عاجل

الإثنين 01/يوليو/2024

نتنياهو ضابط السيرت متكال.. كيف يفكر للخروج من أزمته

رامي أبو زبيدة

استدعى نتنياهو في خطابه الأخير تاريخه “النضالي” وتقديم التضحيات من جانبه لصالح “إسرائيل”، إضافة إلى التذكير بسجل إنجازاته، هذا الخطاب الذي حاول فيه التركيز على البعد الأمني والعسكري السري، في ظل هاجس الفشل وفقدان “إسرائيل” للردع أمام المقاومة الفلسطينية بعد عملية خانيونس وجولة التصعيد الأخيرة، هذا ما دعا أحد ضباط الاحتلال للقول: “نحن نعيش أسوأ الأوضاع الأمنية منذ حرب 1973”.

نتنياهو في خطابه أعلن تعيين نفسه “وزيراً للدفاع”، مستهلاً خطابه بذكر تضحياته وسرد دوره في حماية والدفاع عن “إسرائيل”، مستعرضاً خدمته في صفوف “السيرت متكال”، ذاكراً أنه أعطى الأوامر لعدد لا يذكر من العمليات السرية، نتنياهو في خطابه العسكري، كونه وزيراً للدفاع؛ ركز على أن هذه الفترة معقدة وحساسة جداً من الناحية الأمنية، خلال هذا المقال سنحاول التعرف على تاريخ وعالم نتنياهو في الوحدات الخاصة، ولماذا يميل للعمل السري الصامت، في ظل عدم الرغبة الإسرائيلية للدخول في حرب مفتوحة مع غزة وغيرها، ما هو العمل الذي قد يقدم عليه نتنياهو لاستعادة قوة الردع ويعزز من شخصيته كحام للأمن الإسرائيلي للدخول في جولة الانتخابات القادمة متسلحاً بالإنجازات الأمنية والعسكرية، وهل ستسمح له يقظة وقدرة المقاومة بالوصول لما يريد.

نتنياهو في “سايرت متكال” وبعضاً من مهامه
تعد وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة والتي تعرف اختصاراً باسم “سايرت متكال” هي نخبة القوات الخاصة التابعة للجيش الإسرائيلي، التي تشكلت عام 1957، من المهام الرئيسية للوحدة، مكافحة الإرهاب (المقاومة)، الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخبارية، مسؤولة عن إنقاذ الرهائن خارج حدود “إسرائيل”، يتم تدريب الأفراد المجندين بالوحدة لمدة 20 شهرا، مع التركيز بشدة على الأسلحة الصغيرة، وفنون الدفاع عن النفس، التمويه، والاستطلاع وغيرها من المهارات الهامة من أجل البقاء وراء خطوط العدو.

عمل شقيق نتنياهو الأكبر يوناتان قائدا لوحدة النخبة في الجيش الإسرائيلي”سايرت متكال”، حين تمّ اختطاف طائرة إير فرانس إلى إنتيبي من عناصر الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان يوناتان أول من قفز من على متن طائرة هرقل، وهاجم الخاطفين في مطار إنتيبي. قُتل من نيران أطلِقتْ باتجاهه من برج المراقبة.

في تشرين الأول عام 1967، بعد أشهر قليلة من حرب الأيام الستة، تجنّد نتنياهو بالجيش الإسرائيلي، ومثل شقيقه الأكبر يوني وشقيقه الأصغر عيدو، تجنّد في وحدة النخبة، برز كأحد المقاتلين الموهوبين، وتقدّم بسرعة في سلّم الرتب، شارك نتنياهو ضباط “سايرت متكال” الذي أصبح لاحقاً رئيساً لوزراء في العديد من العمليات بعيدة المدى التي لا تزال معظم تفاصيلها سرية، عرف عن بعضها التالي:

أ‌.شارك نتنياهو في عملية تدمير 14 طائرة في مطار بيروت، وفي عملية “الكرامة” الشهيرة.

ب‌.في أيار عام 1969، شارك نتنياهو بعبور سرّي لقناة السويس على متن قوارب مطاطية، وفجأة فُتحت نيران مصرية على القوات الإسرائيلية، وقُتل على الفور أحد أفراد الوحدة، سقط نتنياهو في مياه القناة وهو يرتدي معدّات عسكرية ثقيلة، وبدأ بالغرق والاختناق، وفي اللحظة الأخيرة تمّ إنقاذه.

ت‌.عندما أصبح قائدا لفرقة في وحدة “سايرت متكال”، واجه نتنياهو وجنوده إحدى مهامه قطع مسافات شاقة لساعات سيراً على الأقدام عبر الثلوج على ارتفاعات شاهقة شمال فلسطين المحتلة، في مهمّة بقيتْ تفاصيلها سرّية، وكاد الاتصال معهم أن يُقطع. تم إنقاذه من قبل الدرزي سليم شوفي.

ث‌.قبل وقت قصير من تسريحه من الجيش، في صيف عام 1972، كان نتنياهو أحد القادة الميدانيين في عملية إنقاذ الرهائن من طائرة شركة “سابينا” التي اختطفتها المقاومة الفلسطينية.

لعل هذه المهام وطبيعتها، شكلت حيزاً كبيراً من نمط تفكير نتنياهو، وكيف سيبلور ويتخذ قراراته في البعد الأمني والعسكري، ونمط العمليات التي ستكون مرجحة لديه في المستقبل.

العمليات الخاصة أثناء رئاسته الحكومة
تقلد نتنياهو منصب رئاسة الوزراء في دولة الاحتلال في الفترات من (1996 – 1999) و (2009 – الآن)، تعد فترة توليه الأولى فاشلة جدّا، واتّسمت بفقدان الاستقرار وانعدام الثقة مع سائر الجهات السياسية والأمنية.

تلقى نتنياهو في شهر سبتمبر/أيلول 1997 ضربتين أمنيتين موجعتين، الأولى كانت كمين نصبه مقاتلو حزب الله ليل 5 سبتمبر/أيلول من عام 1997 للوحدة 13 في الكوماندوز البحري الإسرائيلي المعروف بـ”شييطت” قرب قرية أنصارية الواقعة على الساحل بين صيدا وصور، مما أدى إلى إبادة أفرادها وعددهم 12 ضابطا وجنديا، المعلومات التي نشرت في “إسرائيل” عن العملية بأن الوحدة نزلت في مدخل القرية في طريقها إلى هدف لم تتحدد ماهيته، وقتها أشار نعيم قاسم نائب أمين عام حزب الله في كتاب صدر عام 2002 إلى أن «المقاومة كانت على علم بخطة العدو، وأنها كانت مستعدة للهجوم، ونصبت عبوات ناسفة جرى تفعليها عن طريق أجهزة تحكّم عن بعد».

الضربة والفشل الثاني الذي تلقاه نتنياهو بعد أيام قلائل من عملية أنصارية، هو فشل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في 25 سبتمبر 1997، استهدفه الموساد الإسرائيلي بتوجيهات مباشرة من نتنياهو، فقد قام عناصر من جهاز الموساد بحقن خالد مشعل بمادة سامة أثناء سيره في شارع وصفي التل في عمّان. اكتشفت العملية من مرافق مشعل، واستطاعت السلطات الأردنية إلقاء القبض على اثنين من عناصر الموساد المتورطين في عملية الاغتيال، شكلت هذه العملية نقطة متدنية في رئاسة حكومة نتنياهو، فقد أفاد لاحقا أريئيل شارون، الذي كان وزيرا في حكومته، بأنّ نتنياهو أصيب بالذعر والافتقار الحادّ إلى رباطة الجأش في تلك القضية، ممّا أجبر الحكومة الإسرائيلية على إرسال الترياق إلى مشعل والذي أنقذ حياته، وإلى إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين من سجنه.

كانت فترة ولاية نتنياهو الثانية مختلفة عن الفترة الأولى، من حيث استقرارها، والموضوع الأكثر بروزا في فترة الولاية تلك كان، النووي الإيراني وما يزال يعد التحدي الأكبر له، في عام 2011، عندما كان باراك يتولى منصب وزير الحرب في ظلّ رئيس الحكومة نتنياهو، قاد الاثنان سويّة العملية الاستراتيجية التي كادت أن تنتهي بقصف المنشآت النووية الإيرانية.

ومن ضمن العمليات التي تمت خلال هذه الفترة اغتيال محمود المبحوح، وهو أحد قادة كتائب القسام يوم 19 يناير 2010، بفندق في مدينة دبي، ويعتقد أن نتنياهو أراد من تنفيذ العملية في دبي استعراض عضلات بالإضافة للتخلص من القيادي بالقسام.

قد تعد سيطرة الموساد الإسرائيلي على الأرشيف النووي الإيراني، الإنجاز الأبرز لنتنياهو مؤخراً حيث خرج في مؤتمر صحفي منتشيا ومفتخراً بما قد تحقق، وفي تفاصيل العملية فقد ذكرت صحيفة “معاريف”، أنه شارك بشكل خاص في عمليات البحث، عناصر من شعبة العمليات في الموساد المعروفة بـ “قيساريا”، وتم الاستعانة بالوحدات المتخصصة فيها، ومن ضمنها وحدة الاغتيالات “كيدون”، من خلال الاستعانة بخبراتهم في مجال التسلل إلى “دول عدو خطرة”، إلى جانب خبراتهم في تنفيذ مهام بالغة التعقيد، وقد تم الاستعانة بعناصر شعبة “كيشت”، التي تلعب دوراً في عمليات “المتابعة والاختراق الإلكتروني”.

ما سبق جزء من عمليات خاصة وسرية تمت في فترات ترأس نتنياهو لحكومة الاحتلال، فقد حالفه الفشل في عددٍ منها والنجاح في عددٍ آخر لكن اللافت هو ميله الدائم للعمليات الأمنية الخاصة الصامتة التي تعطيه القدرة على إيلام خصومه وتسديد ضربات بالعمق، يثار حول بعضها الشكوك، ويتفاخر بالبعض الآخر، أغلب هذه العمليات جنبته الدخول في مواجهة مفتوحة مع قوى المقاومة، لعلمه بعدم قدرته على التحكم بمجريات ومفاعيل أي حرب مفتوحة وأدواتها على الأرض.

فشل نتنياهو ووحدة “سايرت متكال” في خان يونس
فشل المخطط الإسرائيلي في خانيونس وقتل ضابط وأصيب آخرون من وحدة “سايرت متكال”، في محاولة خلط الأوراق ومباغتة المقاومة وتسجيل إنجاز نوعي لنتنياهو عقب تآكل قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة المقاومة الفلسطينية، وطبيعة رد المقاومة والذي أظهر دولة الاحتلال بحالة من العجز والهشاشة، سقط معها حلم السياسيين والعسكريين باستعادة زمام المبادرة، فاستقال وزير حرب الاحتلال ليبرمان، وثار المجتمع الصهيوني على قيادته لفشلها في مواجهة المقاومة بغزة، وعندها اهتزت حكومة نتنياهو وقاربت على السقوط، في هذه اللحظة شعر نتنياهو أن اسهمه بدأت بالاهتزاز، وليس من صالحه الذهاب لانتخابات مبكرة لا تعزز من رصيده في أي انتخابات قادمة، فاستحوذ لنفسه على وزارة الحرب، ومن خلال الجانب الدعائي والتسويقي الذي يتقنه أظهر للجميع أن “إسرائيل” تمر في فترة معقدة وحساسة جدا من الناحية الأمنية، وفي ظل تلك المخاطر وفي ذروة المعركة لا يجوز الحديث فيها عن السياسة، ولا يجوز أن يجري فيها التسابق من أجل مكاسب سياسية.

كيف سيرمم نتنياهو الردع الإسرائيلي المتآكل، وما هو دور المقاومة؟

تأكيد نتنياهو المتكرر بعد انتهاء جولة التصعيد الأخيرة، على أن “إسرائيل” لا تزال في أوج معركة لم تنته، وتراجع الوزيرين بينيتوشاكيد عن عزمهما الاستقالة في اللحظات الأخيرة، بعد وعود نتنياهو باستعادة قوة الردع والتعامل مع غزة، كل ذلك يؤشر إلى أن هناك أمراً قد بدأ الإعداد له، ومن خلال ما ذكرناه عن تاريخ نتنياهو بالعمليات الخاصة ذات البعد الأمني والاستخباري، فإن العمل القادم يبدو لي أنه لن يكون بعيداً عن هذا الإطار (تصفيات صامتة داخليا أو خارجيا، اختطاف، معلومات متعلقة بأسرى العدو، عمليات على الأراضي السورية، تعطيل جهود إيران النووية) لرغبة منه في عدم التورط والانجرار في حرب مفتوحة غير محسوبة مع قوى المقاومة.

في ظل الشكوك في الجاهزية على المستوى العسكري الذي لم يستكمل العديد من المشاريع الدفاعية كالحاجز الأرضي والبحري وقصور القبة الداخلية، بالإضافة لعدم جاهزية الجبهة الداخلية وعدم استكمال تحصين ونقل عدد من الأهداف الاستراتيجية التي قد تكون عرضة لصواريخ المقاومة.

عند الرجوع لاستراتيجية آيزنكوت التي تبناها نتنياهو، نلحظ تركيزها على الاستعداد للحرب الكبرى القادمة، ولكن في الخلفية، القيام بحرب سرية من النوع الذي لا يلزم المقاومة بالرد، ويعتقد العدو أنه نجح في ذلك بالتعامل مع إيران وسوريا، من خلال الهجمات التي تستهدف مواقع وأهداف في سوريا، ولكن المشي على خط رفيع يمكن أن يؤدي أيضا إلى اندلاع حريق إقليمي.

 تقديري أن “إسرائيل” في هذه المرحلة غير راغبة وغير جاهزة لحرب طويلة في أي جبهة من الجبهات الساخنة (غزة، لبنان، سوريا) لكن تبعات أي فعل قد يقدم عليه نتنياهو حتى لو كان ذا بعد أمني استخباري قد ترتد عليه سلباً في حال فشله، لأن المقاومة وهي تستعد لخوض حرب أو معركة، أو مجابهة مع العدو، تفكر بما وراء “التلة” والواقع على الأرض يكشف أن هناك قدرات أمنية كبيرة لدى المقاومة تتجاوز الحدود التي كان قد رسمها العدو.

المطلوب من المقاومة اليوم أن تكون حذرة على كل الصعد التي تمس المقاومة بالداخل والخارج، وعليها السعي للحصول على أفضل المعلومات التي يمكن الحصول عليها عن العدو، والتغلغل في صفوفه بواسطة استخدام الوسائل التكنولوجية والتقنية، من أجل معرفة ما الذي تعرفه وما الذي تريد معرفته، وكيف تحصل على المعلومات التي تريد وعلى المقاومة أن تكون قادرة ومستعدة أكثر لمنع التغلغل في صفوفها من قبل استخبارات العدو، لأنه كلما استطاعت تنفيذ عمليات خداع واختراق استخباري ناجح، سيسعى العدو بالمقابل للرد من خلال أجهزته الاستخبارية، لذلك عليها أن تسأل نفسها باستمرار، ما هي الاتجاهات المعقولة والأكثر منطقية التي قد يهاجم العدو منها

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات