الإثنين 05/مايو/2025

نجدة البلوط !

أسامة الأشقر

شعاب ووديان صغيرة في حوض نهر عفرين ترتمي على أطرافها قرى صغيرة وبلدات زراعية تعيش من حقول الزيتون والعنب والرمان المنتشرة على امتداد المدى المفتوح من النواحي الأربعة إلى الجنوب من جنديرس في الشمال السوري على نهايات جبل الأكراد حيث كان يسكن إله الجبال في المعتقدات الوثنية القديمة بين البروق والعواصف والبحر القريب.

وعلى أطراف قرية من قرى الثغور العسكرية القديمة تدعى دير بلوط حيث كان هناك دير قديم مندثر عصفت به السنون والزلازل وتنوقلت حجارته ووضعت في جدران القرى الجديدة في السفوح حيث تظهر لك بقعة بيضاء مخططة بحزوز باهتة محاطة بسور بارد لا يبدو في منظره أنه جدار سجن.

هذه البقعة البيضاء وسط الخضرة تحولت إلى قضية إنسانية موجعة بعد أن نُقِل إليها مجموعات بشرية ظلت محاصرة لسنوات كئيبة في مخيم اليرموك، لم تكن تملك الخيار الآمن سوى في الهجرة القسرية عن ميلادها الأول في المخيم الدمشقي العريق، فانتقلت بكبارها وأطفالها ونسائها إلى الخلاص من الجحيم.

وعندما تكون في الجحيم فإن الخلاص يبدو لك ورديا بأي صورة كانت حتى لو استحالت إلى القبح، ولكن الصدمة أن هذا الخلاص بدا قبيحاً منذ اللحظة الأولى، فقد وصل المهجّرون إلى بيئة قاسية غير معدّة لاستقبالهم، ولم يكن في مخيلة هؤلاء أنهم سيكونون في موضع بريّ خلوي كهذا وهم مثقلون بالأسر والجرحى والعائلات المنكوبة والجوع والعطش.

لم يتحسن الأمر بتطاول الزمن، وتعاقبت الشهور، وضاق الحال أكثر وأكثر، حيث ذابت الخصوصيات وصاروا يتعاملون معهم مثل كتلة واحدة لا تراعي الفوارق الكثيرة المتعلقة بالأسر وحاجاتها، وصارت الأشياء تتحرك بالضغط والاحتجاج فحسب.

ما زالت المياه التي تصلهم لا تكاد تكفي حاجاتهم، ويضطرون إلى تخزينها في مواعين صغيرة على أطراف خيامهم.

وما تزال مرافق التصريف محدودة، وليس فيها خصوصية محمودة حتى إن كثيرين يتسللون إلى حقول الزيتون لقضاء حاجاتهم.

لا يجد الرجال عملاً كريماً يقومون به في مخيمهم المقفول، وينتظرون مثل غيرهم المخصصات التي تقدمها لهم الجهة التركية المشرفة على المخيم، بينما تتسل إليهم المساعدات من جهة فلسطينية أخرى في الحقول المجاورة.

لا يتوقف الأمر على ضروريات الحياة، فما تزال الرعاية الصحية تتحرك في حدود المسكنات والإسعافات السريعة، وما يزال التعليم مشكلة عالقة، وأما ظروف الطبيعة فقد اشتدت عليهم أيضاً لاسيما أنهم في الخلاء المفتوح على هوام الأرض في وادي الأفاعي التي تتربص أكثر ما تتربص بالأطفال الذين يضيق بهم السجن الأبيض، ومن المتوقع أن تأتيهم شتوية ثلجية عاصفة لا ترحم.

إن الواجب هنا ليس تحسين ظروف اللجوء فحسب؛ بل يتعدى الأمر إلى إخراجهم من هذا المكان ونقلهم إلى الدولة التركية حيث الأوضاع آمنة مستقرة، وأن يجري التعامل معهم كما جرى التعامل مع كثيرين من غيرهم، وأن يُمنحوا فرصة العيش الآمن الكريم بعد المرارة الفظيعة التي عاشوها؛ وينبغي أيضاً أن يتعاملوا معهم من المدخل الإنساني البحت بعيداً عن التصنيفات الأمنية التي لاحقتهم بسبب صمودهم في مخيمهم القديم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن

صنعاء- المركز الفلسطيني  للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...