الجمعة 12/يوليو/2024

صفقة القرن

عادل المطيري

كانت بداية انطلاق «صفقة القرن» باعتبارها مشروعاً للسلام الجديد في الشرق الأوسط، وضع أفكارها جيورا إيلاند مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في عام 2008، ونشرها معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، ومنذ ذلك التاريخ أصبحت «صفقة القرن» متداولة بين الأوساط السياسية والأكاديمية الأميركية، حتى جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نتنياهو ليتبناها، ويحاول تسويقها في السنوات القليلة الماضية، ولكن الصفقة لم تلقَ تشجيعاً من إدارة أوباما، ولا من الدول العربية آنذاك.

ولكن كل شيء اختلف بعد موجات الربيع العربي، وسنوات من الاحتقان السياسي الداخلي في البلاد العربية، وبعد الانقلابات وما تعانيه بعض الأنظمة من نقص الشرعية في الوقت الحالي، والذي يستلزم استمرار الدعم الأميركي لتلك الأنظمة السياسية العربية، مما جعلها تقبل بما لا يمكن أن تتقبله في السابق، ضد مصلحة الفلسطينيين ولصالح “إسرائيل”!

والعامل الحاسم الآخر، هو وصول الرئيس الأميركي ترمب، والذي تبنى هو الآخر في حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض «صفقة القرن»، وهو رئيس يوالي اليمين المتطرف الأميركي والداعم ل”إسرائيل”، الكل يدعم سراً وعلناً تلك الصفقة المشبوهة، ولكن يبدو أن التحدي الأكبر أمام أصحاب الصفقة هو عامل الوقت، فنتنياهو يعلم جيداً أن ترمب هو الوحيد القادر على فرض الصفقة ولم يتبقَ من ولايته إلا عامان، ولا يمكن الجزم بإمكانية فوزه بولاية ثانية، وكذلك نتنياهو نفسه أمامه عام واحد من ولايته، هذا إن لم يُضطر إلى إجراء انتخابات مبكرة، وهذا ما يرفضه حتى الآن، إذاً الصفقة بالنسبة لكل من ترمب ونتنياهو هي المهمة المقدسة، وهي كذلك كلمة السر لنجاحهما بولاية أخرى.

رغم أن «صفقة القرن» تم تعديلها على مرّ السنوات، فإن مضمونها الأساسي يقوم على فكرة مبادلة الأراضي بين العرب والإسرائيليين، وآخر تعديل للصفقة يهدف إلى إنشاء غزة الكبرى على حساب سيناء المصرية، فالمشروع يقضي بمضاعفة مساحة غزة إلى ثلاث مرات، من خلال ضم 600 كيلو متر مربع من سيناء إلى القطاع، وسيكون للمدينة الجديدة شواطئ على البحر المتوسط 26 كليو متراً، ما يسمح ببناء مدن جديدة للفلسطينيين وميناء بحري ومطار دولي، سينعش اقتصاد غزة بحسب زعمهم، وبالمقابل ستقوم “إسرائيل” بمنح مساحة 600 كيلو متر مربع من صحراء النقب لمصر، أما بالنسبة إلى باقي الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية، فستستقطع “إسرائيل” حوالي 18% من أراضيها التي تعتقد بأنها ضرورية، ولها مكانة تاريخية ودينية، وتعطي ما تبقى من الضفة إلى الأردن، وهنا العقدة التي لا يمكن حلّها، وأقصد مدينة القدس والمسجد الأقصى وقبة الصخرة، تلك الأماكن التي تشكّل عند المسلمين والمسيحيين واليهود أماكن مقدسة، لا يمكن التفريط فيها.

يبدو أن الجميع مؤيد للخطة الأميركية للسلام «صفقة القرن»، إلا أصحاب الشأن المباشر الفلسطينيين والأردنيين، فالعرب بمن فيهم بعض دول الخليج يريدون إرضاء الولايات المتحدة بالموافقة على الصفقة التي يتبناها ترمب ونتنياهو، بينما يراها الفلسطينيون «حماس» و«فتح» على السواء أنها صفقة مرفوضة، فلا أحد يستطيع إعلان التنازل عن القدس أو حق عودة اللاجئين، مما يجعل كل الأطراف الفلسطينية -رغم تخاذل بعضها التاريخي- فإنها ترفض -على الأقل علناً- ذلك. ختاماً، يراد إقرار «صفقة القرن» المرفوضة أردنيا وفلسطينيا عبر إجراءات أميركية وعربية للأسف تهدف إلى خنق اقتصاد الأردن والضفة وغزة، عبر وقف المساعدات والمعونات التي لا يمكن الاستغناء عنها، قاوم الأردن ذلك الابتزاز، وبعد الاضطرابات الشعبية الأخيرة، اضطر العرب لمساعدة الأردن، لعلمهم أن خسارة النظام السياسي الأردني المعتدل ستفجر المنطقة كلها، وستأتي بالشرور لبلادهم وأنظمتهم.

الخلاصة: الفلسطينيون تحملوا ما لا يُحتمل، ولا يضيرهم استمرار ما أسميه بالصبر الاستراتيجي، ولكن لا بد على العرب من دعمهم اقتصاديا على الأقل، ليفشلوا «صفقة القرن» أو يحسّنوا من شروطها على الأقل.

صحيفة العرب القطرية 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

اشتباكات تتصدى لمداهمات الاحتلال في الضفة

اشتباكات تتصدى لمداهمات الاحتلال في الضفة

الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلاماندلعت مواجهات واشتباكات مع قوات الاحتلال الصهيوني في عدة محاور من الضفة الغربية، خلال اقتحامات ومداهمات...