات مراقبة وأقفاص حديدية على بوابات المسجد الأقصى.

إن عمليات الهدم والتي هي تطهير عرقي، وكذلك جميع الانتهاكات الأخرى، ستزيد فقط من إصرار شعبنا على مواصلة مسيرته الوطنية حتى دحر الاحتلال وإلحاق الهزيمة بمشاريعه كافة. فهدم المنازل التي هي سياسة عنصرية وانتقامية، ستكون انعكاساتها على الاحتلال الذي شاهد والدة الشهيد والأسرى من عائلة أبو حميد وهي تقول سنعيد بناءه مثلما أعدنا بناءه قبل ذلك مرتين.

من الواضح تماما أن دولة الاحتلال لا تستفيد من دروس وعبر التاريخ البشري وكذلك من تاريخ شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية، وأيضا الشعوب التي استطاعت دحر الاستعمار عن أراضيها وإلحاق الهزائم به، وأمامنا أمثلة عديدة منها عندما اضطرت قوات المارينز الأميركية مغادرة لبنان بعد سلسلة الهجمات التي طالتها، وكذلك الهزيمة التي لحقت بالقوات الأميركية في فيتنام وقبلها القوات الفرنسية، وكذلك القوات البريطانية في الهند، وآخر مثال على ذلك إلحاق الهزيمة النكراء بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فشعبنا الذي هبّ أطلق حملات إعادة إعمار المنازل التي يهدمها الاحتلال، دليل واضح أن إرادته ستهزم الاحتلال وممارساته وما عليه سوى الرحيل عن أرضنا، لأن نهايته هو الرحيل شاء أم أبى.

المصدر: صحيفة فلسطين

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات