الثلاثاء 13/مايو/2025

بيلا تشاو.. غزة !

د. أسامة الأشقر

تجارب الإنسان وتراثه حق للإنسان الآخر الذي يشابه ظروفَه ويُدانِي حياته، وغناء الإنسان الصادر من جوفه المنغّم بحروقه هو أعمق تجارب الإنسان التي استطاعت التجسّد في أصوات وإيقاعات معبرة عن حالها؛ وكذا أغنيّات الثائرين على الظلم الأحمر والذل الثقيل والإهانة المستديمة.

إبّان الحكم الفاشي الإيطالي كانت العمليات الفدائية للثائرين الأحرار تضخّ دماً حاراً في عروق المظلومين فتنطلق حناجرهم بألحان خالدة ذات صدى عميق، ينتشي لها الناس فيخرجون في الشوارع مرددين لكلماتها القصيرة الصادقة وألحانها القوية العذبة، لقد أصبحت هذه الأغنية رمزاً يتحدى الظلم والاحتلال.

“تشاو” تحية ودودة ليس فيها رسميات، ولا تستلزم المعرفة المسبقة، يقولونها عند الاستقبال وفي الوداع، وهي في الوداع أكثر “مع السلامة” ، اشتقّوها من تعبير مهذب مُجامِل لأهل البندقية ذوي الخبرة الدبلوماسية العريقة، وتعني عندهم أنا خدّامك وتحت أمرك…  s-ciao s-ciavo.

بيلا تشاو Bella ciao أغنية لا يُعرف كاتب كلماتها ولا ملحّنها، لكنها انتشرت على امتداد العالم، واستنسخت الشعوب معناها وألحانها، وطوّروا معزوفتها لتتناسب مع ثقافاتهم الإيقاعية، وغيروا كلماتها لكنها ظلت تحمل موضوعها الثوري ونمطها العالي في الإيقاع، وأقوى ما تكون قوتها يوم يتغنى بها الناس جماعياً.

هذه الأغنية في الأصل كانت احتجاجاً ناعماً على الاستغلال يتغنى به النساء العاملات كرهاً في حقول الأرز في مدينة إيمولا في مقاطعة بولونيا الإيطالية -بأجر هزيل وقهر متصل وظروف صعبة- لإطعام الجنود الفاشيين، وارتكب هؤلاء مجزرة بحقهنّ بعد إضرابهنّ عن العمل، ومع أن العمل عاد بعد المجزرة إلا أن وقود الثورة كان يتحرك بالنار عبر هذه الأغنية، التي تدعو الثائر ليأخذ معه واحدة منهنّ للجبهة، فإن الموت في الجبال أطيب من الموت ذلاً في حقول الاستضعاف القاهر… ويكون الاستدعاء من الحبيب لمحبوبته، وهي رموز عاشقة للموت من خلال إعلان الاقتران بالحب الملتاع بالفراق.

‎‏(استيقظت ذات صباح فوجدت المحتل، أيها المناضل خذني معك، لأني أرى نفسي ميتاً، وإن قدّر لي أن أموت، فقد اخترت أن أموت مقاوماً، وليكن قبري هناك في أعالي الجبال تحت ظل زهرة جميلة).

هذه الأغنية اليوم تتحول إلى أغنية فلسطينية، وإلى أغنية الثائرين الناظرين إلى عيون فلسطين في الحقول المسوّرة! وفي تراثنا العديد من الأعمال التي تستحق الخلود لكنها لم تجد من يحملها لضعف عناية ذوي القرار بالثقافة والفن ودورها في صناعة التحرير…!

سلام على فلسطين… وسلام على القدس في الخالدين… وسلام لغزة الشهداء الشامخة! 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات