الجمعة 28/يونيو/2024

مخيم غزة بالأردن.. شاهد مستمر على قهر اللجوء

مخيم غزة بالأردن.. شاهد مستمر على قهر اللجوء

هموم ما يزيد على (50) ألفاً من أبناء مخيم غزة، في شمال الأردن لا تنتهي، فأي تقرير عن وجعهم سيظلمهم، لأنه بالكاد سيتمكن من إيصال صرخات آلامهم، فهم يعيشون فصول النكبة كل يوم، حيث لا إقامة ولا عمل ولا تعليم ولا سفر ولا تملك.

أمضينا في أزقة مخيم غزة عدة ساعات، لمسنا الوجع في أعين اللاجئين، فشباب في ريعان عطائهم يفترشون الأرض دون عمل،  لكنهم يحبون الحياة، يبحثون عن الوطن في أدق التفاصيل، هم يعانون حد القهر، ولكنهم صامدون لأن الأمر يتعلق بفلسطين.

هي حقوق كفلتها كل المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية، (الصحة، والتعليم، والتملك)، ولكنها محرمة على أبناء قطاع غزة في الأردن، فالمشرع الأردني يراها “بطرا” في حقهم، فيما هم يعدونها واجبا لتعزيز صمودهم والعيش بكرامة.  

“الرقم الوطني”
يعود ارتباط  أبناء غزة مع المملكة الأردنية إلى العام (1967م)، إذ تمثل “النكسة” تاريخا فارقا في حياتهم، وفق ما يقول الناشط أحمد أبو عمرة في حديثه لـ“المركز الفلسطيني للإعلام”.

ويعزو “أبو عمرة” مشكلة أبناء غزة في الأردن إلى سبب رئيس، تحوم حوله كل المشاكل، بعدم حصولهم على رقم وطني (في إشارة إلى جواز سفر)، ما يحرمهم من حقوقهم المدنية في التملك والتعليم والعلاج والسفر.

 ويضطر اللاجئ، وفق أبو عمرة، إلى تسجيل أملاكه بأسماء أصدقاء أو أقارب، وهو ما أحدث مشاكل وسلبًا للحقوق في شواهد كثيرة.

وأبناء غزة أيضا ممنوعون من ممارسة (80 مهنة)، بحسب أبو عمرة، إضافة إلى حرمانهم من التأمين الصحي والتعلم الجامعي الحكومي، إلا النزر اليسير منهم، نتيجة مكرمة ملكية أو مقاعد محجوزة، ليعامل اللاجئ معاملة الأجنبي في الأردن.

ويوضح “أبو عمرة” أنه نتيجة حرمان أبناء غزة من التعليم الجامعي وعدم حصولهم على مقاعد تنافسية، فإنهم يتركون مقاعد الدراسة بعد المرحلة الإعدادية ليتوجهوا نحو تعلم الحرف، ولكن المشكلة لا تنتهي هنا وفق ما قال، إذ يبين أن المهن التي يستطيعون العمل بها، بحاجة إلى تصريح تصل تكلفته إلى (250 دولار)، إن تمت الموافقة للحصول عليه، وفي هذا الصدد يتابع: “كما أن إصدار جواز سفر تصل رسومه إلى (350 دولار) بدلا من  (40 دولار)، لمدة سنتين (الجواز الأردني مدته خمس سنوات)، كما أن إصدار رخصة قيادة يصل إلى (200 دولار)”.

معضلة العلاج
الشاب “محمود”، كما أحب أن يذكر اسمه في التقرير، أصيب قبل سنوات بآلام شديدة في المعدة، وهو بحاجة لإجراء عملية تنظير لتشخيص الحالة، مرت كل هذه السنوات وهو يخمد الوجع الذي لا يتوقف بالمسكنات، فالمستشفيات الحكومية بالأردن تمتنع عن معالجة من لا يمتلك رقما وطنيا، وهو لا يمتلك المال كي يقصد المستشفيات الخاصة.  

لا يلتفت المكلوم “محمود” كثيرا إلى آلام معدته فقد تكيف معها، ولكن ما يكاد يصيبه بالجنون، كما يقول لمراسلنا، عدم قدرته على علاج أبنائه من مرض جلدي مزمن يفتك بأجسادهم.. هنا توقف عن الحديث واضعا يديه على وجهه تاركا دموعه تتسلل من بين أصابعه.

بعد أن التقط أنفاسه وكتم حشرجات بكائه، قال لمراسلنا: إن العمل يتطلب تصريحا، وهو مكلف ماديا، ولا أستطيع تحمله، علاوة على عدم توفر فرص عمل. 

أقسى طموحات “محمود” أن يزور بيت الله الحرام لتأدية العمرة، للابتهال إلى الله عز وجل أن يرفع الكرب عنه وأبنائه، إذ عكف منذ 3 سنوات على جمع تكاليفها بالدينار كما يقول، لكن هذا الطموح تبدد أمام قرار السعودية الأخير بمنع أصحاب الجوازات المؤقتة من أداء العمرة.

لماذا الحرمان والمنع؟
ويرى النائب في البرلمان الأردني إبراهيم أبو السيد في حديثه مع “المركز الفلسطيني للإعلام”، أن حرمان أبناء غزة من حقوقهم هدفه فصلهم عن الجسد الفلسطيني لتحقيق أهداف ما يسمى “صفقة القرن”.

ويوضح: “يعامل أبناء غزة معاملة الأجانب، بالرغم من عيشهم منذ نعومة أظافرهم في الأردن”، مطالبا الحكومة الأردنية بتوفير الحقوق المدنية كي يمارس أبناء غزة حياتهم بشكل طبيعي.

وبين أبو السيد: “هناك وعود من الحكومة الأردنية بمنح أبناء غزة، حق التملك، نتيجة المشاكل والقضايا التي تعج في المحاكم، بسبب سلب حقوقهم (إذ يضطرون  لتسجيل أملاكهم بأسماء أقاربهم أو أصدقائهم أو حتى زوجاتهم”.

المنع من العمرة
ولا يفصل المحلل السياسي الأردني جمال عمران،  الذي تحدث لمراسلنا، قرار منع أبناء غزة من أداء العمرة وارتباطه بالتوجه الأمريكي بإلغاء حق العودة، مشيرا إلى المشروع الأمريكي، الذي يهدف إلى تقليص عدد اللاجئين إلى نصف مليون، وما تبعه من خطوات على الأرض، من تقليصات بحق الأونروا لتصفية القضية الفلسطينية.

ويرى “عمران”  أن  القرار السعودي الأخير المتمثل بمنع حملة الوثائق من أداء العمرة، هو خطوة لتقليل أعداد اللاجئين وإلغاء وثيقة اللجوء، ودفعهم للحصول على جوازات البلدان المقيمين فيها، وهو ما يسهل عملية التوطين، وفق قوله.

ويسهب عمران بالتوضيح: “هذه الخطوة تؤدي إلى إلغاء الوثيقة، وما تحمله من رمزية اللجوء، فيتم التعامل مع اللاجئ على أساس ما يحمله من جواز سفر، ويعامل كمواطن، وبالتالي تتلاشى مظلوميتهم، وبهذا الإجراء يحق للسعودية وغيرها من البلدان التي تدعم القرار، طرد اللاجئين حملة الجواز عن أراضيها، ولا يحق لهم فعل ذلك طالما أنه حامل لوثيقة لجوء ولا يوجد له موطن، وموطنه الأصلي محتل”.

كما يشكل القرار السعودي أضراراً لحملة الجوازات الأردنية دون رقم وطني، وتحديدا المقدسيين، ما يدفعهم للجوء إلى الجوازات الفلسطينية والتخلي عن الوثيقة الخاصة بهم، وهذا الإجراء  يسهل تهويد القدس، وفق قوله.

ومن التأويلات التي ذهب إليها “عمران” أن السعودية ترغب بالحصول على الإشراف على المدينة المقدسة، عبر استمالة المقدسيين للوصول إلى الوصاية، بدفعهم لطلب الحصول على تسهيلات لأداء الحج والعمرة، مقابل منح السعودية الوصاية والإشراف على المدينة المقدسة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات