هاني خوري.. صانع المجد من على كرسي متحرك

على كرسيٍّ متحركٍ، جابَ الأكاديميّ الفلسطينيّ هاني خوري الولايات الأمريكية على مدى 35 عاما، نال خلالها الدرجات العلمية، وصولا إلى الأستاذية، قبل أن يشده الحنين لزيارة مسقط رأسه مدينة نابلس شمال الضفة الغربية المحتلة.
وفي وضع قريب الشبه بوضع العالم البريطاني الراحل “ستيفن هوكينغ”، يقبع خوري على كرسيه بعد أن أصاب الشلل معظم أنحاء جسده، ولم يعد بإمكانه سوى تحريك رأسه ويده اليسرى، التي تتيح له فرصة استخدام التكنولوجيا الحديثة للتغلب على إعاقته.
ورغم طول سنوات الغربة، لكنها لم تنسه ذكريات 18 عاما من حياته عاشها في نابلس، وما زال يحتفظ بذكريات جميلة أمضاها مع أصدقاء الطفولة والشباب، ولم يتأثر لسانه باللكنة الأمريكية، وبقيت لهجته النابلسية الفلسطينية سمة بارزة تزيّن كلماته.
ذكريات أصيلة
وعلى هامش زيارة قام بها الى نابلس استمرت بضعة أيام، ألقى هاني العديد من المحاضرات أمام طلبة الجامعات وذوي الإعاقة، والتقى العديد من أصدقاء الطفولة.
يقول خوري: “لي في نابلس ذكريات أصيلة مع أصدقاء الطفولة.. نابلس بالنسبة لي الأم، وأنا لم أنس نابلس في أي يوم، فقد كانت تسكن في قلبي، وروحي كانت معلقة في نابلس”.
ولد خوري في مدينة نابلس 1965 لأسرة مسيحية، وفي عمر السنتين لاحظ والداه أنه يعاني من بطء بالمشي، فلم يدخروا جهدا في علاجه، لكن المشكلة بقيت تتطور شيئا فشيئا، الى أن أصبح غير قادر على الوقوف على قدميه.
وعجز الأطباء في ذلك الوقت عن معرفة سبب المرض، لكن بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، استطاع الأطباء هناك تحديد سبب المشكلة، وهو نقص في البروتين المسؤول عن نضوج الخلايا العضلية، وهو مرض نادر جدا، ويضم 40 نوعا مختلفا.
وتابع: “كنت أمشي ببطء شديد، وأذهب للمدرسة القريبة من البيت على العكازات، ودرست فيها سنة واحدة، وبعدها انتقلت إلى مدرسة ابن قتيبة، وأكملت فيها الابتدائية والإعدادية”.
في بداية المرحلة الثانوية، التحق بمدرسة الملك طلال في رفيديا، ودرس فيها سنة واحدة، وبسبب عدم وجود شعبة للفرع العلمي، اضطر للانتقال إلى مدرسة قدري طوقان البعيدة نسبيا عن بيته.
ويتحدث كيف اضطر والده لشراء سيارة ليتمكن من إيصاله للمدرسة صباحا، وفي نهاية الدوام يأتي ليأخذه، حيث كانت مدرسة قدري طوقان شعلة للمواجهات اليومية مع الاحتلال مطلع الثمانينات.
الهجرة لأمريكا
ويسرد هاني كيف تطورت الأمور نحو الهجرة إلى أمريكا لإكمال تعليمه، فقد كان يعيش وضعا صعبا في ظل استفحال إعاقته مع تقدمه بالعمر.
ويقول: “لم تكن مرافق نابلس في ذلك الوقت مؤهلة لذوي الكراسي المتحركة، وكانت أحوال المعاقين صعبة جدا، لذلك كانت الخيارات أمامي صعبة بعد التوجيهي”.
ويبين أن أخوه الأكبر “نبيل” كان يدرس بالجامعة الأمريكية في بيروت إبان الحرب الأهلية، وكانت العائلة تضغط عليه لمغادرة لبنان بسبب اشتداد المعارك، فانتقل إلى جامعة “سيراكيوز” في نيويورك.
بعد استقرار نبيل في نيويورك، وجدت العائلة أن من الأنسب لهاني إكمال تعليمه هناك، بسبب الإمكانات المتاحة للمعاقين.
مرحلة جديدة من الكفاح عاشها هاني وحيدا بعد انتقال شقيقه للعمل بولاية أخرى، وكان عليه الاعتماد على نفسه، وبناء علاقات صداقة مع آخرين لمواجهة معترك الحياة.
يقول: “كنت مصرّاً على إكمال تعليمي، فوضعي الخاص يجعل المنافسة صعبة جدا في مجتمع شديد التنافس، وهذا ما دفعني للإقبال على التعليم كجزء من استقراري في الحياة”.
ويضيف: “التعليم مهم لكل إنسان، لكنه بالنسبة لي كان بالغ الأهمية، خاصة في مجتمع لا يرحم كالمجتمع الأمريكي المبني على التنافس”.
إنجاز بحجم التحدي
حصل هاني على شهادتي بكالوريوس، الأولى في الرياضيات، والثانية في نظم المعلومات، ثم التحق بالماجستير، وحاول البحث عن فرصة عمل في الوقت نفسه، لكن عدم حصوله على الجنسية حرمه من ذلك.
وأردف قائلا: “بعد أن أنهيت البكالوريوس، قال لي والدي: لقد قمت بواجبي تجاهك، وعليك أن تقف على قدميك من الآن فصاعدا”.
ويبين هاني أن والده كان خير مساند وداعم له، لكنه أراد أن يعلمه الاعتماد على الذات، وعدم التذرع بالإعاقة.
بعد حصوله على الماجستير، التحق ببرنامج الدكتوراه في جامعة “سيراكيوز” وحصل منها على منحة دراسية كاملة، وفرصة للعمل مساعد تدريس، في الوقت ذاته.
وخلال فترة دراسة الدكتوراه التي امتدت من 1989-1995، تعرف على سيدة أمريكية وتزوج منها، مما سمح له بالحصول على الجنسية، وأعطاه حقوقا عديدة، أهمها العمل.
وقبل إنهاء الدكتوراه، حصل على فرصة عمل بجامعة “ميرسور” بولاية جورجيا، والتي لا زال يعمل بها منذ 25 عاما، ويشغل الآن موقع منسق قسم الرياضيات فيها.
ويبين هاني أن من أهم أسرار نجاحه في مواجهة الصعاب، هو انعدام الخوف لديه، ويقول: “الخوف هو العدو الأساسي في الحياة، ولا يوجد عدو أكثر فتكا من الخوف، والإنسان الخائف إنسان مقيّد”.
ورغم إعاقته الشديدة، لكنها لم تقف حائلا دون ممارسة نشاطاته الطلابية والنقابية والسياسية بالجامعة، فقد كان رئيسا للطلاب العرب بالجامعة، ورئيسا لاتحاد الطلاب المعاقين فيها، كما استقدم العديد من الشخصيات لتقديم محاضرات عن القضية الفلسطينية.
كما دعي للمشاركة بعدة مؤتمرات عالمية في الدوحة والجزائر والأردن، وهو عضو بمنتدى الفكر العربي بالأردن، ولديه اطلاع كامل على مجريات الأوضاع بالمنطقة، ويحرص على تثقيف نفسه بمطالعة الكتب والأدب العربي.
اعتماد على التكنولوجيا
ويعتمد هاني على التكنولوجيا لتعينه على مواجهة الصعوبات في تدريس طلابه، ويقول: “أستعمل الحاسوب في التدريس، والفأرة للكتابة والرسم والشرح، وهناك محاضرات أقدمها عبر الصفوف الافتراضية “أون لاين”.
ويفخر بأنه كان أول محاضر في الجامعة يحصل على تدريب على التدريس عبر الصفوف الافتراضية.
خلال سنوات غربته، استطاع تكوين الكثير من الصداقات بفضل شخصيته المرحة والاجتماعية، لكن أكثرهم قربا إليه صديقه “لويس” الذي تمتد صداقته إلى العام 1997، وهو ينحدر من المكسيك.
قبل أيام، دعي هاني لإلقاء محاضرة في الجامعة الأمريكية في مادبا بالأردن، ووجدها فرصة لزيارة مسقط رأسه وهو قريب من فلسطين.
ويقول: “شجعني العديد من الأصدقاء لزيارة فلسطين، فطرحت على صديقي لويس أن يرافقني، فوافق”.
ويضيف أنه طوال 35 سنة لم يزر نابلس وفلسطين، رغم أن حلمه هو أن يعود إليها، لكن ذلك يمثل تحديا صعبا جدا بسبب وضعه وحاجته إلى العديد من الأدوات غير المتوفرة.
ويستخدم هاني رافعة خاصة متحركة لركوب السيارة، يساعده صديقه لويس في استخدامها وطيّها.
واجب تجاه فلسطين
ويفخر هاني بفلسطينيته، ويشعر بالامتنان لوطنه، ويقول: “شعوري بأني فلسطيني، كان دائما دافعا مهما لي للأمام”.
ويضيف: “واجبي أن أمثل وطني وشعبي والشهداء والأسرى، وما قمت به هو جزء من مليون جزء مما قام به من ضحوا بحياتهم وحريتهم لأجل فلسطين”.
ولا يجد هاني نفسه قد حقق ذاته بعد كل ما أنجزه حتى الآن، ويرى بأن الإنسان الذي يحقق نفسه يكون قد وصل إلى نهايته، وإذا لم يطمح الإنسان لأعلى المستويات يكون إنتاجه محدودا.
ويختم حديثه قائلا: “عندي هدف أن أعود إلى الأردن أو نابلس، لكن يجب أن أكون قد حققت ذاتي عندما أعود إلى نابلس”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس تنعى الأسير نجم وتحذر من استمرار السياسات التنكيلية بالسجون
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام نعت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” الأسير والجريح محيي الدين نجم، الذي ارتقى ظهر اليوم السبت، داخل سجون الاحتلال،...

معركة زيكيم.. يوم فر مقاتلي النخبة الإسرائيلية من مواجهة القسام
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق إسرائيلي حول معركة زيكيم، عن هجوم نوعي نفذه مقاتلو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عبر البحر،...

أونروا تدعو لتضافر الجهود لمنع كارثة إنسانية غير مسبوقة بغزة
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بتضافر الجهود الدولية لمنع "كارثة إنسانية غير مسبوقة" في...

استشهاد المعتقل الإداري محيي الدين نجم من جنين
جنين - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد المعتقل الإداري، محيي الدين فهمي سعيد نجم (60 عاماً) من جنين، في مستشفى (سوروكا) الإسرائيليّ، ليضاف إلى سجل...

توثيق 25 ألف انتهاك ضدّ المحتوى الفلسطيني على منصّات التواصل في 2024
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز صدى سوشال الفلسطيني، 25 ألف حالة انتهاك للمحتوى الرقمي الفلسطيني في العام 2024 على المنصات الرقمية...

40 شهيدًا و125 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 40 شهيدا، و125 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال الـ 24 ساعة الماضية؛ جراء العدوان...

إيهود باراك يدعو إلى عصيان مدني لإنقاذ الأسرى وإسرائيل من نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام جدد رئيس حكومة الاحتلال السابق إيهود باراك هجومه على نتنياهو لما قال إنه بسبب سوء إدارته للحرب، في ظل تزايد خسائر...