توريد أدوية منتهية الصلاحية.. هكذا تتعاطف حكومة الحمد الله مع مرضى غزة

أزمة خانقة يواجهها القطاع الصحي في غزة، خاصة مع أزمة نفاد الدواء بصورة كبيرة، ما يهدد حياة مرضى القطاع، لكن الأخطر في الأمر هو ما كشف عنه من تعامل حكومة رام الله مع غزة على أنها حقل تجارب أو مكب لنفاياتها الطبية بتوريد أدوية منتهية الصلاحية لمستشفيات القطاع.
تلك الكارثة الحقيقة كشف عنها تحقيق استقصائي لصحيفة “الرسالة”، أظهر حجم الصدمة والذهول التي انتابت المسؤولين في دائرة الصيدلة بوزارة الصحة في غزة من الحجم المهول لنسبة الأدوية منتهية الصلاحية أو التي على وشك ذلك، المرسلة من الدعم الحكومي والتبرعات الواردة من المستودعات المركزية في مدينة رام الله.
استغلال، ومغامرة بالأرواح، وعدم مراعاة للظروف الإنسانية، ثالوث دفع بعض مسؤولي الصيدلة الذين كانوا يرفضون الحديث في الأمر نظرا للحاجة الشديدة لغزة إلى هذه الأدوية، إلى البوح بأرقام وخفايا ما يواجهونه من كوارث تهدد حياة المرضى بالقطاع.
وأظهر التحقيق أن مخاوف بعض المسؤولين في دائرة الصيدلة بغزة من الحديث عن هذا الأمر كبيرة، خشية أن تتخذ رام الله ذلك ذريعةً لخفض الدعم الوارد إلى مستودعات القطاع.
احتياجات غزة
تحتاج وزارة الصحة في غزة إلى ما يقارب 33.6 مليون دولار من الأدوية سنويًّا، بحسب التقرير السنوي للصيدلة في القطاع للعام المنصرم 2017.
وتتكون قائمة “الأدوية الأساسية” المتداولة خلال العام المذكور من 516 صنفا، وفق الخدمات التي تقدّمها الوزارة.
الدكتور محمد النونو، رئيس لجنة الإتلاف في وزارة الصحة، دافع عن عمله بالقول إن عملية إتلاف الأدوية لا تتم اعتباطا، بل وفق دراسة يتم بموجبها الإجابة عن سؤالين مهمين: ما مدى حاجتنا لهذا الدواء؟ ولماذا سأتلِفُه؟
وقال النونو: “كل قرص دواء غالٍ علينا، لأننا في أزمة مستديمة”، لكنه أبدى أسفه من أن الكميات التي تتلف من القطاع العام، تكون غالبًا لسببين: “إما أن الصنف فيه خلل فني وبالتالي يتم استدعاؤه من الشركة المنتجة، أو أن يكون قد وصل من الشحنات الواردة من مستودعات الوزارة برام الله”.
وتبلغ نسبة الأدوية الواردة إلى غزة من مستودعات رام الله 29%، و19% هي نسبة التبرعات، فيما كان البقية مشتريات بما نسبته 52%، بحسب التقرير السنوي للصيدلة في القطاع للعام 2017.
وقد أظهرت إحصائية لدائرة المخازن بوزارة الصحة في غزة، ولجنة الإتلاف، أن عدد أصناف الأدوية الواردة من رام الله منذ بداية العام الحالي 2018 بلغ 274 صنفًا.
وبلغ عدد أصناف الدواء في طلبات الاحتياج الصادرة من غزة إلى رام الله هذا العام 512 صنفًا. وبمقارنة هذا الرقم مع الوارد منذ بداية العام وحتى نهاية شهر أغسطس، يتضح أن مجموع ما ترسله رام الله هو بحدود النصف فقط.
استغلال لقضية إنسانية
الخطير في الأمر، هو ما أظهرته الأرقام الواردة في الإحصائية بأن 80 صنفًا من كمية الأدوية التي توردها رام الله -أي من الـ 274 صنفًا-، بما نسبته 30%، ينتهي تاريخ صلاحيتها في مدة “أقل من شهر فقط”!
كما ظهر أن 150 صنفًا تنتهي صلاحيتها في مدة 1-3 شهور، فيما يبقى 44 صنفًا آخر تنتهي صلاحيتها في مدة أكثر من 3 شهور.
وأوضح النونو أن “النظام الصحي” يحدد لتوريد الأدوية فترة زمنية معينة لا يجب أن يتخطاها العمر الافتراضي للدواء، “بمعنى أنه إذا كان لدينا دواء عمره الافتراضي 3 سنوات، فلا يسمح بقبول الصنف إذا ما تبقى له أقل من ثلث الفترة”!
ويدعمه في القول، منير البرش، مدير عام الصيدلة بغزة، الذي أكد “أن الدواء عندما يدخل المستودعات المركزية لوزارة الصحة، لابد أن يكون متبقٍّ له سنتان على الأقل من تاريخ انتهائه”!
ويؤكد أن “كثيرًا من المساعدات التي تأتي إلى قطاع غزة، يتضح بمجرد وصولها أنها قريبة الانتهاء أو منتهية الصلاحية”.
ويضيف البرش بكثير من الامتعاض: “وصلتنا أدوية كانت فائضة في مستودعات الوزارة برام الله، وتم إرسالها إلى قطاع غزة بعدِّه مكبًّا للنفايات الطبية”، على حدّ وصفه!
فساد المانحين
تورد الأدوية إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، جنوب القطاع، وتحتفظ وزارة الصحة بطواقم لديها على المعبر، تقوم بمهمات الرقابة الدوائية والتفتيش لكل الأصناف الواردة.
وتجري الوزارة عملية فحص وتحليل وسحب عينات لكل صنف دواء يدخل القطاع من خلال “دائرة الرقابة الدوائية”؛ بهدف التأكد من أنه مطابق لمواصفات الجودة والأمان. لكن “معدّ التحقيق” كشف عن أن هذه الإجراءات الرقابية لا تتبع مع الأدوية الواردة من رام الله!
ويصف البرش، مدير عام الصيدلة بغزة، توريد رام الله أدوية منتهية الصلاحية أو شارفت على الانتهاء بأنه “استغلال للظروف، وفساد من المانحين تجاه قضية إنسانية”.
ويشدد على أنه “كان لابد أن نقف عند مسؤولياتنا بمنع هذا الفساد الإداري والمالي الذي يستغله المانحون، وتستغله أيضا سياسات الحكومة في الانقسام السياسي، بحيث إن رام الله تتحكم في مجموع المنح الواصلة إلى غزة”.
ورفض المسؤولون بوزارة الصحة في رام الله، وعلى رأسهم الوزير جواد عواد، الحديث عن الأمر، بحجة أنه “لا يعلم شيئًا عن هذه الأمور”.
وحمل التحقيق مسؤولية ما يحدث لثلاث دوائر في وزارة الصحة برام الله، تعدّ مسؤولة بشكل مباشر عن توريدات الأدوية إلى قطاع غزة، وخلص إلى أنه يمكن أن وزارة الصحة في رام الله أن تحرم مواطني قطاع غزة من العلاج، بما يتعارض مع مبدأ “الحق في الصحة”، وبما يخالف دستور منظمة الصحة العالمية، الذي أقرّه مؤتمر الصحة الدولي عام 1946.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

شركات طيران دولية تلغي رحلاتها لتل أبيب عقب قصف مطار بن غوريون
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت شركات طيران دولية، صباح اليوم الأحد، إلغاء رحلاتها إلى "تل أبيب"، عقب قصف مطار بن غوريون الدولي. وبحسب...

مؤسسة حقوقية: آلاف المعتقلين بسجون الاحتلال يواجهون عمليات قتل بطيئة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام يواجه الأسرى في سجون الاحتلال تصاعدًا غير مسبوق في عمليات التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، التي تمارسها الإدارة...

جماعة أنصار الله: واشنطن تجاهلت تحذيراتنا لأنها لا تأبه بحياة الصهاينة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قالت جماعة أنصار الله اليمنية، الأحد، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بحياة الإسرائيليين رغم توجيه تحذير لها...

مدير المستشفيات الميدانية بغزة: المجاعة قادمة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة بقطاع غزة، مروان الهمص، إن أغلب سكان قطاع غزة يعيشون تجويعاً ينفذه...

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...

كتائب القسام تكشف تفاصيل كمين مركب شرقي رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، اليوم الأحد، عن تفاصيل كمين مركب نفذته في قوة من جيش الاحتلال...

الصحة العالمية: غزة تفتقر إلى كل شيء والوضع قريب من الهاوية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وصفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، الوضع الصحي في قطاع غزة بأنه "كارثي وقريب من من الهاوية"،...