عاجل

السبت 22/يونيو/2024

منصب نائب الرئيس

د. عصام عابدين

تابعت باهتمام مقابلة د. صائب عريقات البارحة في برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة، وما أثاره خلال اللقاء بشأن نائب الرئيس؛ ومفاده أن منصب نائب الرئيس عُرض على المجلس التشريعي الأول في العام 2005 ولم يتم الاتفاق عليه في ذلك الوقت، رغم أن المجلس التشريعي كان من لون واحد تقريباً، ولكل من النواب أسبابه.

وفي ظني، أنها المرة الأولى التي يتم الحديث فيها علناً عن المشروع الذي قدم للتشريعي أواخر العام 2005 بشأن نائب الرئيس، مع الاحترام للدكتور عريقات وقد كان نائباً في ذلك الوقت، وحيث أنني كنت شاهداً على تلك المرحلة بحكم طبيعة عملي كمستشار قانوني للمجلس التشريعي، ومن باب التوضيح ووضع الأمور في نصابها، فإن ما عُرض على “التشريعي” آنذاك كان مشروع “تعديل القانون الأساسي المعدل” وكان يطال بنية النظام السياسي، وفي أجواء التحضير للانتخابات التشريعية في ذلك الوقت؛ التي أفرزت المجلس التشريعي الحالي.

رئيس المجلس التشريعي آنذاك، أعلن عن افتتاح دورة طارئة للمجلس، ومن ثم عرض رئيس اللجنة القانونية في المجلس مشروع القانون المعدل للقانون الأساسي على أعضاء المجلس بعد التقديم والإحالة، وكان المشروع يحوز على دعم الرئاسة الفلسطينية، جرى عرض المشروع في آخر ثلاث جلسات برلمانية قبل انتهاء مدة ولاية المجلس التشريعي الأول، ولم يُستكمل، ومن ثم ذهب هذا المشروع غير مأسوف عليه أدراج الرياح.

الدورة التي افتتحها رئيس المجلس آنذاك لم تكن دستورية، ورئيس اللجنة القانونية خرق النظام الداخلي للمجلس بعرض المشروع على نواب التشريعي بالهيئة العامة. وفي المقابل، وللإنصاف، فإن العديد من نواب المجلس التشريعي وقفوا وقفة أخلاقية ودستورية وتاريخية مشرفة أمام هذا الاختبار الأخطر في تاريخ ولاية المجلس التشريعي الأول التي امتدت على مدار عشر سنوات، استخدمت تكتيكات برلمانية يطول شرحها أجبرت رئيس المجلس على اتخاذ القرار (7/896أ/10) بتأجيل نقاش المشروع المعدل للقانون الأساسي، ولو كُتب له النجاح في ذلك الوقت، لأحدث “زلزالاً ” في النظام السياسي والدستوري، لكنه فشل، وقضي عليه في مهده.

مشروع تعديل القانون الأساسي، لم يكتف فقط باستحداث منصب نائب الرئيس، وإنما منح الرئيس والحكومة صلاحيات هائلة، وقوّض صلاحيات البرلمان، حيث نص على صلاحية الرئيس، غير المساءل أمام المجلس التشريعي، بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات مبكرة. ونص على إمكانية قيام الحكومة بتنفيذ الموازنة العامة رغم عدم إقرارها من المجلس التشريعي. ونص على إلغاء الصلاحيات “الحصرية” للرئيس المبينة في القانون الأساسي بتعديل المادة (38) التي تنص على أن يمارس رئيس السلطة الوطنية سلطاته ومهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون (أي القانون الأساسي) بحيث حاول التعديل استبدالها بعبارة في القانون (أي القانون العادي) ما يعني أن القانون العادي يمكن أن يمنح الرئيس صلاحيات غير واردة في القانون الأساسي، وغيرها من التعديلات الدستورية التي من شأنها أن تعصف بالقانون الأساسي على مستوى النصوص الدستورية، على غرار العصف الذي يجري بالقانون الأساسي اليوم على مستوى التطبيق العملي على الأرض.

بالعودة إلى منصب نائب الرئيس، فإن الاعتراض عليه في ذلك الوقت تمثل بشكل رئيس في أن نواب المجلس التشريعي الأول “المعترضين” يدركون أن أي مساس بأي حرف في القانون الأساسي يحتاج إلى موافقة “ثلثي عدد الأعضاء” ولم يكونوا يريدون أن يسجلوا على أنفسهم الاشتراك أو الموافقة على هذا المشروع الكفيل بتدمير القانون الأساسي والقيم الدستورية، وقبيل انتهاء مدة ولاية المجلس، وفي أجواء التحضير للانتخابات التشريعية.

كما أن التعديل المقترح بشأن منصب نائب الرئيس يخالف النص الدستوري الصريح الوارد في المادة (37/2) من القانون الأساسي التي تنص على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي مهام رئاسة السلطة الوطنية مؤقتاً لمدة لا تزيد عن ستين يوماً تجري خلالها انتخابات حرة ومباشرة للرئيس، وهي الأساس الدستوري الذي تولى بموجبه السيد روحي فتوح (رئيس المجلس في ذاك الوقت) رئاسة السلطة الفلسطينية بعد وفاة الرئيس الراحل ياسر عرفات. بالمناسبة السيد فتوح تولى رئاسة السلطة مؤقتاً بصفته رئيساً للمجلس دون حصول انتخابات سنوية لهيئة مكتب رئاسة المجلس التشريعي ودون حصول انتخابات أيضأ للجان الدائمة في المجلس التشريعي.

كما أن الأنظمة الديمقراطية النيابية (المادة 5 من القانون الأساسي) تفترض أن يكون نائب الرئيس، كما الرئيس، منتخباً بانتخابات عامة حرة ونزيهة. وبالتالي، لا يمكن، من الناحية الدستورية، إلصاق تلك الصلاحية بالمجلس المركزي الجديد بصلاحياته الجديدة، من خلال استبدال أسلوب الانتخاب بأسلوب التعيين الذي يتنافى مع مقتضيات الأنظمة الديمقراطية النيابية، كما أن هذا الإجراء غير الدستوري (لو كان دستورياً لماذا قدم تعديل بشأنه عام 2005؟) من شأنه أن يؤسس لمرحلة جديدة من تداول السلطة عبر التعيين لا الانتخاب، وفي ظني أنها وصفة جاهزة للاقتتال الداخلي بين الفلسطينيين، وإنْ على سلطة وهمية، باعتراف الجميع.

القول إنَّ المجلس المركزي الجديد، بات يمتلك صلاحيات جديدة، بتفويض من المجلس الوطني، علماً أن الأخير يتجاهل لوائحه الداخلية منذ عقود، والتي تنص على الانتخابات الدورية كل ثلاث سنوات، وأن المجلس المركزي يملك صلاحية “تعيين” نائب الرئيس، وإحاطة الشعب الفلسطيني (مصدر السلطات) علماً بهذا التعيين، هو إجراء مهين للفلسطينيين، ومهين للحق في تقرير المصير، ومخالف لقانوننا الأساسي، ولا يرتكز إلى أساس قانوني في جميع وثائق منظمة التحرير الفلسطينية، ومَن يقول بغير ذلك فليخرج علينا بنص واحد في وثائق منظمة التحرير يؤيد كلامه، وهي التي استخدمت طيلة السنوات السابقة لإجهاض الرقابة على السلطة التنفيذية والمحاسبة على التقصير في الأداء، ونواب التشريعي الأول يعرفون ذلك جيداً خلال ولاية امتدت عشر سنوات.

القول إنَّ المجلس المركزي هو الذي أنشأ السلطة في تشرين الأول عام 1993 في تونس، لا يعني تجاهل قرار إنشاء المجلس المركزي في ذاته الذي تم بناءً على المادة (7) فقرة (أ) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير وبموجب قرار المجلس الوطني بإنشاء المجلس المركزي في دورته الثالثة عشر، واختصاصات المجلس المركزي الواردة في المادة (3) من قرار إنشائه الصادر عن المجلس الوطني، لا تمنحه أي صلاحية بشأن منصب نائب الرئيس على الإطلاق، هذا علاوة على غياب “وثيقة دستورية” سامية تبين طبيعة وحدود العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية ولاحقاً دولة فلسطين لغاية الآن، وبالتالي استمرار جوقة الأوركسترا بالعزف في الأجواء الملبدة بالغيوم والضباب الكثيف.

لا حاجة للتذاكي يا سادة، أداء عازفي الأوركسترا نشاز ومزعج للناس، والغيوم والضباب الكثيف لن يخفي وجوه العازفين طويلاً، الناس وبخاصة الشباب الفلسطيني يحبون العزف الجميل تحت أشعة الشمس، يحبون النظر في وجوه وابتسامة العازفين على وتر الألحان الجميلة، تواقون للحرية والعدالة الاجتماعية والقيم الديمقراطية، إنها طريقهم الوحيد لنيل حقهم في تقرير المصير والخلاص من نير احتلال استعماري طويل الأمد.

سيادة الرئيس، الأمر الآن بيدك، والوقت من ذهب، كل من أحب فلسطين وعلى استعداد لأن يقدم روحه ودمه فداء لأرضها وشعبها ينتظر من سيادتكم بكل احترام وتقدير أن تدعو الناس لانتخابات عامة، وأن تضمن بيئة انتخابية صحية تمكن المواطنين من أن يمارسوا حقهم الأصيل في اختيار ممثليهم بحرية، سلّم الأمانة لأصحابها، بالاحتكام إلى العملية الديمقراطية وصناديق الاقتراع، والناس ستسجل موقفك التاريخي هذا بحروف من ذهب سيدي الرئيس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يقتحم جنين والمقاومة تتصدى

الاحتلال يقتحم جنين والمقاومة تتصدى

جنين- المركز الفلسطيني للإعلام اقتحمت قواتُ الاحتلال الصهيوني - صباح السبت- مخيم جنين ومدينة قلقيلية، في الضفة الغربية المحتلة وسط إطلاق نار كثيفٍ...

مقتل مستوطن بإطلاق نار وسط مدينة قلقيلية

مقتل مستوطن بإطلاق نار وسط مدينة قلقيلية

قلقيلية - المركز الفلسطيني للإعلام قتل مستوطن إسرائيلي -صباح السبت- بعملية إطلاق نار وسط مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية المحتلة، بعد يوم من اغتيال...