عندما كان نتنياهو مهزوما وضعيفا.. واهتز قلب كيري له!!

في كتاب جديد لوزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري عن حياته السياسية؛ يقول الدبلوماسي المخضرم إنه التقى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أثناء العدوان على غزة عام 2014 للحديث عن الهدنة، ويضيف أنه لأول مرة يرى نتنياهو “مهتزا وهشا وبغير طاقته المعهودة”، وأن مشهده بهذه الصورة “مسّه”، لأن من الصعب عليه أن يرى زعيم “إسرائيل” على هذه الهيئة!.
يكتسب هذا التصريح أهمية كبيرة لأنه يأتي على لسان وزير خارجية لم يكن على وفاق مع نتنياهو، وفي ظل إدارة أمريكية “عانت” من صلف وعنجهية رئيس حكومة الاحتلال كما لم يحصل مع أي إدارة سابقة، وهو ما يعني أن اهتزاز كيري لصورة نتنياهو الضعيف لم يكن تعاطفا معه، بل مع دولة الاحتلال، ولذلك فإن النص الذي استخدمه كيري لوصف المشهد هو “أن أرى زعيم إسرائيل (ولم يقل نتنياهو) بهذه الصورة هو أمر مسّني”، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن مدى سوء المشهد بالنسبة لنتنياهو وكيري على حد سواء.
ثمة دلالات كثيرة لهذا التصريح الفريد، ولكن أهمها هو ما يكشف طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع دولة الاحتلال، وما يكشف من جهة أخرى علاقة الاحتلال مع الشعب الفلسطيني.
إن تعبير كيري عن اهتزازه لرؤية نتنياهو بهذه الصورة مع أنه لم يكن متوافقا معه بل ويحمله المسؤولية عن تراجع فرص “السلام” بحسب ما أشار في نفس الكتاب يدل على طبيعة العلاقة العضوية بين “تل أبيب” وواشنطن، وهي العلاقة التي لا تتأثر بمن يحكم في العاصمتين، وإنما هي علاقة استراتيجية تقوم على ضمان أمريكا لأمن دولة الاحتلال وتفوقها الاستراتيجي بأي ثمن، بالرغم عن أي خلاف بين حكومتي واشنطن و”تل أبيب”.
ما يهمنا كعرب في هذا الإطار هو ضرورة الانتهاء من وهم الرهان على الإدارة الأمريكية لتحقيق حقوق الفلسطينيين والعرب، إذ أن الاختلاف بين أي إدارة أمريكية وأخرى تجاه الصراع العربي الفلسطيني هو اختلاف في التفاصيل وفي الخطاب فقط، أما استراتيجيا فإن السياسة ببعدها الجذري واحدة، ولهذا فإن الرهان يجب أن يكون على الفعل العربي والفلسطيني لا على كرم الاحتلال أو أمريكا، وهذا بالضبط ما تكشفه الدلالة الثانية الأهم في تصريح كيري.
لماذا كان نتنياهو بهذه الصورة أثناء عدوان 2014 دون غيره من الأوقات؟ الإجابة لا تحتاج لذكاء أو لبحث، فمن المؤكد أنه لم يكن ضعيفا أو مهزوزا بسبب تداعيات “أوسلو” أو “التنسيق الأمني المقدس”، أو المؤتمرات واجتماعات “القيادة الفلسطينية” الكثيرة، لقد بدا مهزوزا لأنه من المرات النادرة القليلة التي يشعر فيها رئيس حكومة الاحتلال بأن احتلاله له ثمن، وأنه ليس ذلك الاحتلال الذي تسميه بعض الصحف الأجنبية بأنه احتلال ثمنه صفر!
هذه إذن هي دلالة تصريح كيري الأهم التي تؤكد أن الاشتباك بين الشعب الفلسطيني المحتل مع احتلاله بأي وسيلة ممكنة وقانونية هو وحده الكفيل بتدفيع حكومة الاحتلال ثمنا لجرائمها وممارساتها القمعية، وحصارها، وسيطرتها على تاريخ وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني.
لا يهم هنا نوع الاشتباك، فالمهم هو أن يدفع الاحتلال كلفة سياسية وأمنية واقتصادية، وأن يخسر شرعيته، وأن يلاحق القتلة من سياسييه وعسكرييه قانونيا وأن يعاملوا كما يستحقون كمجرمي حرب، وهو ثمن لا يمكن أن يحصل بمجرد الأمنيات، ولا بالتصريحات، بل بالاشتباك الذي يعيد للصراع معناه الحقيقي، والذي ينهي أكذوبة عملية السلام التي لم تقدم للفلسطينيين شيئا، ولكنها بالمقابل منحت الاحتلال شرعية أدخلته للدبلوماسية العالمية من أوسع الأبواب، وسخفت الصراع ليبدو وكأنه “نقاش” سياسي بين كيانين جارين هما دولة الاحتلال و”السلطة” الفلسطينية.
ليست الحرب بالطبع هي الوحيد الكفيلة بتدفيع الاحتلال ثمنا لجرائمه، بل هي نوع الاشتباك الأقل كلفة على تل أبيب، فقد أثبتت الانتفاضة الأولى عام 1987 وغيرها من الأحداث أن المقاومة الشعبية السلمية في الظروف الحالية هي أكثر ما يؤلم الاحتلال ويكشف عوراته أمام العالم، ويجعله في موقف الدفاع أمام الشعب الفلسطيني.
ولعل تجربة مسيرة العودة الكبرى العظيمة هي آخر الأمثلة على أهمية الاشتباك الشعبي مع الاحتلال، ولا بد أن من سخروا منها أو قللوا من أهميتها عند إعلانها يدركون اليوم أن هذه المسيرة هي من أجبرت الاحتلال على السعي بشكل حثيث لتوقيع صفقة تهدئة مع الفصائل في قطاع غزة بعد أن كشفت هذه المسيرة الوجه البشع الحقيقي للاحتلال أمام العالم.
قد لا تنجح صفقة التهدئة، وقد لا تكون-استراتيجيا- في صالح الفلسطينيين في صراعهم الطويل مع الاحتلال، ولكنها تثبت على الأقل أن النضال الشعبي حرك المياه الراكدة، ومن المحتمل أن يساهم في رفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، كما أنها بكل تأكيد هزت و”هزمت” نتنياهو، ومن المؤكد أن وزيرا أمريكيا آخر سيكشف يوما ما أنه لم ير رئيس حكومة الاحتلال مهزوما وضعيف كما رآه أثناء اشتباك الفلسطينيين مع احتلاله البغيض في مسيرة العودة الكبرى!
المصدر: عربي 21
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جماعة أنصار الله: واشنطن تجاهلت تحذيراتنا لأنها لا تأبه بحياة الصهاينة
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام قالت جماعة أنصار الله اليمنية، الأحد، إن "الولايات المتحدة الأمريكية لا تأبه بحياة الإسرائيليين رغم توجيه تحذير لها...

مدير المستشفيات الميدانية بغزة: المجاعة قادمة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة بقطاع غزة، مروان الهمص، إن أغلب سكان قطاع غزة يعيشون تجويعاً ينفذه...

إصابة 43 فلسطينيًا باقتحام قوات الاحتلال البلدة القديمة في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 3 فلسطينيين بينهم طفل، برصاص قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي و40 آخرون بالاختناق بالغاز المسيل للدموع، إثر اقتحام...

كتائب القسام تكشف تفاصيل كمين مركب شرقي رفح
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، اليوم الأحد، عن تفاصيل كمين مركب نفذته في قوة من جيش الاحتلال...

الصحة العالمية: غزة تفتقر إلى كل شيء والوضع قريب من الهاوية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وصفت المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، مارغريت هاريس، الوضع الصحي في قطاع غزة بأنه "كارثي وقريب من من الهاوية"،...

معركة زيكيم.. يوم فر مقاتلي النخبة الإسرائيلية من مواجهة القسام
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق إسرائيلي حول معركة زيكيم، عن هجوم نوعي نفذه مقاتلو كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، عبر البحر،...

أونروا تدعو لتضافر الجهود لمنع كارثة إنسانية غير مسبوقة بغزة
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام طالبت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، بتضافر الجهود الدولية لمنع "كارثة إنسانية غير مسبوقة" في...