الخميس 04/يوليو/2024

استهداف «الخان الأحمر» فصل من فصول النكبة والصفقة

رضوان الأخرس

يخوض الفلسطينيون هذه الأيام معركة صمود وتحدٍّ في وجه الاحتلال وجرافاته التي تحاول هدم تجمع الخان الأحمر شرق القدس، من أجل ضمه إلى مستوطنة «إسرائيلية»، ضمن خطة لضم عدة مستوطنات من الضفة بمستوطنات من القدس والربط بينها جغرافياً، لتتوسع بذلك رسمياً مساحة ما يسمى بـ «إسرائيل»، في إطار «مشروع القدس الكبرى»، والذي يهدف أيضاً إلى فصل شمال الضفة المحتلة عن جنوبها.

لا شك أن المشاريع الاحتلالية الصهيونية التهويدية والاستيطانية في فلسطين هي امتداد لنكبة عام 1948 وما قبلها ليست جديدة ولا مستحدثة، إلا من خلال بعض التعديلات والإضافات والخطط العملياتية، والظروف السياسية والعامة تلعب دوراً أساسياً في تنفيذها على أرض الواقع، أو تسريع مراحل إنجازها.

ويُلاحظ ازدياد النشاط الاستيطاني الصهيوني، وتصاعد المشاريع التهويدية منذ إعلان ترمب القدس عاصمة للكيان الصهيوني. هذا الإعلان الذي فسر إسرائيلياً على أنه بمثابة ضوء أخضر لإحكام السيطرة على القدس ومحيطها، واستكمال حلقات جديدة من الاحتلال، وسرقة المزيد من أراضي فلسطين، بعد طرد سكانها منها.

تجدر الإشارة إلى أن فلسطين مقسمة جيوسياسياً بفعل الاحتلال لأربع مناطق، هي: قطاع غزة، والضفة الغربية، والأراضي المحتلة عام 48 التي تشمل غالبية مساحة فلسطين، بالإضافة إلى غرب القدس الذي احتُل في ذلك العام، أما شرق القدس فقد احتل عام 1967، لذلك القدس يمكن اعتبارها منطقة جيوسياسية منفصلة بطبيعتها عن باقي المناطق، والمناطق المحتلة من فلسطين عام 48 هي ما يطلق عليها اسم «إسرائيل»، أما الضفة الغربية وقطاع غزة وشرق القدس هي مناطق محتلة متعارف عليها دولياً، تحت اسم «الأراضي الفلسطينية»، وغير معترف بسيادة الاحتلال عليها دولياً.

خرج الاحتلال من قطاع غزة عام 2005 بعيد سنوات انتفاضة الأقصى، وتضاعف عمليات المقاومة، وفي عام 2007 سيطرت حركة حماس على القطاع بعد فوزها بانتخابات عام 2006، وما أعقبها من أحداث، ويتعرض القطاع لحصار «إسرائيلي» خانق لكن لا وجود للاحتلال داخله، أما الضفة الغربية فهي نظرياً تحت حكم «السلطة الفلسطينية» برئاسة محمود عباس (رئيس حركة فتح)، تقطع أوصالها المستوطنات الإسرائيلية التي تنتشر داخلها، وتتوسع يوماً بعد يوم، وأعلن الاحتلال مؤخراً أنه يخطط لضمها، أو ضم غالبية أراضيها -على الأقل- لما يسمى «إسرائيل».

ما يجرى هذه الأيام في الخان الأحمر مرحلة من مراحل المخططات التهويدية والاستيطانية الكبرى التي تهدف لضم المزيد من أراضي الضفة وعزلها عن بعضها البعض لحصر الفلسطينيين في كانتونات ممزقة ومنفصلة، وعزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وعزل الأحياء العربية داخلها والمحيطة بها، نحن باختصار أمام نكبة مستمرة، وفصل جديد من فصول التشريد والمعاناة.

المشهد في الخان الأحمر هو شعب يتصدى بصدره لجرافات الاحتلال مخذولاً، في محاولة للتشبث بالأرض، ورفض التهجير القسري. إنه مشهد النكبة من جديد، الشعب الفلسطيني وحيداً أمام مدرعات وعتاد جيش الاحتلال، أمام موقف إقليمي أقل ما يوصف بالمتخاذل في ظل حديثٍ عن «صفقة قرن» بين الاحتلال ودول في المنطقة، بهدف تصفية القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين.

تسربت أنباء عن موافقة حكومات وزعامات عربية على جعل بلدة «أبو ديس» عاصمة لفلسطين، بدلاً عن القدس، ويخطط الاحتلال لتهجير سكان الخان الأحمر بعد هدمه إلى «أبوديس».

عارضت دول أوروبية هدم الخان، لما يمثله الهدم من خرق للاتفاقات والتفاهمات الدولية، إلا أن المؤسف هو حالة الصمت العربية الرسمية تجاه هذه المشاريع الصهيونية المتسارعة.

لعل ما يجرى في القدس والضفة هذه الأيام هو أخطر مراحل «صفقة القرن» بدون استعراض إعلامي صهيوني أو أميركي، حتى يتم أكبر قدر من هذه المخططات بهدوء، في المقابل تقوم بعض الأطراف بتركيز الحديث حول ما يروج عن دولة في غزة دون الضفة عمدًا، لتضليل وتشتيت الجهود، ويتمدد الاحتلال بأريحية.

من لا يريد للصفقة أن تنجح عليه أن يواجهها على الأرض في القدس والضفة، ويمنع الاحتلال من سرقة باقي فلسطين، فلا يتبقى من فلسطين سوى قطاع غزة الذي يجرى حصاره وتجويعه اليوم من العدو و«القريب» الذي يزعم بأنه يعاقبها خدمة لأهداف وطنية، وتصدياً لصفقة القرن!

صحيفة العرب القطرية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات