الأربعاء 26/يونيو/2024

الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه

الجدار العنصري حول القدس واقعه ودوافعه

ملخص:

تسعى هذه الورقة إلى دراسة الدوافع التي تقف خلف قيام الاحتلال ببناء جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، إذ إن هذه الدوافع هي التي مثلت ركائز المشروع التهويدي للمدينة.

وقد اعتمدت الورقة على مجموعة من الدراسات السابقة، والمقالات والتقارير بشأن الجدار الفاصل حول مدينة القدس، كما تم إجراء مقابلة شخصية مع الخبير في شؤون القدس الدكتور جمال عمرو. إضافة إلى الاستعانة ببعض الخرائط لتوضيح بعض المعلومات، والمخطط الذي سار به الاحتلال في بناء الجدار حول القدس.

وقد خلصت الورقة إلى نتائج مهمة، أبرزها أن الهدف الأمني الذي أعلنه الاحتلال كهدف أساسي لإقامة جدار الفصل العنصري، ليس هو الهدف الوحيد، بل إن بناءه قد تم في إطار مخطط الاحتلال لبسط سيطرته على مدينة القدس، وتهويدها بشكل كامل. ويتمثل ذلك بالسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من مدينة القدس، وإخلائها من السكان المقدسيين؛ لتحقيق التفوق الديموغرافي، إلى جانب السيطرة على الأرض. فقد سعى الاحتلال إلى ضم بعض المستوطنات لمدينة القدس، مثل مستوطنة “معاليه أدوميم”، وإخراج بعض الأحياء والمناطق المقدسية من حدود المدينة، مثل بلدة راس خميس وضاحية البريد ومخيم شعفاط. إضافة إلى التشديد على حياة المقدسيين الصامدين في المدينة، من خلال سلسلة إجراءات طويلة سهّل الجدار تطبيقها على الأرض.

المقدمة

ازدادت مساحة مدينة القدس على عدة مراحل منذ عام 1948، بـ 19 كيلومتر مربع، خاصة منذ سيطرة الاحتلال على الجزء الغربي من المدينة، الذي كان يشكل نحو 90% من مساحتها آنذاك. فيما بقي نحو 10% من مساحة القدس تحت السيطرة الأردنية، بما في ذلك البلدة القديمة والمسجد الأقصى، وهو ما مساحته 2.3 كيلو متر مربع. وبعد احتلال كامل مدينة القدس عام 1967، وسع الاحتلال من مساحة المدينة حوالي 70 كيلومتر مربع، لتصبح المساحة الإجمالية للقدس حوالي 126 كيلو متر مربع (الجزيرة، 2017). ويستمر الاحتلال في توسيع حدود بلدية القدس، ويسعى لتحقيق مخطط ” القدس الكبرى” عام 2020، الذي ستصل فيه مساحة القدس الكبرى، التابعة لبلدية المدينة، حوالي 600 كيلومتر مربع (التفكجي، 2018).

منذ أن صادقت حكومة الاحتلال برئاسة أرييل شارون، على بناء جدار الفصل العنصري في إبريل/ نيسان 2002، وبدأت العمل على بنائه في السادس عشر من نفس الشهر، بدأ الحديث عن المخاطر والأضرار التي ستنتج عن بناء الجدار، من ضم للأراضي وفصل للسكان عن أراضيهم (عايد، 2010).

بدأت النواة الأولى لفكرة فصل الفلسطينيين وعزلهم، عندما تم وضع سياج على طول الحدود مع قطاع غزة، عقب اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 (عايد، 2010). إلا أن الفكرة تبلورت فيما بعد عبر مشروع رئيس حكومة الاحتلال الأسبق “إسحاق رابين”، الذي فاز في الانتخابات على أساسه عام 1992، مستندًا إلى شعار واضح يرسم معالم مشروع جدار الفصل العنصري، وهو شعار “نحن هنا وهم هناك”. وقد اتخذ رابين قراره ببناء الجدار في 25/1/1995، وتبنت حكومته المشروع، إلا أن رابين قتل قبل الشروع ببناء الجدار. ثم أُقر بناؤه عام 2002، في عهد حكومة أرييل شارون (حسني).

يبلغ طول مسار جدار الفصل العنصري 712 كيلومتر، أي ضِعف طول ما يسمى بالخط الأخضر البالغ 320 كم؛ وذلك بسبب الالتواءات التي ترافق جدار الفصل العنصري، والتي ضاعفت طوله، وزادت مساحة الأراضي المصادرة، والتي بلغت أكثر من 526 ألف دونم، أي ما نسبته 9.4% من مساحة الضفة الغربية. وحتى أيلول/ سبتمبر 2017، أتم الاحتلال بناء 65% من الجدار، أي نحو 460 كيلومتر، ويجري حاليا العمل على بناء 50 كيلومتر، فيما لم يتم البدء ببناء نحو 200 كيلومتر منه حتى الآن (بيتسيلم، 2017).

الجدار حول القدس


خريطة مسار جدار الفصل العنصري حول القدس (بيتسيلم، 2017).

عمدت سلطات الاحتلال خلال بنائها لجدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، إلى ضم أكبر قدر ممكن من الأراضي لإخضاعها لسيطرتها. في حين يبلغ طول جدار الفصل العنصري المحيط بالقدس حوالي 202 كليومتر (بيتسيلم، 2017)، ويعزل 43% من مساحة محافظة القدس، بمساحة أراضٍ تبلغ نحو 151 ألف دونم (عايد، 2010).

نجح الاحتلال في فرض بناء الجدار حسب المسار الذي حدده حول المدينة، وقد تجاوز الجدار الحدود التي رسمتها بلدية الاحتلال لمدينة القدس، إذ إن الجدار في غلاف القدس امتد جنوبًا، وضم نحو 65 ألف دونم في منطقة مستوطنة “غوش عتصيون” جنوب مدينة بيت لحم، كما ضم نحو 60 ألف دونم في الجهة الشرقية من منطقة مستوطنة “معاليه أدوميم”. أما من الناحية الشمالية، فقد تم ضم نحو 25 ألف دونم لمنطقة مستوطنة “بيسجات زئيف”. وبهذا المسار يكون الجدار قد أحاط بالمدينة من جميع جهاتها، وفصلها عن محيطها الفلسطيني (بيتسيلم، 2017).

عمل الجدار على ضم ثلاث كتل استيطانية كبرى حول مدينة القدس، وهي “جفعون وأدوميم وعتصيون”. تضم كتلة أدوميم شرق مدينة القدس مستوطناتِ معاليه أدوميم، وعلمون، وكفار أدوميم، ومتسبيه، ويريحو ألون، وكيدار، وميشور أدوميم (المفاوضات، 2007). ويضم تجمع عتصيون الاستيطاني 15 مستوطنة إلى الجنوب من مدينة القدس (عربية، 2015).


خريطة تجمع جفعون الاستيطاني شمال غرب مدينة القدس (أريج، 2012)

دوافع بناء جدار الفصل العنصري حول القدس

الدافع الديموغرافي

لعل الموضوع الديموغرافي هو الهم الأكبر الذي يشغل بال الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين بشكل عام، ومدينة القدس بشكل خاص. فهو يسعى بشكل متواصل لكسب هذه المعركة. وحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن نهاية عام 2020 ستشهد تفوقًا عدديًا فلسطينيًا، إذ ستبلغ نسبة الفلسطينيين في فلسطين التاريخية 50.7%، مقابل 49.3% للإسرائيليين (الفلسطيني، 2016). لقد أصبح تخوف الاحتلال من عدم قدرته على تحقيق التفوق الديموغرافي في القدس تخوفًا حقيقيًا، حيث إن نسبة الفلسطينيين في القدس اليوم تبلغ نحو 37% من مجمل سكان المدينة، وهو الأمر الذي يخالف هدف الاحتلال في عدم السماح بتجاوز نسبة الفلسطينيين في القدس الـ 28% في أفضل الأحوال، وهو ما كان مخططًا له أن يتم خلال عام 2017 (عمرو، 2018). وقد أجرى الاحتلال دراسات حول الموضوع الديموغرافي في مدينة القدس، وتبين أنه بحلول عام 2040 ستكون نسبة الفلسطينيين ضمن حدود بلدية القدس هي 55%، وهو ما دفع الاحتلال لتسريع إجراءاته في المدينة؛ خوفًا من فقدان السيطرة على الواقع الديموغرافي فيها (التفكجي،2018).

ترتكز سياسة الاحتلال في القدس، وبشكل منظم منذ عام 1993، على استجلاب المستوطنين إليها عبر ضم المستوطنات، وتوفير الراحة القصوى لهم، وجعل حياة الفلسطينيين فيها قاسية، ومثقلة بالضرائب والصعاب، لإجبارهم على الهجرة منها. ومن هذه السياسة أيضا تخصيص مساحات واسعة في المناطق ذات الأغلبية الفلسطينية في القدس، واعتبارها مناطق خضراء يُحظر البناء فيها. إن رؤية الاحتلال في مدينة القدس هي جعل نسبة الفلسطينيين فيها 12% فقط من مجموع سكان المدينة، يقيمون على 11% فقط من مساحة الأرض، وهي رؤية استراتيجية بعيدة المدى، يسعى الاحتلال لتطبيقها على الأرض (عمرو، 2018؛ صادق، 2017).

لقد كان بناء جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس، الوسيلة الأنجع لتحقيق الهدف بتقليل عدد المقدسيين داخل المدينة لأكبر درجة ممكنة. ولعل الاحتلال نجح في إبعاد ثلث المقدسيين عن المدينة من خلال الجدار، إذ إن ثلث المقدسيين باتوا الآن خارج حدود جدار الفصل العنصري، وخارج حدود البلدية التي رسمها الاحتلال لمدينة القدس، وبعدد وصل حسب الأرقام الرسمية المعتمدة لدى السلطة الفلسطينية، إلى 130 ألف مقدسي يعيشون خارج الجدار، ويسكنون في أحياء كفر عقب والزعيّم ومخيم شعفاط ورأس خميس وضاحية السلام والرام، وهي مناطق أغلب سكانها من المقدسيين، وقد أبعدها الاحتلال عن المدينة المقدسة بهدف إبعاد أكبر عدد ممكن من المقدسيين عنها، وخفض نسبة الفلسطينيين فيها (عمرو، 2018).

ولتوضيح تأثير هذه السياسة الإسرائيلية، يبين الجدول التالي أعداد الفلسطينيين والمستوطنين في مدينة القدس منذ عام 1967 وحتى عام 2015 (الجزيرة، 2017). وتوضح الخريطة التالية الوضع في مدينة القدس في ظل المستوطنات المحيطة بها وضمن مشروع القدس الكبرى.

الرؤية السياسية
يستند الاحتلال في رؤيته السياسية في بناء الجدار حول مدينة القدس، إلى نظرية السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأرض، وضمن أقل عدد من السكان، وهي نظرية 12% من السكان على 11% من الأرض، المشار إليها سابقًا. إلا أن رؤيته السياسية الأخرى التي عمل على تحقيقها على المدى الطويل، خاصة بعد اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، هي تنحية قضية القدس إلى قضايا الحل النهائي، وإزاحة القدس عن طاولة المفاوضات، وفرْض الأمر الواقع عن طريق جدار الفصل، الذي اعتُبر وكأنه ترسيم أحادي الجانب للحدود، وترسيخ حقائق جديدة على الأرض بعيدًا عن أي سيطرة فلسطينية على المدينة، ودون الالتفات لرأي المجتمع الدولي الرافض لبناء الجدار (عايد، 2010).

كما تشمل رؤية الاحتلال السياسية في بناء الجدار، سعيه لوضع جزء ثابت من الجدار، وضم المستوطنات على مشارف القدس. وإلى جانب الجدار الثابت، عمد الاحتلال إلى بناء سياج أمني متحرك قابل للتفكيك، وتغيير مساره بشكل مستمر، حيث يحظى هذا السياج بحماية أمنية مشددة، مثل ذلك السياج المحيط بأطراف مستوطنة “معاليه أدوميم” شرق المدينة، ويهدف إلى استكمال دور الجدار، بضم أراضٍ إضافية إلى نطاق السيطرة الإسرائيلية، وضمها لحدود مدينة القدس (عمرو، 2018). وهو الأمر الذي بدأه الاحتلال فعليًا، ليساعده في الوصول إلى حلمه الأكبر، وهو مشروع القدس 2020، أو مشروع القدس الكبرى، الذي يسعى الاحتلال من خلاله إلى ضم المستوطنات الكبرى مع سكانها من المستوطنين، ليكونوا ضمن حدود القدس، مع ضمان إبعاد العنصر البشري الفلسطيني، لضمان نجاح مشروعه بشكل تام.

لذلك يعمل الاحتلال على مشروع E1 الاستيطاني، الذي يتمثل ببناء نحو 3500 وحدة استيطانية إلى الشرق من مدينة القدس، لتضمن خلق حزام استيطاني يصل مستوطنة “معاليه أدوميم” بمدينة القدس، ولذلك يعمل الاحتلال على تهجير البدو من على السفوح الشرقية لمدينة القدس، بدْءًا من جبل البابا ببلدة أبو ديس، ووصولًا إلى منطقة الخان الأحمر (عمرو، 2018؛ العنصري، 2007).

سيحقق هذا الحزام الاستيطاني، الذي سيصل مستوطنات وسط الضفة الغربية بالقدس، هدفًا أساسيًا بدأه من خلال الجدار، وهو تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة كانتونات، في شمال الضفة ووسطها وجنوبها. وبهذا يكون الاحتلال قد قضى فعليًا على فكرة الدولة الفلسطينية، إذ أنه رسم حدودًا أولية من خلال الجدار، إضافة إلى تقسيم الأراضي المتبقية لإفشال حل الدولتين (الهندي، 2006).

الدو

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات