الأربعاء 07/مايو/2025

هل انتهى عصر حركات التحرر؟

صلاح الدين العواودة

ربما من السابق لأوانه أن يكون لدينا إجابة قاطعة بنعمٍ أو لا؛ ولكن في ظل العولمة والحديث عن نهاية التاريخ وعن الثورة التكنولوجية وعصر الشبكة التي ألغت حدود الدول وشبكات التواصل الاجتماعي التي أذابت الفروق اللغوية والعرقية والدينية والجغرافية حول العالم، أصبح من الصعب الحديث عن حركة تحرر تسير بعكس التيار وتغير التاريخ وتهزم إمبراطوريات كما حصل في السابق.

يصعب أن نتخيل كيف كان قائد ثورة أو حركة تحرر سيقود شعبه نحو الحرية وهو في أضعف حالاته، وسينتصر على عدوه وهو في ذروة قوته من أمثال قادة الثورة الصينية والكوبية والفيتنامية لو كان لديهم جيوش السايبر من الأعداء، وكان جنودهم من الثوار مسلحين بشبكات التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، ويتسابقون في نشر كل ما يخطر على بالهم من آراء ومعلومات.

يصعب تخيل حركات التحرر تلك التي كان قادتها يمضون حياتهم في الجبال والغابات والكهوف بعيداً عن الكاميرا عندما نتحدث عن حركات اليوم التي يمضي قادتها حياتهم أمام الكاميرا والميكروفون.

ويصعب الحديث عن حركات التحرر تلك التي قضت حياتها في سرية تامة، بينما تجتمع اليوم قيادة حركات التحرر في مقرات مخابرات أعدائها لنقاش قراراتها الاستراتيجية فضلاً عن مخابرات أصدقائها.

من الصعب الحديث عن حركات التحرر تلك التي قادها زعيمٌ واحد مع فريقٍ قياديّ متجانس لم يعرف أحد عن خلافاتهم شيئاً إن وجدت، ولا عن رغبات كل واحدٍ منهم، ولا عن مشاكله الاجتماعية، ولا عن احتياجاته الأسرية، وكأن الوصول إلى دائرتهم والاطّلاع على حالهم يحتاج إلى عمليات استخباراتية غاية في التعقيد والمخاطرة والسير في الجبال والتعب بينما اليوم يستطيع الأعداء وبدون أدنى جهد أن يعرفوا شخصية كل قيادي؛ أفكاره ورغباته وهواياته وميوله من خلال حسابه على غوغل وحسابات دائرته الاجتماعية والحركية فضلاً عن العلاقات المباشرة والظهور المكثف على الإعلام.

لقد أضحت حركات التحرر كفئران التجارب في مختبرات اأجهزة المخابرات، تعرف عنها كل شيء؛ من يطعمها وماذا يطعمها، من يسقيها وماذا يسقيها، من يسلحها وبماذا يزودها من أسلحة، من يمولها وكم يعطيها، من هم القادة المتشددون ومن هم المعتدلون، من الصقور ومن الحمائم ، وعلى أي دولةٍ محسوبٌ كل منهم، بل أصبح الأفراد معروفين؛ من يؤيدون ولأي قائدٍ يتبعون، وما لا يعرفه العدو من الإعلام ومن القيادة يعرفه من القاعدة التي تتفاعل عبر الإعلام الحديث وتتمتع بحرية الرأي والتعبير، فتهاجم هذا القائد وتعترض على ذاك.

إنها نهاية التاريخ بالنسبة لحركات التحرر كما اعتبر فوكوياما نهاية التاريخ بالديموقراطية الحديثة والليبرالية للدول والأنظمة السياسية، فحركات التحرر حركاتٌ سرية تعمل وهي ملاحقةٌ أمنياً من قبل عدوها القوي المتفوق، وسلاحها الأقوى في ذلك سريتها، وقدرتها على الاختفاء عن عيون وآذان أعدائها، فإذا صعد إلى الفضاء هبطت إلى الأنفاق، وإذا ركب الطائرات والدبابات ركبت هي الدواب والعربات، فإذا أرادت أن تمارس ما انتهت إليه الدول التقليدية والديموقراطيات الراسخة من ديموقراطية وليبرالية وحرية تعبير وشفافية وضعت نفسها في مختبر عدوها كفأر التجارب يتحكم في تفاعلاتها الجسدية والنفسية ويوجهها إلى حيث يريد، بل يتحكم في لون ورائحة بولها، وفرحها وحزنها، فهندسة جمهور الناخبين في الدول الديموقراطية التي سمحت بتأثير دول في انتخابات دولٍ أخرى، تسمح للدول أيضاً بالتأثير في حركات التحرر لتحديد قيادتها وتوجهاتها، حتى يصبح كل قياديّ محسوبًا على جهةٍ خارجية، وتفقد حركة التحرر استقلاليتها، وتمسي أداة طيعة في أيدي اللاعبين الدوليين والإقليميين، فتخدم مشاريعهم ولا تخدم مشروعها، وهذا أخطر تهديد يمكن أن يواجه حركة تحرر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات