معاناة صرف العملات بغزة .. نقص سيولة أم استغلال حاجة؟

عبثاً حاول موظف القطاع الخاص صالح صلاح صرف راتبه الذي يتقاضاه بعملة الدولار، دون أن يتمكن من ذلك بسبب أنّ بعض الأوراق “مغسولة” أو “عليها بقع صدأ” إلى أن اهتدى إلى أحد الصرافين الذي وافق على صرفها بأقل من ثمنها الحقيقي بعشرين شيكلاً.

ولا يوجد تسعيرة رسمية للدولار في غزة؛ إذ ارتفع سعر صرف المائة دولار في قطاع غزة إلى 365 شيكلاً، في حين كان قبل أيام في حدود 350 شيكلا، كما أن السعر يختلف بفوارق محدودة من محل صرافة لآخر.

الموظف صلاح هو واحد من آلاف الموظفين الذين يتقاضون رواتبهم بعملة الدولار في قطاع غزة حيث يشكو غالبية هؤلاء من أزمة العملة النقدية القديمة، وتذبذب أسعار صرف الدولار، في ظل رفض البنوك تحويل العملات القديمة من فئة الدولار، وبالتالي يتكبد الموظفون خسائر هذه الأزمة بشكل كامل.

ويضطر مالكو العملة النقدية القديمة من الدولار، إلى تحويلها بأسعار أقل من السعر الرسمي بمبالغ تتراوح بين 5-30 شيكلا، حسب الصراف.

ويؤكّد بعض الصرافين في قطاع غزة لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أنّه في الوقت الذي ترفض فيه بعض البنوك استلام أو صرف عملة الدولار القديمة أو “المغسولة” فإنّ أي مواطن إذا ما استلم حوالة خارجية أو كفالة أو مساعدة بعملة الدولار، فإنّه يستلمها قديمة ولا يستلمها جديدة، وفي أحيان كثيرة يرفض البنك نفسه استلامها من جديدة إلا بسعرٍ أقل من السوق بما يتراوح بين 30 – 50 شيكلا حسب حالة العملة.

استغلال غير شريف
الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب، وصف الحالة بأنّها “استغلال غير شريف من بعض الصرافين للمواطنين”، مبيناً أنّ هناك محاولات من بعض الصرافين لتحقيق مكاسب مالية على حساب المواطن.

ويضيف في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” “استبدلت مؤخراً الكثير من العملات التالفة بأخرى جديدة، وهذا ما أزاح بعضاً من المخاوف والقلق من امتلاك عملة بوصفها تالفة أو مغسولة أو رأس صغير”.

ويشدد الخبير الاقتصادي أنّ هذه القضايا لا تنقص على الإطلاق من قيمة العملة، ولا تشكل مساسًا بها، محذراً من أنّ قطاع غزة يعاني اليوم نقصاً في القيم والأخلاق التجارية وخاصة في سوق العملات.

ويؤكّد أبو جياب أنّ قطاع غزة لا يعاني من أزمة سيولة، ويقول: “يبدو أنّ هذه العادة القديمة الجديدة لن تنتهي إلا برقابة حقيقية مباشرة على هذا القطاع من الجهات ذات الاختصاص”.

رقابة غائبة
وفي سؤالنا عن دور البنوك والجهات الرقابية؛ أوضح الاقتصادي الفلسطيني أنّ “القانون يلزم الجميع، لكن القانون يحتاج إلى جهات رقابة ومتابعة، وأعتقد أنّ الرقابة والمتابعة غائبة وغير موجودة، وهذا ما شجع البعض على الاستغلال”.

ويعتقد أبو جياب أنّ الرقابة غائبة بسبب تشابك المصالح، وتزاوج المال المستثمر، وتحالفات غير معلنة.

استغلال المواطنين فيما يتعلق بصرف العملات لا يقتصر على محالّ الصرافة؛ بل يشمل البنوك، وفق متابعة “المركز الفلسطيني للإعلام“؛ إذ إنه في الوقت الذي ترفض فيه هذا البنوك استلام العملات القديمة، لتجبر المواطنين على استبدالها من الصرافين بأسعار أقل، فإنها تمرر كميات كبيرة من العملة القديمة للموظفين والمتعاملين معها خاصة عبر الصرافات الآلية، وهكذا يقع الكثير من المواطنين في فخّ هذه العملة.

كما تشترك البنوك ومحال الصرافة في نمط آخر من الاستغلال عبر التحويل الإجباري للعملة، تحت ذرائع مختلفة، والتلاعب بالقيمة، فإذا كانت الحوالة بالدولار تصرف بالشيكل، وبالتالي تحقق هذه الجهات فوائد على حساب المواطن، وتزداد المشكلة في البنوك؛ لكون أسعار الصرف فيها عادة أقل من أسعار السوق.

ويتأثر قطاع غزة بظروف اقتصادية غاية في التعقيد إثر الحصار المشدد المفروض على القطاع منذ ما يزيد عن 12 عاما على التوالي، حيث تراكمت وتراكبت فيه الأزمات الاقتصادية والمالية، وأصابت الجهاز المصرف بخلل كبير.

وازدادت حالة التعقيد التي يشكو منها القطاع الاقتصادي والمصرفي، بالإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية مطلع إبريل/نيسان 2017؛ حيث أثرت بشكلٍ كبير على النواحي الاقتصادية والقطاعات المختلفة كافة.