غزّة.. خلاصة الإسلام والعروبة

العملية الأمنية الإسرائيلية، التي أحبطتها المقاومة الفلسطينية يوم الأحد 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، شرق مدينة خانيونس في قطاع غزة.. ما تزال أهدافها مجهولة، وبالنظر إلى التفاصيل التي نُشرت عن سيارة القوّة الأمنية الإسرائيلية الخاصّة وكيفية تسللها والأدوات التي تحملها، والظروف التي أوقفتها فيها مجموعة تتبع لكتائب القسام الجناح العسكري لـ”حماس”، بالنظر إلى كلّ ذلك فمن المحتمل جدًّا أن الأهداف الإسرائيلية كانت أكبر من قتل مقاوم فلسطيني، وربما حتّى أكبر من اختطافه.
السياق السياسي
وإذا أخذ في الاعتبار السياق السياسي الراهن الذي تجرى فيه محاولات دفع إقليمية ودولية لإنجاز شكل من أشكال الهدنة بين المقاومة الفلسطينية في غزّة وبين “إسرائيل”، فإنّه من المرجّح وجود أهداف أكبر مما تكشّف حتى الآن، ولعلّ رثاء نتنياهو لضابط الوحدة الأمنية الذي قتلته المقاومة الفلسطينية، وحديثه ـ بتعظيم كبير ـ عن خدماته التي قّدمها لـ”إسرائيل” ما يشير إلى الطبيعة الحسّاسة لهذه الوحدة، والتي لا يمكن المغامرة بها داخل منطقة معادية ومتحفّزة كقطاع غزّة، لاسيما وأن “إسرائيل” قد وافقت على ما سمّي بـ”التسهيلات” التي قُدّمت للقطاع أخيرًا، والتي تأتي في سياق بلورة الهدنة المشار إليها.
صحيح أنّ المزاودات الداخلية بين أقطاب الحكم الإسرائيلي قد تفضي إلى مغامرة من هذا النوع، لكن يظلّ العقل الإسرائيلي تاريخيًّا محكوما بغرور القوّة، ومتوثّبا لفرض معادلة استراتيجية تجعل من يده هي العليا دائما في المجريات الأمنية، تعاظمت هذه النزعات لدى الاحتلال الإسرائيلي بفعل الهشاشة العربية التي يتحرك فيها الاحتلال بأريحية مطلقة، وفي حال ركّزنا النظر على الجاري اليوم، فإنّ عمليات التطبيع المتصاعدة، بكل صفاقة وأنانية، تعظّم من تلك النزعات الإسرائيلية، ويدفع ثمنها بصورة مباشرة وآنية الفلسطينيون من قضيتهم ومن مجريات حياتهم قتلا واعتقالا وهدما، ولكن في النتيجة ستدفع ثمنها المنطقة العربية كلّها بأن تظلّ محكومة لهذا الانحطاط الاستعماري التافه وبما يحول دون أي تحوّل حقيقيّ فيها نحو النهضة أو التنمية أو الديمقراطية.
مقاومة جدّية
يقودنا ذلك إلى نتيجة مروّعة ولكنها مبشّرة، وهي أنّ غزّة هي المكان الوحيد في العالم الذي يبلغ العداء المتبادل بينه وبين “إسرائيل” الدرجة القصوى من الجدّية، نعم ثمّة مقاومة معدمة الإمكانات تحاول شقّ طريقها في الضفّة الغربية التي يعدّها الاحتلال جوهر مقولته الصهيونية وحائط الصدّ عن عمقه الاستراتيجي، لكن اختلاف السياسات الفلسطينية بين المكانين يجعل غزّة في هذه الدرجة المتقدمة، ويدفع الاحتلال للتعامل معها بهذه الجدّية، والمقامرة بأهم وحداته الأمنية في داخلها.
من هنا تكون غزّة.. خلاصة العرب والإسلام.. وتكون مقاومة حماس وأخواتها خلاصة المقاومة كلّها.. ويظل البناء على ذلك لاغتنام التراجع الإسرائيلي الذي لا يغطيه غرور القوّة ولا الهشاشة العربية الرعناء!
رغم المشكلات الاستراتيجية التي تكابدها المقاومة في القطاع، ورغم أن قطاع غزّة أقلّ أهمّيّة في جوهر الرؤية الاستراتيجية الصهيونية من الضفّة الغربية وكذلك فيما يخصّ الأيديولوجية والدعاية الصهيونية الاستعمارية، إلا أنّ الجدّية البالغة التي يُعامِل بها الاحتلال المقاومة في قطاع غزّة منعكسة عن جدّية تلك المقاومة، فلا هي مقاومة شعاراتية، ولا هي مقاومة تتوسّل بها “حماس” السلطة والحفاظ على مكتسباتها، بل مجالها الجغرافي، أي غزّة، هو المكان الوحيد في هذا العالم الذي يُشاغل “إسرائيل” وتنشغل به منذ العام 2006 إلى اليوم.
وإذا نظرنا في أداء هذه المقاومة منذ انبعاثها في انتفاضة الأقصى إلى اليوم، مرورا بكل المعارك التي خاضتها، والعمليات الأمنية التي لم تزل تنفّذها بنجاح، وأبرزها قدرتها على مراكمة قدراتها وإمكاناتها رغم كل العوائق التي يفرضها عليها الاحتلال والإقليم والعالم، واحتفاظها بجنود أسرى، واستهدافها الاستخباراتي لجنود الاحتلال، وغير ذلك.. فإنّنا نتحدث عن مقاومة جادّة بالفعل، لا تزيد فرص الهدوء بالنسبة لها على أن تكون فرصا للتطوير وتعظيم القدرات، فالعجيب بعد ذلك أن تظلّ هذه المقاومة محلّ مزايدة وتشكيك واتهام، حتى من بعض الأصدقاء والحلفاء أحيانا، رغم أنها الوحيدة التي لم تزل منذ تأسيسها في صراع فعلي عملي مع الاحتلال لا يتوقف، والتي تُثبت في كلّ معركة أن ما سبقها من هدوء لم يكن إلا استعدادًا وتحفّزًا!
على أيّ حال، تستحق المقاومة الفلسطينية تقديرا وإيمانا وثقة أكبر من الفلسطينيين أولا ثم ممن هم خلفهم من عرب ومسلمين، بيد أن المبشّر في تلك الصورة المروّعة (أي في كون غزّة ـ على ضعف ممكناتها ومعاندة الظروف كلّها لها ـ هي المكان الأكثر جدّية في العداء لـ “إسرائيل” في واقع عربيّ بالغ الهشاشة والصفاقة).. المبشّر في ذلك، ما تسفر عنه معارك غزّة وإنجازاتها عن حقيقة تراجع الاحتلال وقدرة الإرادة المحضة على الصمود في وجهه، بل وكسر معادلاته الأمنية والعسكرية، فكيف لو تمتعت هذه الإرادة بممكنات وازنة، وبإسناد عربي، بل كيف لو تمتع العرب بإرادة غزّة وهم يملكون كل عناصر التفوق الاستراتيجي على “إسرائيل”؟!
من هنا تكون غزّة.. خلاصة العرب والإسلام.. وتكون مقاومة حماس وأخواتها خلاصة المقاومة كلّها.. ويظل البناء على ذلك لاغتنام التراجع الإسرائيلي الذي لا يغطيه غرور القوّة ولا الهشاشة العربية الرعناء!
المصدر: عربي 21
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

استشهاد شاب برصاص الاحتلال في بيتا جنوب نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الشاب علاء شوكد أحمد اخضير، مساء اليوم الخميس، إثر إصابته برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها بلدة...

القسام يعلن عن كمين محكم لقوات الاحتلال في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الخميس، مسؤوليتها عن تنفيذ عملية مركبة ضد قوات الاحتلال الصهيوني في...

مجزرة هدم جديدة.. الاحتلال يخطر بهدم أكثر من 100 مبنى في مخيمي طولكرم ونورشمس
طولكرم – المركز الفلسطيني للإعلام أخطر جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الخميس، بهدم عشرات المنازل في مخيمي طولكرم ونور شمس في طولكرم بالضفة الغربية...

91% من سكان غزة يعانون أزمة غذائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش، اليوم الخميس، أن 91% من سكان القطاع يعانون من "أزمة غذائية"...

مستوطنون ينصبون خياماً استيطانية جديدة على أراضي سنجل شمال رام الله
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأقام المستوطنون اليوم الخميس، خيمة استيطانية جديدة على أراضي المواطنين في بلدة سنجل شمال رام الله. وقال أهالي...

تحذير من قتل ممنهج يتعرض له الأسير حسن سلامة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذر مكتب إعلام الأسرى من تعرض الأسير القيادي في حركة حماس حسن سلامة لتعذيب ممنهج في سجن مجدو الإسرائيلي، بهدف القتل....

3 شهداء بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد ثلاث أشخاص، اليوم الخميس، في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في بلدة ميس الجبل جنوبي لبنان. وأفادت وكالة...