السبت 10/مايو/2025

مسيرات العودة ونضوج المقاومة

ناصر ناصر

أظهر الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة في قطاع غزة حكمة ونضوجا واضحا في إدارة فعاليات مسيرة العودة على أنواعها وأشكالها المختلفة، وهو ما برز في جمعة إسقاط وعد بلفور (الجمعة 32 للمسيرات)، والتي تميزت بضبط نفس عالٍ هادف وبناء من قبل جماهير الشعب الفلسطيني المتظاهرين على الحدود، حيث ركزت المسيرات على أساليب، وتركت مؤقتا على الأقل أساليب أخرى كالبالونات الحارقة واختراق السياج الفاصل.

برز النضوج والحكمة في إدارة مسيرات العودة من خلال التأكيد على مبدأ واضح؛ وهو أن الهدف أهم من الوسيلة، والوسيلة في خدمة الهدف وليس العكس، والهدف هو التوصل لتخفيف الحصار الخانق عن غزة على طريق كسره بالكامل، أما الوسيلة فهي المقاومة بكافة أشكالها، فإن اقتضى الأمر وتطلب الهدف استخدام وسيلة معينة دون وسيلة أخرى من أجل أعطاء فرصة للتوصل للهدف فبها ونعمت، فالشعب الفلسطيني يرغب ويفضل أن تتحقق أهدافه بأقل الخسائر الممكنة وأسهل الوسائل المتوفرة، ولكن الاحتلال الغاشم هو من يعقد الأمور دوما بإصراره على القمع والبطش والمماطلة في فك الحصار.

قد يحاول المحتل أن يظهر أمر النضوج والالتزام العالي لمتظاهري مسيرة العودة كأمر يتناقض مع العفوية والشعبية والتلقائية التي يخرج بسببها الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني للتظاهر والاحتجاج كرد فعل إنساني وطبيعي على جرائم الاحتلال واستفحال الحصار، ويحاول بذلك تشويه حقيقة نجاح المتظاهرين في تنظيم أنفسهم وإنشاء قيادة وهيئة وطنية موحدة عليا كشرط ضروري وواجب لضمان تحقيق أهدافهم المنشودة.

هل ما ظهر من نضوج والتزام وإعطاء فرصة في الجمعة 32 من مسيرات العودة سيضمن تحقيق المطالب أو سيجبر المحتل على التراجع؟ ليس من المضمون أن يتم ذلك، ولكن هذا لن يضر بحال أو يضعف أهمية النضوج والالتزام فهما الضامن الوحيد لإجبار العدو للتراجع عن حصاره (وإن عدتم عدنا)؛ إن عاد الاحتلال للمماطلة عاد الشعب لاستخدام ما يشاء من وسائل المقاومة.

لقد أظهرت التجربة التاريخية والدراسات الموضوعية أن المقاومة الوطنية ذات الإمكانات المحدودة لا يمكن لها أن تنجح في تحقيق أهدافها ومواجهة محتلها المتغطرس وصاحب الإمكانات الهائلة ما لم تتمتع بدرجة عالية من الذكاء والمرونة في إدارة ما تمتلكه من أدوات ووسائل مقاومة محدودة؛ فالمقاومة الراشدة منتصرة أبدا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات