عاجل

الجمعة 21/يونيو/2024

حرب أمريكية مباشرة على الفلسطينيين

كمال بالهادي

قررت الولايات المتحدة إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن كإجراء عقابي لرفض السلطة الفلسطينية الانخراط فيما عرف بصفقة القرن، وكردّ على لجوء السلطة الفلسطينية إلى محكمة الجنايات الدولية لمقاضاة الاحتلال على جرائم الحرب التي يرتكبها ضد الفلسطينيين.

الولايات المتحدة لا تبقي أي فرصة لما تسميه محادثات سلام، وهي تضع بعض العرب، في إحراج شديد، بما تعلن عنه من قرارات دورية ضد الشعب الفلسطيني المقهور. فبعد قرار نقل السفارة إلى القدس، والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان المحتل، وبعد قرار قطع المساعدات المالية عن وكالة غوث اللاجئين، يأتي قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، كإجراء عدائي، يضع السلطة الفلسطينية في موضع الأنظمة المعادية لواشنطن. ويبدو أن الخيارات بدأت تضيق أمام الفاعلين في السلطة الفلسطينية، حيث لم يعد بإمكانهم إيجاد مبررات لإقناع الشعب الفلسطيني بأن المفاوضات يمكن أن تؤدي إلى حلول سياسية للصراع حول الأرض المغتصبة، خاصة وأن عمليات التهويد والاستيطان يتسارع نسقها منذ شهر ديسمبر الماضي.

إدارة البيت الأبيض، ومنذ حلول الرئيس ترمب عليها، وهي تعلن ودون أي مواربة عن عدائها الشديد، للقضية الفلسطينية، ولربّما كان الفضل لهذه الإدارة في كونها أسقطت كل الأقنعة التي كانت تتستّر بها الإدارات السابقة، والتي كانت تسوق لوهم السلام ولأوهام التعايش السلمي مع احتلال اغتصب الأرض وشرّد الملايين. ولعلّ الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بضغط من «الإنجيليين الجدد»، ومن اللوبي الصهيوني النافذ في الولايات المتحدة، تكشف أن الحرب لا تشنها «إسرائيل» لوحدها، بل، تشنها الولايات المتحدة بدرجة أولى على الفلسطينيين بصفة خاصّة. فالحرب التي أشعل نارها نتنياهو على وكالة «الأونروا»، انتهت بتصديق رئيس الولايات المتحدة على قرار وقف المساعدات السنوية للوكالة والمقدرة بنحو 360 مليون دولار. والحقيقة أن الحرب على الوكالة هي حرب على اللاجئين، الذين يشكلون غالبية الشعب الفلسطيني المهجّر من أرضه، وعلى الشعب الفلسطيني ككلّ، إذ تشير إحصائيات جديدة للسلطة الفلسطينية أن عدد السكان في الداخل وفي الشتات قد بلغ أكثر من 13 مليون فلسطيني، وهو ما يشكل من وجهة نظر صهيو-أمريكيّة، تهديداً ديمغرافيّا للكيان. وعليه كان من الواجب إنهاء عمل المنظمة، حتى يتم إسقاط قضية اللاجئين باعتبارها، أحد عناوين المفاوضات المركزيّة. إدارة ترمب أرادت إنهاء قضية اللاجئين، واقتلاعها من جذورها. والمخطط الصهيوني سعى إلى ضرب قضية مركزية في حجم قضية اللاجئين وفي رمزيتها، في مقتل. والحقيقة أن الولايات المتحدة قد ارتكبت ما يرقى إلى مستوى جريمة حرب ضدّ الفلسطينيين، تضاف إلى سجلها الأسود في حق هذا الشعب.

يُضاف إلى هذا القرار ذي الطابع الاجتماعي، قرار ذو طابع سياسي، يتمثل في إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهي إشارة سياسية قويّة، من واشنطن لسلطة رام الله، مفادها، أن من يعارض خطط واشنطن سيكون معزولا وسيكون مغضوباً عليه. فإما الالتحاق بالركب والتفريط في الحقوق التاريخية لشعب مهجّر، أو اختيار مصير الراحل ياسر عرفات.

وإذا ما أوجزنا، ما حدث خلال الأشهر الماضية، سنجد أنّ الولايات المتحدة، قد أعلنت ثلاث حروب على الشعب الفلسطيني، الأولى ذات طابع ديني، عندما اتخذت قرارها حول القدس، والثانية ذات طابع اجتماعي واقتصادي، بتعميم الحصار ليس على سكّان الداخل فقط بل حتى على من يسكنون مخيمات اللجوء منذ نحو سبعين سنة، والثالثة ذات طابع سياسي، وتتمثل في حشر السلطة الفلسطينية، في زاوية، من أجل الرضوخ لمخططات ترامب – نتيناهو.

وأمام هذا الواقع الذي لا يحتمل أي اجتهادات للتفسير أو للدفاع عن السلام الموهوم، لم يبق غير خيار المقاومة، وهو الخيار الوحيد الذي أثبت في الماضي والحاضر أنه الطريق الذي يؤدي إلى إذعان العدو وقبوله بالجلوس إلى طاولة المفاوضات والتسليم بالحقوق.

اليوم بدأت ملامح المعركة تتضح، وتقود إلى المواجهة الحقيقية التي لا تقبل أيّ مساومة. إنها مرحلة المقاومة الشاملة التي ستفرض على العدو الخضوع لها، وعلى السائرين في ركب «الدولة اليهودية» العودة إلى رشدهم. صحيح أن الظروف الإقليمية والدولية والعربية خصوصا، لم تعد كما كانت في العقود الماضية، لكنّ لا شيء يغيّر من مكانة القدس، التي تظلّ بوصلة المعركة الصحيحة.

المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات