السبت 29/يونيو/2024

قراءة سياسية وعسكرية في حادثة خانيونس وما تلاها من تصعيد

عبيدة مدوخ

لا تزال تبعات حادثة خانيونس التي وقعت أول أمس تُلقي بظلالها على الوضع الحالي المتمثل بالجولة التصعيدية التي نشبت على إثرها، بعد أن جاء رد المقاومة على الحادثة باستهداف حافلة جنود بصاروخ كورنيت مضاد للدروع.

إذا ما أردنا قراءة المشهد الحالي بصورة سليمة؛ فلا بد من الفصل في الحديث عن حادثة خانيونس من جهة، والتصعيد الذي تمخض عنها من جهة أخرى.

أما بخصوص ما حدث في خانيونس من تسلل قوة خاصة من وحدة “مغلان” لتنفيذ مهمة سرية لا يعلم أحد طبيعتها وأهدافها حتى الآن سوى المستوى الرفيع من قيادة الجيش، وخصوصاً بعد أن قامت المقاتلات الجوية الإسرائيلية بضرب المركبة التي كان بداخلها الأجهزة والمعدات الخاصة بقوة التنفيذ، لحرمان جهات التحقيق التابعة للمقاومة من معرفة هدف المهمة التي خاطر من أجلها الجيش بإرسال قواته إلى داخل القطاع، فلا بد من التنبيه إلى ما يلي:

– العملية التي نفذتها القوة الخاصة شرق خانيونس، لا علاقة لها بجهود التسوية التي بدأت تُؤتي ثمارها مؤخراً، حيث أن الحديث يدور عن نوع من العمليات الاعتيادية الطبيعية التي يسعى أي جيش أو قوة عسكرية لتنفيذها لتحقيق أهداف استخباراتية وعسكرية سواء كان ذلك في حال السلم والهدوء أو في حال الطوارئ والحروب، ولم تنسَ الذاكرة بعد حادثة انفجار جهاز التنصت على منظومة اتصالات المقاومة قبل أشهر وسط قطاع غزة والذي زرعه ضباط ومهندسون إسرائيليون، وفقاً للتقديرات.

– ما تناقلته وسائل الإعلام العبرية من أن العملية قد أشرف على تنفيذها رئيس الأركان الجنرال غادي أيزنكوت بعد موافقة كل من وزير الجيش أفيغدور ليبرمان ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يدلل على عدم رغبة قيادة الاحتلال تخريب جهود التسوية الجارية، حيث أن الجيش عادة ما يحرص على موافقة المستوى السياسي في العمليات النوعية التي قد يكون لها تداعيات سلبية على الصعيد السياسي والدبلوماسي، كما هو الحال عندما ضرب سلاح الجو الإسرائيلي المفاعل النووي السوري في دير الزور عام 2007.

– على ما يبدو فإن موافقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو على تنفيذ العملية التي كادت أن تودي بحياته السياسية في حال نجحت المقاومة بأسر جميع عناصر قوة التنفيذ -لأنه سيضطر وقتها للدخول في حرب واسعة لاستعادتهم- جاءت نتيجة تقديرات الجيش التي أكدت له بأن نسبة نجاح تنفيذ العملية بهدوء وسرية مطلقة تصل إلى 99% هذا إذا لم يكن 100%، وما يؤكد ذلك، مكوث نتنياهو في الخارج وقت تنفيذ العملية، ويبقى السؤال: لماذا اختار الجيش وحدة مغلان لتنفيذ هذه العملية السرية النوعية التي ستكشف الأيام إن لم تكن السنين طبيعتها وأهدافها؟

– عادة ما يعكف الجيش الإسرائيلي على اختيار وحدات نخبة أركانية مثل وحدة “سييرت متكال” لتنفيذ مثل هذه المهام الأركانية التي يشرف على قيادة غرفة العمليات الخاصة بها هيئة الأركان العامة برئاسة قائدها الجنرال غادي أيزنكوت، وليس قيادة فرقة غزة كما هو الحال في المهام العملياتية الأخرى.- تجدر الإشارة إلى أن وحدة مغلان لا تعمل منفردة، بل تعمل ضمن تنظيم قتالي متكامل يتمثل بلواء الكوماندو المعروف باسم لواء “عوز” التابع لفرقة النار المقاتلة التابعة لقيادة المنطقة الوسطى، حيث إن مهامها عادة ما تكون في إطار ذلك التنظيم الذي يأتي ضمن المستوى التكتيكي المقاتل.

– باعتقادي أن اختيار قيادة الجيش لوحدة مغلان من أجل تنفيذ هذه المهمة، ينبع من كونها على دراية مسبقة بطبيعة ومسرح العمليات الخاص بمنطقة التنفيذ، حيث أن الوحدة كانت قد شاركت في الدخول البري في منطقة شرق خانيونس خلال حرب 2014، وقد قُتل ثلاثة جنود من عناصرها في كمين محكم للمقاومة شرق خانيونس.

– لم يكن مصادفة اختيار وحدة مغلان لتنفيذ هذه المهمة في ذات المنطقة التي قاتلت بها الوحدة خلال حرب 2014، ولربما يكون في ذلك الأمر سر كبير، كأن تكون الوحدة عادت لاستعادة شيء ثمين تركته خلفها بعد انسحابها من المنطقة عشية انتهاء حرب 2014.

أما فيما يتعلق بالتصعيد الذي اقتصر حتى اللحظة على تبادل النيران الدقيقة والمدروسة بين المقاومة والاحتلال جاء ردة فعل طبيعية على حدث خانيونس، ولا علاقة له أيضا بجهود التسوية، حيث أن مثل هذه الجولات التصعيدية القائمة على الفعل ورد الفعل من الممكن أن تحدث في أي وقت، حتى وإن كان ذلك بعد أعوام من الاستقرار وعودة السلطة إلى غزة في إطار التسوية الطويلة.

كما أن تعمد المقاومة على عدم إيقاع عدد كبير من القتلى في عملية استهداف حافلة الجنود مساء أمس، وما تلى ذلك من الضربات والنيران المتبادلة المدروسة بين المقاومة والاحتلال، يدلل على عدم رغبة الطرفين في توسيع رقعة المواجهة، وأن كلاهما يرغب بالهدوء الطويل في هذه المرحلة الحساسة على الأقل.

المصدر: موقع عكا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات