الأحد 04/مايو/2025

الشهيدة عائشة الرابي.. صار الزيت دمعاً

عيسى قراقع

“ألو ألو”… أمي ماتت…أمي ماتت، هو صوت الطفلة راما (9 سنوات) ابنة الشهيدة عائشة محمد الرابي عندما أمسكت هاتف والدتها في المستشفى ترد على اتصالات الناس، تبكي وتصرخ: “ماتت أمي.. ماتت أمي”.

في يوم 13/10/2018 ارتقت الشهيدة عائشة الرابي (45 عاماً) سكان قرية بديا قضاء سلفيت جراء إصابتها بحجر كبير في رأسها بالقرب من مستوطنة “رحاليم” القريبة من حاجز زعترة العسكري جنوب نابلس بعد أن هاجم مستوطنون حاقدون السيارة التي تستقلها برفقة زوجها وابنتها ليلاً أثناء مرورها بالشارع.

استشهدت عائشة فوراً على مقعد السيارة، تناثرت دماؤها، وسالت غزيرة على وجهها، تطاير الزجاج والدم والصرخات في تلك الليلة المتوحشة، لم تصل عائشة إلى البيت، صارت المركبة قبراً، وسجل حاجز زعترة العسكري جريمة إعدام أخرى تضاف إلى عشرات الإعدامات التعسفية التي ارتكبت على يد الجنود والمستوطنين.

الشهيدة عائشة الرابي كانت عائدة من مدينة الخليل في زيارة لابنتها سلام لوضع اللمسات الأخيرة على تجهيز وترتيبات عرسها القريب. فستان العرس الأبيض تلطخ بالدماء، سقط الإكليل، المدعوون للزفاف شطبوا المواعيد ووصلوا الجنازة، قتلت الفرحة والبهجة والرقصة والغناء، تبعثر الحناء والورد والوقت وسكت المساء.

“ألو…ألو”، ماتت أمي، صوت الطفلة راما يرتفع ويشهق في صدمتها وصياحها وهي تعلن فجيعتها وتنادي وتستغيث، فمن يسمع؟ إرهاب المستوطنين واعتداءاتهم تتصاعد تحت حراسة وحماية جيش الاحتلال، الطرق في الأراضي المحتلة لم تعد توصل الناس إلى منازلهم وقراهم، خوف وترقب وانتظار، الموت يتربص في كل اتجاه، دولة مستوطنين تتضخم في كل مكان.

“ألو…ألو، ماتت أمي”، صوت ابنة عائشة الرابي، لماذا يموت الفلسطيني قبل الزفاف؟ شقيقها (فوزان) استشهد عام 1999 قبل زفافه بساعات، وابنتها سلام تودع والدتها قبل زفافها بأسبوعين. كلما اقترب الفلسطيني من أرض أحلامه اغرورقت عيناه، يتعثر ويصلب على طريق الحياة.

“ألو…ألو، ماتت أمي”.. نداء المزارعين في موسم قطاف الزيتون، زعران المستوطنين يستبيحون الأراضي، يحرقون ويقطعون الأشجار، يعتدون على الناس ويمارسون عنصريتهم وإرهابهم ضد الزيت والزيتون والآيات المباركات، كل شيء في حقولنا أصبح صامتاً، أسلاك وجدران وطرق التفافية وبوابات وطلقات رصاص.

“ألو..الو ماتت أمي”، صاحت حمامتنا الذبيحة، المستوطنون خلف الباب، أمي غطتها الدماء، نحن في عين الإعصار، موسم الزيتون يفقد جماله ورونقه، لا نوم ولا أمان، لم نعد نسمع في موسم القطاف: على دلعونا على دلعونا.. زيتون بلادي أجمل ما يكونا، فمن يغني في البدية ويسمع الحجر الناري؟ يرى نساء فلسطينيات يطرزن حبات الزيتون على ثوب السماء.

“ألو..ألو ماتت أمي”، صوت سبعة شهداء سقطوا في نفس اليوم في مسيرات العودة في غزة، صوت الأسيرات الفلسطينيات لا زلن معتصمات يرفضن إذلال وقمع إدارة السجون، صوت الشيخ الأسير خضر عدنان يخوض إضراباً مفتوحاً منذ 50 يوماً ضد اعتقاله الإداري التعسفي، صوت المسجد الأقصى في القدس يشتبك مع عصابة المتطرف “غليك” الذي يقود الاقتحامات والاستفزازات ويعتدي على الصلاة، صوت المسيح عليه السلام وهو يلملم عشرات الصلبان والشواهد التي حطمها وكسرها المستوطنون في مقبرة “دير بيت جمال” غرب القدس.

“ألو..ألو ماتت أمي”، صراخ الطفلة راما وقد عادت إلى قرية بديا تحتضن أمها القتيلة، استقبلت القرية الشهيدة، تحركت أضرحتها وأشجار زيتونها الرومي، تحرك الماء في آبارها الكنعانية القديمة، تحركت معصرة الزيت في يدها فصار قطاف الموت قطافًا، يعود الشاب إلياس ياسين إلى قريته بديا يوم 15/10/2018 شهيداً، فقد جرى إعدامه على يد جنود الاحتلال بالقرب من مستوطنة “اريئيل” فاكتمل العرس واتسعت الجريمة.

“ألو .. ألو.. ماتت أمي”.. وصلت الجثة إلى قرية بديا الفلسطينية، القرية التي تعني معصرة الزيت، سميت بديا لأنها تشبه البد، وهو الجذع الثقيل الذي يستخدم في عصر الزيتون، ترفع الآن كل جذوعها وأشجارها وأيديها، تحرك ترابها وتاريخها ليسيل الزيت كثيراً والدم.

“ألو…ألو، ماتت أمي”، صوت محمود درويش يأتينا من فوق السحاب:

لو يذكر الزيتون غارسه
لصار الزيت دمعاً
سنظل في الزيتون خضرته
وحول الأرض درعاً

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات