السبت 06/يوليو/2024

يتواصل البازار والصفقة تحتَضر

عبد اللطيف مهنا

باتت المؤشرات، والتي تدعمها التسريبات التي تجد طريقهاهذه الآونة إلى صفحات الصحف الاحتلالية وبعض الغربية، تدل على أن فقاعة “صفقةالقرن” في سبيلها للانطفاء وفي طور الاحتضار، لكن أطرافها يتلكؤون في إخراجهامن الغموض الذي رافقها إلى غرفة العناية الفائقة حتى لا يكرهوا على المسارعة إلىلحظة دفنها.

للمفارقة، هناك بعضٌ من طرفين نقيضين، ومن كلاالتوجُّهين، معارضيها في الساحة الفلسطينية ومتعهّديها والمروّجين لها من خارجها،ما زالا يلتقيان دونما قصد في عملية الترويج للمحتضرة، ذلك بتصويرها، وكلّ منموقعه، قدراً لا راد له.

الأول، وعن حسن نية مردّه تشكُّك مبرر ومشروع يستند لتاريختآمري طويل لمتعهدي الصفقة لا تنضب تمظهراته المتواصلة لتصفية القضية الفلسطينية،لا سيما في مثل هذه المرحلة التي هي الأنسب لهم في ضوء تفاقم تردي الحالة العربية.

والثاني، وهو من أطراف جبهة الصفقة، والمحتلون منهمتحديداً، لتطويل أمد إيهامية بقائها على الأقل، باعتبارها حلقة من حلقات كسب الوقتلتصفية هذه القضية عملياً عبر وقائع التهويد المتسارع على الأرض، ولكونها، أيالصفقة، قد وفَّرت طاقةً تطبيعيةً وانفتحت مع بعض الأنظمة العربية يحرصون عليهاويأملون استمراراً واطّراداً في اتساعها، وإن أوحوا بأن لا ثمة ما يبدو أنه المقلقمن أنها قد تسد حتى ولو شيعت لمثواها الأخير.

تصفوية الصفقة الفاقعة رغم الحرص على لفها بالغموض، حققتإجماعاً فلسطينياً لم يكن وارداً في الساحة الوطنية قبل تكشُّف مراميها. إذ اتفقطرفاها النقيضان، المقاوم والمساوم، وكلٌّ من منطلقه، على رفضها. فإذا كان الشعبالفلسطيني، وعلى مدى الصراع، قد قدَّم كل ما قدَّم من تضحيات صوناً لقضيته،وغالبيته المطلقة ترى دائماً أن المقاومة هي سبيله الأوحد لتحرير وطنه التاريخيوالعودة إليه، أو ما يوضع دائماً على رأس قائمة ما يعبر عنه عادةً في الأدبياتالفلسطينية بالثوابت الوطنية والقومية، فإنه من الطبيعي أن يأتي رفض قوى المقاومةلها منذ البدء والدعوة لمقاومتها وإسقاطها.

كما أن الجانب الأوسلوي، والذي قفز طارحوها عنه وتجاوزه،ورغم كل ما لُفّت به من غموض، لم يكن بحاجة لاكتشاف المكتشف عندما شعر بأنها قدوجّهت ضربتها القاضية لكافة أوهامه التسووية، منهيةً عمليا اتفاقية أوسلو، وغيرمبقية منها سوى دورهم الوظيفي المراد في خدمة أمن المحتلين، وتوفير احتلال مريحلهم بإعفائهم من تبعاته الإدارية، أو القيام بدور البلديات في نثار معازلالتجمّعات السكانية الفلسطينية المنقطعة التواصل والمحاصرة بالمستعمرات… تمهيدالإدارة الأميركية العملي لفرض صفقتها، والمتمثل في الاعتراف بالقدس عاصمةًلمحتليها، ونقل سفارتها إليها، وإسباغ “الشرعية الأميركية” على حركةتهويد الضفة، كان الشعرة التي قصمت ظهر الصفقة كاشفةً عن استهدافاتها ومآلاتهافاستدعت فشلها.

بعد إجماع الرفض الفلسطيني الحاسم للصفقة التصفوية، ضاعتالدرقة التي يختبئ خلفها التسوويون العرب ويستخدمونها عادةً للتحلل من مسؤولياتهمالقومية تجاه ما يفترض أنها قضية الأمة العربية المركزية في فلسطين. هذا يعني أنهملم يعودوا يستطيعون القول “لسنا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين”! فشلتضغوطهم على هؤلاء بطرفيهما لقبولها، فانعدم توفّر الغطاء الفلسطيني المبتغى،وبالتالي لم تعد لديهم الجرأة على الاستمرار في صفقة مشينة ليس بإمكانهم تبريرتواطؤهم في تمريرها أمام الشارع العربي، هذا الذي تعيش القضية الفلسطينية عميقاًفي وجدانه ولا تبارحه، رغم بادي مظاهر خموده الراهن، وانشغاله بلعق جراحه في أسوأمرحلة استنزافية تآمرية تطحن فيها المشاكل ودواهي الفتن كامل خارطة الوطن العربيالكبير مشارق ومغارب.

لكن، وإذا هذا هو حال الصفقة وهذه هي مآلاتها، فإنالتصفية كحراك دائم واستهداف مستمر واتته الفرصة لاستغلال راهن الأمة وانتهازكارثيته للإجهاز على القضية الفلسطينية، لم ولن يتوقف. بل سيستمر ويتمظهر فيتلاوين صفقاوية مستجدة تطرح ولا تختلف جوهراً عن المحتضرة، بل ستبني على حصادهاالتطبيعي وتوظّفه… أمر اليوم هو بقاء البازار مفتوحاً.

لذا، بدأنا نسمع هسيس ما تدعى “المبادرة العربيةللسلام” بعد تلاشٍ، وكانوا في جلبة الترامبوية الداهمة قد نسوها. والآن، إذتذكّروها يتناسون أن المحتلين قد رفضوها ووأدوها في مهدها قبل ستة عشر عاماً، وجاءقرار ترمب بإهداء القدس لنتنياهو ونقله سفارة بلاده إليها، وقانون “يهوديةالدولة”، الذي أقره الكنيست قبل أقل من أسبوعين، ليهيلا التراب عليها وعلىأوسلو معها، وصولاً إلى صفقته، وسائر شتى مسميات بائس تجليات أحبولة “المسيرةالسلمية” الانهزامية ذات الصلة.

والآن، ومن بوابة العذابات الغزيّة المريعة بدأ حديثمساعي “المصالحة” التكاذبية الفلسطينية الفلسطينية، والتي يسهل، بالنظرلكونها تدور في فلك وساطات ذات متطوعي وساطات الصفقة إياها، وبمباركة ودعم من كافةأطرافها، توقع كونها، وفي أفضل حالاتها، لن تكون بغير سحب للواقع الأمني التنسيقيالقائم في الضفة على القطاع عبر “التمكين الكامل”، وانتزاع هدنة طويلةالأمد من شأنها أن تنزع عن المقاومة دسمها النضالي توطئةً لإسقاط بندقيتها لاحقاً…بغير هذا لن تقبل رام الله مصالحةً ودونه لا يتوسط المتوسطون من أجله.

صحيفة الوطن العمانية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الفصائل ترفض أي خطط لنشر قوات دولية في غزة

الفصائل ترفض أي خطط لنشر قوات دولية في غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت فصائل العمل الوطني والإسلامي رفضها الشديد لأي تصريحات أو خطط تدعم نشر أي قوات دولية في قطاع غزة. وطالبت الفصائل...