الجمعة 21/يونيو/2024

في عيد الفطر… كل عام وبيدكم طائرة ورقيّة

عيسى قراقع

كما ابتدع الفلسطينيون الحجر وسيلة مقاومة مرتبطا بانتفاضة الحجارة عام 1987، وليدخل الحجر الفلسطيني القاموس العالمي، ابتدع الفلسطينيون في مسيرات العودة في قطاع غزة الطائرات الورقية التي يطلقونها عبر الحدود وسيلة احتجاج سلمية أربكت المحتلين وأجهزتهم الأمنية.

الطائرات الورقية التي حلقت في الهواء وسقطت لتشعل النيران في حقول المستوطنات الإسرائيلية أصبحت خطرا استراتيجيا على دولة الاحتلال النووية، والتي لم يعد جيشها الأقوى في العالم ولا ترسانتها الصاروخية الضخمة قادرة على التصدي لطائرات أولاد غزة، التي كسرت الحصار ووصلت إلى القرى الفلسطينية المدمرة، والتي هجر سكانها منها بفعل القوة عام النكبة 1948، لتذكر العالم بشعب لاجئ مشرد يطالب بحقه المقدس في العودة إلى دياره التي طرد منها.

الإسرائيليون وجدوا أنفسهم أمام سلاح جديد يستعمله الفلسطينيون في غزة، وبدؤوا يتحدثون عن ما يسمى إرهاب الطائرات الورقية، حالة قلق ورعب دبت في صفوف المستوطنين لاسيما أن القبة الحديدية الإسرائيلية لا تستطيع اعتراضها، فهي تسير وتنزل وفق قادتها شبان غزة الصغار، إنه سلاح ورقي بسيط يتحدى جيشا كاملا مستنفرا على الحدود.

وزير الأمن الإسرائيلي وقادته دعوا إلى قتل الأطفال مطلقي الطائرات الورقية، لم يعودوا قادرين أن يشاهدوا هذه الطائرات التي تحمل في ذيلها بعض المواد المشتعلة البسيطة لتكبد الاحتلال خسائر كبيرة بفعل ما أحدثته من حرائق وفزع وهوس في صفوفهم.

أطفال غزة الذين فقدوا طفولتهم يسيرون إلى الحدود وأياديهم فارغة، ولكن هذه الأيادي الفارغة أصبحت تخيف جيش الاحتلال، تسخر من قوتهم المسلحة وستراتهم الواقية، تسخر من طائراتهم وغواصاتهم، أطفال غزة الذين كانت الطائرات الورقية أداة لعب ولهو لهم حولوها إلى أداة مواجهة ورسالة إنسانية من شعب يبحث عن حق تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال والعيش بكرامة.

الجنون الإسرائيلي ارتكب مذابح وعمليات قتل واسعة بحق السكان المدنيين المتظاهرين وبحق الأطفال، ولأن سلاح الجو الإسرائيلي لم يستطع إسقاط الطائرات الورقية فقد لجئوا إلى تصفية الأولاد وإعدامهم وقتلهم دون رحمة، استنفر القناصة وقرر جيش الاحتلال أن كل من يطلق طائرة ورقية يجب أن يدخل في الفوهة والهدف.

يحل عيد الفطر هذا العام ولا زالت الطائرات الورقية الحارقة تملأ السماء، أطفال يبحثون عن فضاء وملعب ومدرسة، أطفال خرجوا من الجنازات الكثيرة ومن الموت اليومي غاضبين متمردين، أطفال يذكرون العالم والعدالة الإنسانية أنهم فقدوا بيوتهم وعائلاتهم ويريدون الحياة.

الطائرات الورقية في عيد الفطر تحلق فوق سجن عسقلان ونفحة والنقب وريمون وبئر السبع وايشل، تتوهج أمام آلاف الأسرى القابعين في السجون، المحشورين والمعذبين، تقول لهم لقد وصلنا، وصل العلم الفلسطيني وروح الحرية ومفتاح البيت، وقد شاهد الأسرى وجه المسعفة الشهيدة رزان النجار تتألق على إحدى الطائرات الورقية وقد هبطت كملاك في ساحة سجن عسقلان.

الطائرات الورقية وصلت إلى القدس، دارت كفلك سماوي فوق المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وصلت بلا تصريح أو تأشيرة، قامت الصلاة، أشجار الزيتون خضراء، هواء الكنيسة يحركه هواء المئذنة، والصلاة جماعة.

الطائرات الورقية التي تحولت من ألعاب اللهو الطفولة إلى تعبير ثوري مزعج للاحتلال حملت أسماء الأسرى والشهداء والجرحى والمعاقين والمبعدين واللاجئين، قضية شعب يرفض الموت ويعشق الحياة، وفي جمعة عيد الفطر تحمل الرد على القناصة والقتلة الإسرائيليين مجرمي الحرب، وتحمل الرد على القوانين العنصرية التعسفية المعادية لحقوق شعبنا الفلسطيني، وتحمل رد الشهداء الذين اشتعل دمهم في حقول الغاصبين.

في عيد الفطر المبارك ليصنع كل واحد منكم طائرة ورقية، لها شرايين وقلب وأنفاس وكلمات وصوت وذاكرة، أطلقوها لتعبر السياج والحواجز والأبراج المسلحة، وعندما تعبر الطائرة الورقية يعبر الأحياء معها بأحلامهم المشروعة.

يقول أطفال غزة:

كل عام وانتم بخير..

كل عام وبيدكم طائرة ورقية..

أطلقوها واتركوها في الهواء..

هي تعرف الطريق إلى البيت..

لها عين في الأرض..

ولها عين في السماء .

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مسؤولة أممية: ما رأيته في غزة يفوق الوصف

مسؤولة أممية: ما رأيته في غزة يفوق الوصف

جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قالت الممثلة الخاصة لمكتب هيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، ماريس غيموند، الجمعة، إن 9 أشهر من الحرب الإسرائيلية...