هل انتهى عصر حركات التحرر؟
ربما من السابق لأوانه أن يكون لدينا إجابة قاطعة بنعمٍ أو لا؛ ولكن في ظل العولمة والحديث عن نهاية التاريخ وعن الثورة التكنولوجية وعصر الشبكة التي ألغت حدود الدول وشبكات التواصل الاجتماعي التي أذابت الفروق اللغوية والعرقية والدينية والجغرافية حول العالم، أصبح من الصعب الحديث عن حركة تحرر تسير بعكس التيار وتغير التاريخ وتهزم إمبراطوريات كما حصل في السابق.
يصعب أن نتخيل كيف كان قائد ثورة أو حركة تحرر سيقود شعبه نحو الحرية وهو في أضعف حالاته، وسينتصر على عدوه وهو في ذروة قوته من أمثال قادة الثورة الصينية والكوبية والفيتنامية لو كان لديهم جيوش السايبر من الأعداء، وكان جنودهم من الثوار مسلحين بشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، ويتسابقون في نشر كل ما يخطر على بالهم من آراء ومعلومات.
يصعب تخيل حركات التحرر تلك التي كان قادتها يمضون حياتهم في الجبال والغابات والكهوف بعيداً عن الكاميرا عندما نتحدث عن حركات اليوم التي يمضي قادتها حياتهم أمام الكاميرا والميكروفون.
ويصعب الحديث عن حركات التحرر تلك التي قضت حياتها في سرية تامة، بينما تجتمع اليوم قيادة حركات التحرر في مقرات مخابرات أعدائها لنقاش قراراتها الاستراتيجية فضلاً عن مخابرات أصدقائها.
من الصعب الحديث عن حركات التحرر تلك التي قادها زعيمٌ واحد مع فريقٍ قياديّ متجانس لم يعرف أحد عن خلافاتهم شيئاً إن وجدت، ولا عن رغبات كل واحدٍ منهم، ولا عن مشاكله الاجتماعية، ولا عن احتياجاته الأسرية، وكأن الوصول إلى دائرتهم والاطّلاع على حالهم يحتاج إلى عمليات استخباراتية غاية في التعقيد والمخاطرة والسير في الجبال والتعب بينما اليوم يستطيع الأعداء وبدون أدنى جهد أن يعرفوا شخصية كل قيادي؛ أفكاره ورغباته وهواياته وميوله من خلال حسابه على غوغل وحسابات دائرته الاجتماعية والحركية فضلاً عن العلاقات المباشرة والظهور المكثف على الإعلام.
لقد أضحت حركات التحرر كفئران التجارب في مختبرات اأجهزة المخابرات، تعرف عنها كل شيء؛ من يطعمها وماذا يطعمها، من يسقيها وماذا يسقيها، من يسلحها وبماذا يزودها من أسلحة، من يمولها وكم يعطيها، من هم القادة المتشددون ومن هم المعتدلون، من الصقور ومن الحمائم ، وعلى أي دولةٍ محسوبٌ كل منهم، بل أصبح الأفراد معروفين؛ من يؤيدون ولأي قائدٍ يتبعون، وما لا يعرفه العدو من الإعلام ومن القيادة يعرفه من القاعدة التي تتفاعل عبر الإعلام الحديث وتتمتع بحرية الرأي والتعبير، فتهاجم هذا القائد وتعترض على ذاك.
إنها نهاية التاريخ بالنسبة لحركات التحرر كما اعتبر فوكوياما نهاية التاريخ بالديموقراطية الحديثة والليبرالية للدول والأنظمة السياسية، فحركات التحرر حركاتٌ سرية تعمل وهي ملاحقةٌ أمنياً من قبل عدوها القوي المتفوق، وسلاحها الأقوى في ذلك سريتها، وقدرتها على الاختفاء عن عيون وآذان أعدائها، فإذا صعد إلى الفضاء هبطت إلى الأنفاق، وإذا ركب الطائرات والدبابات ركبت هي الدواب والعربات، فإذا أرادت أن تمارس ما انتهت إليه الدول التقليدية والديموقراطيات الراسخة من ديموقراطية وليبرالية وحرية تعبير وشفافية وضعت نفسها في مختبر عدوها كفأر التجارب يتحكم في تفاعلاتها الجسدية والنفسية ويوجهها إلى حيث يريد، بل يتحكم في لون ورائحة بولها، وفرحها وحزنها، فهندسة جمهور الناخبين في الدول الديموقراطية التي سمحت بتأثير دول في انتخابات دولٍ أخرى، تسمح للدول أيضاً بالتأثير في حركات التحرر لتحديد قيادتها وتوجهاتها، حتى يصبح كل قياديّ محسوبًا على جهةٍ خارجية، وتفقد حركة التحرر استقلاليتها، وتمسي أداة طيعة في أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين، فتخدم مشاريعهم ولا تخدم مشروعها، وهذا أخطر تهديد يمكن أن يواجه حركة تحرر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

كتائب القسام تنعى القائد خالد الأحمد إثر عملية اغتيال في لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام نعت كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس، القائد الميداني خالد أحمد الأحمد، الذي اغتاله جيش الاحتلال الإسرائيلي...

استشهاد الصحفي نور الدين عبده بقصف إسرائيلي على غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد الصحفي نور الدين مطر عبده، صباح اليوم الأربعاء، جراء قصف إسرائيلي خلال تغطيته المجزرة التي ارتكبها الاحتلال في...
مصر وقطر تؤكدان استمرار جهودهما في الوساطة بشأن غزة للوصول إلى التهدئة الشاملة
المركز الفلسطيني للإعلام أكدت جمهورية مصر العربية ودولة قطر، في بيان مشترك اليوم الأربعاء، استمرار وتنسيق جهودهما في ملف الوساطة من أجل التوصل إلى...

الاحتلال يغتال قياديا في القسام باستهداف مركبة بصيدا جنوب لبنان
المركز الفلسطيني للإعلام استشهد قيادي ميداني من كتائب القسام، الجناح العسكري، صباح اليوم الأربعاء، في قصف طائرات الاحتلال الحربية، مركبة في مدنية...

تفجير حقل ألغام .. القسام يوقع قوة صهيونية بين قتيل وجريح شرقي خانيونس
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، اليوم الأربعاء، تفجير حقل ألغام في قوة صهيونية شرقي خانيونس، وإيقاعها...

10 شهداء على الأقل في قصف جديد لمدرسة وسط القطاع
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 10 شهداء على الأقل، وأصيب أكثر من 50 مواطنًا بجراح، إثر قصف إسرائيلي جديد، استهدف، مساء الثلاثاء، مدرسة أبو...

الإعلامي الحكومي: مجزرة البريج امتداد مباشر لجرائم الإبادة في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي إن مجزرة مخيم البريج تُعد جريمة امتداد مباشر لجريمة الإبادة الجماعية التي يواصل جيش...