الثلاثاء 13/مايو/2025

ملابسات مقابلة مثيرة للجدل

حسام شاكر

أُثير جدل مُحقّ في انشغاله بشأن مقابلة أجرتها صحفية قيل ابتداءً إنها إسرائيلية مع القيادي الفلسطيني يحيى السنوار، وبدا للوهلة الأولى أنها حصرية لصحيفة “يديعوت أحرونوت”. تشير المعطيات المتوفرة لدينا حتى الآن إلى ما يلي، وهذا استناداً إلى التواصل المباشر معها والاستفسار منها ومقارنة المعطيات:

– الصحفية فرانشيسكا بوري التي أجرت الحوار ليس لديها موقف سلبي من القضية الفلسطينية ومن ضيف حوارها القيادي الفلسطيني يحيى السنوار أيضاً وما يمثِّله، وموقفها عموماً إيجابي.
– الصحفية الإيطالية تؤكد أنها لم تكن تتوقع نشر المقابلة بشكل تبدو معه وكأنها لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
– فرانشيسكا بوري صحفية حرّة (غير موظّفة تعاقدياً)، ولديها تعاملات بالقطعة مع صحيفة “لاريبوبليكا” الإيطالية شأن صحفيين آخرين، ولم يكن لها أي علاقة مع أي جهة صحفية أو إعلامية إسرائيلية حالياً أو في أي وقت مضى، حسب تأكيدها.
– علاوة على النقطة السابقة؛ تنفي الصحفية الإيطالية أيضاً علم القيادي الفلسطيني بأنّ المقابلة التي أُجريت معه ستنشرها “يديعوت أحرونوت”، وهو ما يتوافق مع توضيحات نشرها مكتب السنوار، لكنّ “يديعوت أحرونوت” تصرّ من جانبها على علم القيادي الفلسطيني بالأمر، كما جاء في بيان تلقفته جهات إعلامية غربية (واشنطن بوست مثلا)، ومن الواضح أنّ تأكيدات الصحفية تطعن في بيان الصحيفة العبرية التي لم يكن لها أي اتصال بالسنوار أساساً. 
– نشرت فرانشيسكا بوري على حسابها على تويتر تغريدات عدة عن المقابلة أرفقت بعضها بكلمة حصري Exclusive مع وضع حساب “لاريبوبليكا” الإيطالية ضمن التغريدات جميعاً، ودعت متابعيها إلى ترقّب نشر المقابلة على حساب “لاريبوبليكا” دون إشارة إلى “يديعوت أحرونوت”. 
– من خلال التواصل مع الصحفية يبدو أنها ليست مرتاحة -على ما يبدو- لنسبة المقابلة للصحيفة العبرية على النحو  الذي تم. ونرى من جانبنا أنّ إمكانية نشر المقابلة في “يديعوت أحرونوت” متوقعة، وقد تكون مشمولة بتعاقدات “لاريبوبليكا” ذات الصِّلة بشراء المواد من الصحفيين الأحرار دون استئذانهم.
– عادة ما تقوم عدد من وسائل الإعلام داخل إيطاليا وخارجها بنشر المواد التي تبيعها فرانشيسكا بوري وغيرها لصحيفة “لاريبوبليكا”، وهي مواد تُترجم للعديد من اللغات، ولم تنفرد “يديعوت أحرونوت” بنشر المقابلة خلافاً للانطباع الذي تكوّن من اهتمامها البالغ بها.
– في تقرير نشرته “لاريبوبليكا” عن المقابلة أشارت فيه إلى أنّ السنوار خاطب في مقابلته “الصحافة العالمية” أو  la stampa internazionale كما ورد بالإيطالية (منشورة في الموقع الإلكتروني بتاريخ ٤ تشرين الأول/ أكتوبر)، وهو ما يتجاوز فرضية أنها مقابلة موجّهة لصحافة الاحتلال. ومن الواضح حسب توضيحات الصحفية وحسب توضيحات مكتب السنوار أيضاً أنّ القيادي الفلسطيني على علم بأنّ المقابلة ليست حصرية لجهة إعلامية محددة؛ بل هي للصحافة الأوروبية والعالمية، وأنها ستُترجم إلى العديد من اللغات.
– سبق أن نشرت “يديعوت أحرونوت” مادة للصحفية فرانشيسكا بوري، في حزيران/ يونيو الماضي، وهي مادة جاءت أيضاً ضمن نظام “لاريبوبليكا” المُشار إليه، ولم تكن مخصصة للصحيفة العبرية، كما تؤكد فرانشيسكا من جانبها.
ونشير في هذا الشأن إلى أنّ هذه المادة احتجّت بها بعض التعليقات الواردة بعد المقابلة لإظهار أنها “صحفية إسرائيلية” وتكتب منذ زمن في الصحف العبرية، رغم أنّ أنظمة تدوير المحتوى عبر البلدان بالترجمة موجودة ومعروفة في عالم الصحافة، وتستفيد منها صحف ومواقع عربية أيضا مثل خدمة المقالات الغربية الشهيرة “بروجبكت سنديكيت” (تُنشر في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية وموقع “الجزيرة نت” مثلا). 
– فرانشيسكا بوري صحفية إيطالية في الثامنة والثلاثين من عمرها تكتب لأكثر من جهة إعلامية في إيطاليا، وتنفي أن تكون إسرائيلية أو حتى يهودية.
– تشعر الصحفية بالامتنان لحسن الاستقبال الذي لقيته في قطاع غزة.
– مجال اهتمام فرانشيسكا بوري في العمل الصحفي هو القضية الفلسطينية، ومسألة كوسوفا، والشأن السوري، وصدرت لها كتب وتقارير في هذا الشأن، أحدها عن قضية فلسطين.
– تبقى هناك تفاصيل وملابسات بحاجة للتدقيق والمراجعة، خاصة بشأن مدى مطابقة الترجمة العبرية للنص الأصلي العربي وللنص الإيطالي أو الإنجليزي الذي لدى المصدر؛ “لاريبوبليكا”، وأيضاً إن كانت “يديعوت أحرونوت” قد اشترت المقابلة تحديداً من “لاريبوبليكا”، أم أنّ الصحيفة العبرية استفادت من اشتراك في الخدمة الصحفية التي تشترك بها عموماً، ونشرت المادة دون تخصيص. 
– من الواضح أنّ “يديعوت أحرونوت” أظهرت اهتماماً كبيراً بمقابلة القيادي الفلسطيني، وحاولت منح الانطباع بأنّ الحوار الصحفي مخصَّص لها بنشره على الصفحة الأولى، ثم دفعت ببيان صحفي ترفض فيه توضيحات مكتب السنوار. لكنّ الواضح أنّ المقابلة لم تكن مخصصة لها في الأساس، وأنها تعود لخدمة صحفية لصحيفة “لاريبوبليكا”. بكلمة؛ “يديعوت أحرونوت” تواجه حرجاً وتُكابِر للتغطية على اهتمامها الواضح بالمقابلة، علماً بأنّ مهنيّة هذه الصحيفة لا ترقى إلى مستوى صحيفة “هآرتس” العبرية مثلاً، وهذا بفارق ملحوظ، وإن كانت الأولى واسعة الانتشار.

هذه ملاحظات نسوقها بين يدي المسألة، بغضّ النظر عن فحوى المقابلة ذاتها؛ التي تبقى مفتوحة للتحليل والتأويل. ويُحمَد للجمهور الفلسطيني والعربي نبذه للتطبيع الإعلامي مع الاحتلال كما تبيّن من خلال الاستياء السريع والعارم من الانطباع الأول الذي شكّلته “يديعوت أحرونوت”.
 
وتبقى نصيحتان في الختام:
١/ ضرورة استفادة المسؤولين والمتحدثين عموماً من هذه الحالة بالاستيضاح الكافي؛ ليس فقط عن طبيعة الجهة التي يتحدّثون إليها؛ بل أيضاً عن احتمال بيع المحتوى لجهات أخرى؛ خاصة في حالة أجرى المقابلة صحفي حرّ غير ملتزم وظيفياً مع جهة صحفية محددة، أو في حالة أنِ يتم بيع الحوار لجهات غير معلومة.
٢/ أهمية سعي المعلِّقين  إلى التحقّق والتثبّت وتحاشي الاستعجال قبل الوقوف على ما يلزم من معطيات، وهذه ثقافة ينبغي تعزيزها، كما ينبغي عدم التسليم بما يؤتى به من شواهد من وسائل إعلام الاحتلال بلا مراجعة أو تمحيص.

*مع الشكر للصحفية الإيطالية فرانشيسكا بوري على تعاونها مع الاستفسارات وللتجمّع الفلسطيني في إيطاليا على متابعته وتواصله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات