عاجل

الجمعة 21/يونيو/2024

جاستن ترودو.. لماذا لا تزور غزة؟

د. باسم نعيم

لقد صدمنا في الأيام الأخيرة بمواقف كندية رسمية، وخاصة من رئيس الوزراء جاستن ترودو؛ فهي مواقف ليست فقط منحازة للاحتلال الإسرائيلي، بل وتدعمه وتمنحه الغطاء للاستمرار في عدوانه على شعبنا.

وبناءً عليه، ونتيجة للغضب الشديد الذي انتاب الكثيرين من أبناء شعبنا الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة؛ فقد رغبت في توجيه رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أدعوه فيها إلى زيارة غزة، على أمل أن يدفعه ذلك وحكومته لتغيير هذا الموقف اللاأخلاقي وغير القانوني.

ولكن قد يدفع الفضولُ البعضَ للسؤال: ما الذي ستحتويه هذه الرسالة حتى تدفع شخصا مثل رئيس وزراء كندا لتغيير موقفه والاستجابة لهذه الدعوة، وهو رئيس وزراء الدولة الداعمة تاريخيا للاحتلال الإسرائيلي، والتي تتحرك في ظلال الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل؛ أي كندا البعيدة عن ساحة الصراع والمعزولة عن ارتداداته.

ليس للعرب أو الفلسطينيين ذلك التأثير على صناعة القرار في كندا مقارنة مع اللوبي الصهيوني الراسخ والداعم لإسرائيل، إلى درجة أنّ السياسة الكندية قد يشملها التغيير في كل الملفات الداخلية والخارجية إلاّ فيما يتعلق بدعم “إسرائيل” وأمنها ووجودها، بغض النظر عن الحزب الحاكم أكان محافظا أو ليبرالياً.

ومع ذلك؛ فإنّ ما تتمتع به الدولة الكندية من الحرية والانفتاح والتعددية، وما أظهره رئيس الوزراء جاستن ترودو من إيمان بقيم التسامح والتعايش والانفتاح يشجع على الكتابة إليه والأمل بحدوث التغيير المطلوب، على الأقل كما قيل في الحكمة القديمة: “أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام”.

وعليه فإن رسالتي إلى رئيس الوزراء الكندي السيد/ جاستن ترودو ستبدأ بالتحية والتمنيات الطيبة له وللشعب الكندي بكل خير وعافية وازدهار، فحتى ولو ساءنا موقف أو مواقف، فإن هذا لن يمنعنا من حب الخير للناس جميعا حتى المخالفين. ثم بعد التحية أحب أن أذكّره ببعض الحقائق التي لا خلاف بشأنها وتعززها التقارير والإحصائيات الدولية.

بداية أودّ تأكيد أننا -كشعب فلسطيني- سعدنا بفوزه في الانتخابات الأخيرة وتوليه رئاسة الوزراء الكندية، كما تابعنا باهتمام وشغف أنشطته وخاصة تلك التي عكست إنسانيته وانفتاحه، ودعمه للحريات العامة ومحاربة العنصرية.

فكم شاهدناه في أنشطة مع الجاليات المختلفة يشاركها لحظات جميلة في حياتهم، مع العرب والمسلمين والهندوس واليهود وغيرهم. كما تأكد دعمه للانفتاح على الآخر وحب التعايش والتواصل بتشكيله حكومة تعكس تنوع كندا العرقي، وقدرتها على التعايش والاستفادة من جميع مكوناتها.

كما أننا نقدر عاليا الدعم الكندي الكبير الرسمي والأهلي لشعبنا الفلسطيني وخاصة اللاجئين منهم، عبر مؤسسات عديدة في مقدمتها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا). إنّ كندا كانت دوماً بالنسبة لكثير من الشباب العربي عامة -والفلسطيني خاصة- عنواناً للحرية والعدل والمساواة، وحلماً جميلاً بالمستقبل الواعد والتمكين من صناعة حياة أفضل.

ونعلم أن آلاف الشباب الفلسطيني الذي وصل إلى كندا كان عضوا فعالاً ومشاركاً إيجابيا في المجتمع الكندي، وساهم -مع آخرين من الكنديين- في أن تكون كندا أقوى وأجمل.

ولذلك صدمنا كفلسطينيين عندما قرأنا نتائج التصويت في اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية (خلال دورتها الأخيرة رقم 71)، وعلمنا أن كندا صوتت ضد القرار الخاص بالأراضي الفلسطينية المحتلة، رغم أن القرار يتعلق فقط بالحقوق الصحية للفلسطينيين تحت الاحتلال.

ولكن صدمتنا كانت أكبر عندما قرأنا بعض تغريداتكم على حسابكم الشخصي على تويتر (@JustinTrudeau)، التي أيدتم فيها “إسرائيل” -بشكل مطلق- في عدوانها على شعبنا، تحت ذريعة الدفاع عن النفس.

كنّا نتمنى -قبل إطلاق هذه التصريحات- أن تطلعوا على أبسط المعلومات المتعلقة بالأوضاع المأساوية، التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة تحت حصار إسرائيلي ظالم لأكثر من ١٢ عاما، وللأسف الشديد بغطاء ومشاركة دولية بما فيها دولتكم.

نحن لا نطلب أن تأخذ المعلومات عن المأساة الإنسانية في قطاع غزة من مصادر فلسطينية، ولكننا نحيلك إلى مصادر دولية محايدة كتقارير الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي وهيومان رايتس ووتش؛ فقد أجمعت هذه الجهات على أن حصار غزة عقاب جماعي يرتقي إلى أن يكون جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.

ووصف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفد كاميرون -في عام ٢٠١٠- قطاع غزة بـ”السجن الكبير”، وقال عنه البروفيسور باروخ كمرلنج -وهو أحد أكابر أساتذة القانون في الجامعة العبرية- إنه “معسكر اعتقال” على غرار معسكرات الاعتقال النازية؛ كما أن الأمم المتحدة تنبأت -بعد دراسات معمقة- بأن غزة ستكون غير قابلة للحياة بحلول عام ٢٠٢٠.

هل تعلم سيدي رئيس الوزراء أن 95% من مياه غزة غير صالحة للشرب، وأن 97% من مياه البحر ملوثة ولا تصلح للسباحة، وأن الكهرباء لا تصل إلى غزة لأكثر من 3-4 ساعات يومياً، وأن 70% من الشباب في غزة يعانون من البطالة، وأن أكثر من 85% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر.

وهل تعلم أن حوالي 50% من الأدوية الأساسية غير متوفرة في غزة، وأن معظم مرضانا لا يستطيع السفر للعلاج في الخارج بسبب المعابر المغلقة. هذه بعض المؤشرات على الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهل غزة تحت الحصار.

هل تعلم سيدي أنه -حتى كتابة هذه السطور- قتل الإسرائيليون أكثر من 150 فلسطينيا وجرحوا أكثر من 15 ألفا (جراح بعضهم خطيرة)، وكلهم من المتظاهرين السلميين الذي شاركوا في مسيرات العودة وكسر الحصار، للمطالبة بحقهم في الحرية والحياة الكريمة.

وبالمناسبة؛ فإن أحد هؤلاء الجرحى هو المواطن الكندي الدكتور طارق لوباني، الذي أصيب وهو يحاول مساعدة الطواقم الطبية الفلسطينية في إخلاء الجرحى، ويمكنك أن تلتقيه وتسمع منه حول ما رآه بأم عينه من سلمية المتظاهرين ووحشية الاحتلال.

نحن شعب يحب الحياة والاستقرار والازدهار له ولكل شعوب العالم، نحن لسنا هواة موت أو مروجي حروب، نحن لا نعتدي على أحد بل يُعتدى علينا منذ سبعة عقود، نحن لا نخترق حدود أحد (وهي ليست حدودا معترفاً بها دوليا فحتى الاحتلال يصفها بالسياج الأمني) ولكننا نطرق بوابة السجن الكبير نطالب بالحرية والعيش الكريم، وسنستمر في ذلك حتى نحقق أهدافنا في الحرية والاستقلال والعيش الكريم كبقية شعوب العالم.

سيدي الرئيس.. يشرفني باسمي الشخصي وبالنيابة عن مليونيْ فلسطيني محاصر في أكبر سجن مفتوح على الأرض؛ دعوتكم لزيارة غزة والتعرف -عن قرب- على شعب من أطيب وأكرم الشعوب وأعزها، ولتروا بأم أعينكم مظاهر هذه الكارثة الإنسانية التي هي من صنع البشر.

كما أننا كلنا أمل وثقة في أن ما تمتلكونه من حب للحرية والعدل والمساواة والخير للجميع، كفيلٌ بأن يدفعكم لإعادة تقييم موقفكم، واتخاذ الموقف الذي يتفق مع القيم والأخلاق التي تدافعون عنها. كل الاحترام والتقدير لشخصكم الكريم من الشعب الفلسطيني عامة، وشعبنا في غزة خاصة.

المصدر: الجزيرة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات