الجمعة 28/يونيو/2024

حروب ايزنكوت الجديدة

صلاح الدين العواودة

لم يعد صائباً أن نقرأ سياسات جيش الإحتلال الحالية عبر استقراء الماضي ما دام الرجل الذي يقود الجيش هو غادي ايزنكوت، فحروب غزة عام 2008 وعام 2012 وعام 2014 تبدو وقد اصبحت تاريخاً في عهد هذا الرجل.

الشعارات التي تتحدث عن اسقاط حكم حماس، وعن تصفية حركة حماس او اغتيال قادتها خلال 48 ساعة لم تعد تسمع، فهذا الرجل لا يحب الشعارات ولا يحب ترديدها ؛فهو الاشد كرهاً لها وهو الذي قال: ( لا يمكن للجيش أن يتحدث بشعارات مثل: القادم لقتلك بادر واقتله) فهو من فتح مدرسة لاعضاء الكبينيت منذ اصبح رئيساً لهيئة الاركان وبدأ بتعليمهم كيف يديرون الحروب ، فهو من لقن ويلقن نتنياهو وليبرمان تصريحاتهم الآن ، وليس كما كان الحال في حرب 2014 مثلاً حيث شهدنا حرب شعارات وتصريحات متبادلة بين اعضاء الكبينيت وقادة الجيش. فهو من استقبل ليبرمان وزيراً للحرب من عليه فجعله يتراجع عن وعوده وتهديداته باحتلال غزة او قتل هنية وقادة حماس خلال 48 ساعة في حال اصبح وزيراً للدفاع ، وهو الذي يرد على بنيت المطالب بقتل اطفال غزة ابناء ال 8 سنوات رداً على اطلاق الطائرات الحارقة بقوله : لا اريد أن ارى جندياً يفرغ مخزن ذخيرته على بنت عمرها 13 سنة تحمل مقصاً.

هذا الرجل يعرف جيداً أن شعار احتلال غزة لا رصيد له في الواقع ولا يشكل خياراً جيداً، وإن كان الاقدر من بين قادة الجيش على الاستعداد لعملية عسكرية من هذا النوع لو طلب منه ذلك، كما أنه يعلم أن اغتيال بعض أو كل قادة حركة حماس لن يحل مشكلة غزة التي تؤرق دولة الإحتلال، وبالتالي فإن دخول جيش الاحتلال في عهده حرباً كسابقاتها في غزة يبدو امراً مستبعداً،ولكن هل يعني ذلك أن يبقى وجيشه مكتوفي الايدي! او متفرجين! ؟

أن المتتبع لشخصية ايزنكوت وتاريخه العسكري ربما يسهل عليه ادراك الفرق بينه وبين من سبقوه ؛ فالرجل قليل التصريحات وقليل الظهور على الاعلام الذي رفض أن يكون مرشحاً لرئاسة هيئة اركان الجيش في الفترة التي سبقت تعيينه بذريعة أن يحتاج إلى فترة اضافية ليتعلم فيها أكثر كان حريصاً على أن يدخل هذا السباق منفرداً منعدم المنافس متقدماً على كل من يمكنه الترشح يدرك ان الصبر وطول النفس اهم من الاثارة والحماس وتصدر عناوين الصحف، هذا الرجل هو الذي يدير جيش الاحتلال الآن ويدير الدولة فعلياً في ظل قدرته على قيادة رئيس الحكومة ووزير الدفاع وتوجيه سياساتهم بل وتصريحاتهم استطاع أن يدير حرباً من نوع جديد مع المقاومة في قطاع غزة بل ومع أطراف أخرى معادية كايران وسوريا ولبنان.

ايزنكوت لا يريد تكرار الأخطاء ولا تقليد الآخرين ولا يريد أن يسلك مسلكهم وانما يريد أن يحقق اهداف الحروب دون أن يدفع ثمنها، فهو يريد اضعاف الاعداء دون حرب ويريد تدمير قوتهم العسكرية والاقتصادية ايضاً دون أن يشعل حرباً؛ فهذا ما يفعله في سوريا وفي قطاع غزة.

هو لا يستمع إلى مهاترات نفتالي بنت المطالب بقتل الاطفال بالجملة وان كان يقتل الاطفال ، وهو لا يصغي إلى شعارات المستوطنين التي تتحدث عن فقدان الردع ، هو يضرب اي هدف يراه هدفاً عسكرياً يستحق الضرب في أي مكان وأي وقت ولكن شكلت غزة له استثناءاً حيث يلتزم الاحتلال بتهدئةٍ متبادلةٍ معها منذ نهاية حرب 2014 ، فلم يكن بمقدور جيشه الاغارة عليها كغيرها تحت ذرائع مثل نقل اسلحة مخلة بالتوازن او اقتراب قوى معادية من الحدود وكان الاستثناء تحت ذرائع مثل اطلاق صاروخ ضال من هنا او هناك الى أن جاءت مسيرات العودة والطائرات والبالونلات الحارقة فتصاعد الرد عليها من التهديدات الى الغارات الجوية ، فحاول فرض معادلة الآخرين على غزة وهي الغارات الخاطفة والضربات الإنتقائية ففوجئ بأن القصف يواجه بالقصف والنار بالنار فوجد في ذلك ضالته وهو المبرر للفصف والغارات دون اشتعال حرب جديدة لن تزيد من ناحيته فرص ضرب المقاومة بقدر ما تزيد من انعكاساتها السلبية على الجبهة الداخلية وعلى الجيش نفسه الذي قد يجد نفسه في نفس النقطة التي انهى فيها الحروب السابقة مع ازمة انسانية اكثر تفاقماً في غزة وعجز عن احتلالها عبر حرب برية وعدد من الخسائر البشرية لا يساوي ما تم تحقيقه من أهداف فضلاً عن الآثار السلبية دولياً واقليمياً نتيجة عدد الضحايا المدنيين في الجانب الفلسطيني في حين أن اي هدف يعتبره عسكرياً يستطيع ضربه الآن في موجات التصعيد دون ان تكون حرباً.

اذن فالخلاصة هي حرب جديدة بالتقسيط وباقل الاثمان في جغرافيا محدودة حول قطاع غزة ، يضغط من خلالها على المقاومة بضربات على مواقعها للتدريب والتصنيع والتخزين حسب ما يملك من معلومات ويفاوضها عبر الحلفاء والوسطاء فلا هي حربٌ ولا هدوء ،توفر لقادته السياسيين سبباً للادعاء انهم يوجهون للمقاومة ضربات موجعة وفقاً لما يقول لهم دون معرفتهم ربما بماهية الاهداف المضروبة وانهم لا يسكتون على ما يعتبرونه ارهاب الطائرات وتبقي بيديه اوراق لعب اكثر ومجال اكبر للمناورة على طريق طويل من عض الاصابع والاستنزاف قد ينفجر حرباً عندما ينتهي صبر احد الطرفين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات