الاتفاق والرؤية الإسرائيلية المستقبلية
مراحل متقدمة، تلك التي بلغتها جهود دولية للتوصل إلى اتفاق ينهي أزمة قطاع غزة، ويضع حدًّا مؤقتاً للاشتباك العسكري القائم بين حركة حماس و(إسرائيل). ولكن كلمة “متقدمة” بحد ذاتها، تثير القلق، لما تعكسه من دلالة ضمنية على نضوج الرؤية “الإسرائيلية” لطبيعة الصلة المستقبلية بقطاع غزة، وأنماط الاشتغال السياسية والأمنية معه. ولأننا تعودنا أن لا تُقدم (إسرائيل) على حراك أو اتفاق إلا وبجعبتها خطة مفصلة، تنظم آليات تحقيق أهدافها الاستراتيجية، فنحن مطالبون بالولوج داخل العقل (الإسرائيلي)، لتحصيل قراءة مستقبلية، تفسر سبب انفتاحها على الحلول المتداولة.
وأول هذه القراءات ما يشير إلى رغبة (إسرائيلية) في لجم تعاظم قدرات المقاومة الفلسطينية، على رأسها كتائب القسام، من خلال تقديم اشتراطات غير مباشرة تحدّ بموجبها من حفر الأنفاق الهجومية، وجهود التصنيع المحلية، إضافة إلى وقف تهريب الأسلحة النوعية. ولعل الجديد الذي تحمله مثل هكذا نوايا، أنها في حال إنفاذها، ستكبل قدرة المقاومة على تطوير نفسها، وسيجعلها في حالة تجمد، دون أن تُلزم الطرف الآخر وقف استعداداته العسكرية، خاصة ما يتعلق ببناء الجدار الأرضي، وتطوير قدرته خوض حرب داخل مدن مكتظة بالسكان. ومن ناحية أخرى، سياسية، ستوفر هذه الاشتراطات الخفية، مظلة قانونية شرعية -وبغطاء دولي- لاتخاذ خطوات وإجراءات تنفيذية احترازية من شأنها تلبيته، وضمان عدم خرقه، دون أن تتمكن المقاومة مستقبلاً من تجاهله، أو السير عكسه. ما يعني أن ضبط الحالة العسكرية داخل قطاع غزة، ستُنظم وفق آلية دولية غير معلنة والتفافية، تستجيب لمخاوف (إسرائيل)، على حساب حرية حركة ومرونة المقاومة الفلسطينية.
إلى ذلك، تحيل القراءة الأولى إلى أخرى ثانية مرتبطة بها. فالنشاط الاستخباري سيتعاظم حال التوصل إلى اتفاق، وستحاول (إسرائيل) رصد وفضح أي تحرك فلسطيني ترى فيه تهديداً لها، أو يتقاطع مع مخاوفها؛ وكنتيجة، ستعمل على تحفيز وتغذية توترات مع كيانات بعينها، كالدولة المصرية، خاصة وأنها الراعي الحصري للاتفاق. هذه القراءة تستجيب لما دأبت عليه “إسرائيل” مع ملفات أخرى، كالحالة الإيرانية، وجهودها تحريض المجتمع الدولي، عبر تنفيذ اختراقات استخباراتية تؤكد لوجهة نظرها. وهنا يمكن استخلاص رغبة مستقبلية في تدويل الصراع مع “حماس”، كما تؤشر لنية مبيته باتجاه جر وتوريط الدولة المصرية في ملف غزة، الأمر الذي سيترتب عليه مكاسب استراتيجية، من قبيل سلخ القطاع جغرافياً عن باقي أجزاء الوطن، وضمان عدم قيام مركزية سياسية فلسطينية مع الضفة الغربية، وبالتالي فتح الباب أمام اعتبارات جديدة، تستجيب لحقائق الوضع القائم، بعيداً عن الصيغ والقرارات الأممية التقليدية.
لا يتوقف الأمر عند ما سبق، بل يمتد نحو محاولة احتواء الممارسة السياسية لحماس، وضمان عدم تغريدها خارج الإطار المحدد لها. وما التسريبات التي تتحدث عن مشاريع اقتصادية، تُنفذ داخل الأراضي المصرية، إلا تأكيد واضح وجلي، على هذه الرغبة، عبر تزويد مصر بكل أدوات الضغط اللازمة في حال لم تستجب حماس لمتطلبات العلاقة معها. الأمر الآخر الذي قد لا يبدو واضحاً للمتابع، أن الاتفاق قد يُقيد استقلالية علاقات حماس الدولية، خاصة مع إيران وقطر، لما تمثله الأولى من عامل دعم عسكري، فيما تنشط الثانية في جوانب الدعم الإنساني والإعلامي والأخلاقي. ولأن مصر مرتبطة بتحالف عربي، على عداء مع هذه الدول، فمن المتوقع أن ينسحب الأمر على حركة حماس، من خلال ممارسة ضغوط ناعمة، أو مساومات خفية، لضبط علاقتها معها. فالمُخطط (الإسرائيلي) يعي هذه التوازنات العربية، ويدرك كيفية الاستفادة منها، عبر اشتراط واقع يمهد لمزيد من الانشقاقات والتعقيدات، تمكنه من ريادة الشرق الأوسط، من خلال التحكم في مجرى سريان تفاعلاته. وهنا، أكثر ما يُخشى، أن تصبح غزة جزءًا من الصدع العربي، في تكرار لمثال التجربة الكويتية، وسلوك الرئيس الراحل ياسر عرفات شبه المؤيد للعراق.
وأخيراً، لا تسلك (إسرائيل) مسلكاً إلا وتملك رؤية لكيفية الإفادة منه في تحقيق أهدافها بعيدة المدى. وما تأخر تعاطيها مع مقترحات سابقة، إلا لهدف بناء خارطة طريق متكاملة تحدد نطاق سيرها، وتستجيب لمبدأ توزيع الأدوار بين أذرعها التنفيذية. لذلك، فقضايا أسراها لدى المقاومة، وموضوعات الميناء والمطار، وأخرى فرعية، ما هي إلا أجزاء متناثرة تخدم الصورة الأشمل…. فالنجاح لديها مرهون بالمسموح والمرفوض المستقبلي….فهل للمستقبل مكان في رؤيتنا لما بعد الاتفاق؟
*باحث في قضايا الإعلام السياسي والدعاية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...