السبت 10/مايو/2025

مذبح يوشع بن نون.. حين تُوظّف الأسطورة لخدمة الاستيطان

مذبح يوشع بن نون.. حين تُوظّف الأسطورة لخدمة الاستيطان

في قطعة أرض فسيحة تقع بالجهة الشرقية من قمة جبل عيبال بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة، ثمة سلاسل حجرية لا توحي للناظر إليها بأي دلالة أثرية، لكنّها تكفي المستوطنين للادعاء أنه موقع أثري مقدس.

محاولات المستوطنين للاستيلاء على الموقع الذي يزعمون أنه مذبح “يوشع بن نون”، تكشف إلى أي مدى يمكن أن يذهب المستوطنون في استغلال الأساطير وتوظيفها في معركتهم المستمرة للسيطرة على الأرض الفلسطينية.

وكان وزير الإسكان الصهيوني الأسبق “أوري اريئيل” قد وعد في العام 2015 بفتح الموقع أمام المستوطنين، لتمكينهم من أداء طقوسهم التلمودية فيه.

وشقّ المستوطنون الشهر الماضي طريقا استيطانيا جديدا يصل طوله لأكثر من كيلومترين في أراضي بلدة عصيرة الشمالية، بهدف تسهيل وصولهم إلى الموقع، ما يعني الاستيلاء على مئات الدونمات من أراضي المواطنين في المنطقة.

ويؤكد شهود عيان أن المستوطنين ينظمون زيارات أسبوعية للموقع كل يوم سبت.

ويدحض خبير الآثار ضرغام الفارس، في حديثه لمراسلنا، الرواية الصهيونية حول هذا الموقع، مبينا أن هذه المزاعم هي استمرار لسياسة الحركة الصهيونية بتوظيف الفكر الديني لحشد اليهود وتجييشهم حول فكرة أرض الميعاد، من خلال ربط المكان بروايات توراتية تعطي المكان قدسية دينية يهودية.

حقائق تدحض الأسطورة

خلال الثمانينيات من القرن الماضي، قام العالم “الإسرائيلي” آدم زرتال بأعمال المسح السطحي الأثري والتنقيب في الموقع، ومن خلال الكسر الفخارية وختمين فرعونيين عثر عليهما، أرّخ الموقع إلى القرن 13 قبل الميلاد، وادعى أنه المذبح الذي أقامة “يوشع بن نون”.

ويؤكد “الفارس” أن البقايا المعمارية الموجودة تظهر أنه مذبح كنعاني وثني، كانت تقدم عليه القرابين للآلهة الكنعانية.

ويضيف: “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون المذبح ليوشع بن نون، لأن افتراض وجود مذبح ليوشع بن نون، يتنافى مع الحقائق التاريخية والأثرية المثبتة، والتي تفيد أن يوشع بن نون هو أسطورة وليس حقيقة تاريخية”، حسب قوله.

ويستند الفارس بهذا إلى نتائج التنقيب الذي نفذه العديد من العلماء في فلسطين، وإلى ما أقر به العديد من العلماء المعروفين عالميا، ومنهم علماء إسرائيليون، وأهمهم البروفيسور “إسرائيل فنكلشتاين” والذي يقول أن يوشع هو مجرد أسطورة، وليس حقيقة تاريخية.

ومن ناحية أخرى، فإن ديانة أرض كنعان في تلك الحقبة لم تكن ديانة موحِّدة، وإنما ديانة وثنية، ففكرة التوحيد ظهرت في القرن السابع قبل الميلاد، فيما تبلورت الديانة اليهودية أثناء السبي البابلي، وأخذت صياغتها النهائية، ودُرّست بعد العودة في المدّة الفارسية عام 539 قبل الميلاد.

ويلفت الفارس إلى أنه مرّ على ادعاء العالم زرتال أكثر من 30 عاما، لكنه لم يجد آذانا صاغية، لأن فكرته تتنافى مع الرواية الدينية اليهودية والسامرية، ومع الحقائق العلمية.

وتعتقد الطائفة السامرية أنه لا يمكن لنبي أن يقيم مذبحا على جبل عيبال الذي يعرف في التوراة بجبل اللعنة، وهم يقيمون مذبحهم على جبل جرزيم الذي يقدسونه ويحجون إليه في أعيادهم.

ويوضح الفارس أن شكل المذبح الخارجي المستطيل وليس المربع، وعدم وجود أربع حجارة بارزة على زوايا المذبح، ووقوع المذبح إلى الشمال من قمة عيبال بحيث لا يقابل جبل جرزيم، كلها أمور جعلت من ادعاء زرتال يفقد مسوغاته.

أغراض عسكرية

وتعدّ هذه الخطوة توظيفا للرواية التوراتية لأغراض استيطانية وعسكرية بحتة ولتكريس الاحتلال.

ويقع الموقع الأثري في منطقة برناط من أراضي عصيرة الشمالية، ويطل على قرى نابلس الشرقية والأغوار ومحافظة طوباس، ويمكن من خلاله مشاهدة السفوح الغربية لجبال الأردن.

ويسعى الاحتلال من خلال لإقامة موطئ قدم للمستوطنين على جبل عيبال، إلى تكريس الوجود العسكري في قمة الجبل التي يبلغ ارتفاعها 940 مترا عن سطح البحر، وتشكل أعلى قمة في شمال الضفة.

واستولى الاحتلال على قمة الجبل عام 1979، وأقام عليها معسكرا على مساحة 500 دونم، بالإضافة إلى 1500 دونم في محيطه يمنع المزارعون من الوصول إليها، رغم صدور قرار من المحكمة العليا الإسرائيلية في حينه يلزم الاحتلال بتمكين المزارعين من الوصول إليها.

ويقيم الاحتلال قاعدة عسكرية ضخمة على تلك القمة، تضم مطارا حربيا وأبراجا للرادار والاتصالات العسكرية.
 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات