من وعد بلفور إلى وعد ترمب
![سميرة المسالمة
سميرة المسالمة](https://palinfo.com/wp-content/uploads/models/media/images/2015/12/9/750020475.jpg)
تسقط من جديد رهانات الزعامات العربية في التعويل على الدور الأميركي في صناعة السلام في منطقة الشرق الأوسط عموماً، وفلسطين خصوصا، فعلى الرغم من انحيازاتها المستمرة لمصلحة “إسرائيل”، في القضية الفلسطينية، قبلت المنظومة العربية والقيادة الفلسطينية أن تسلم أوراقها للجانب الأميركي، في وقتٍ يمكن تسميته لحظة “انعدام الخيارات”، لفرض تسويةٍ “غير موثوقة” تسمح للشعب الفلسطيني بتقرير مصيره في دولته المستقلة، في الأرض المحتلة (1967)، وفق ما سمي حل الدولتين، عبر مسار أوسلو الذي انتزع القضية من مسارها الأممي، أي وفقا لقرارات الشرعية الدولية، ليضعها في مساراتٍ جانبيةٍ لم يتحقق منها سوى حكم ذاتي للفلسطينيين في بعض من بعض أرضهم، ولجزء من شعبهم.
وقد أدّى ذلك إلى استسلام المجتمع الدولي، عبر مؤسسته الأممية المتمثلة في الأمم المتحدة، وركن قراراته ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، لا سيما منها القرار 181 الخاص بالتقسيم، والقرار 194 الخاص بحق العودة للاجئين، و242 الخاص بانسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها، وعدم جواز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. هكذا بقصد أو من دونه. وفي لحظة فقدان الثقة بقوة الحق، استسلمنا عربياً وفلسطينياً لقوة الهيمنة الأميركية غير الحيادية.
“عاشت أميركا… تسقط أميركا”، هذا هو الحال الذي يعتمل داخل نفوس العرب، فمن ترمب الذي “نحبّه” عندما يداعب مشاعرنا في إعلان عدائه إيران، إلى ترمب ذاته الذي نكرهه، ونحن نتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى منه، في مجال حقوق الفلسطينيين. والمنصف في الأمر الاعتراف أنه ليس هو من تلاعب بمشاعرنا، وربما لم يسع إليها، أو أنها ليست على جدول أعماله أساساً، منذ بدأت مسيرة شهرته، حين لم يكن على قائمة التنافس الرئاسية في الولايات المتحدة الأميركية، ومروراً بتحولاته السياسية، المتنوعة، وبرنامج دعايته الانتخابية الذي لم يلامس فيه أي حلم عربي كان، أو “إسلامي”، وانتهاء بوعده “المشؤوم” في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، بخصوص نقل السفارة الأميركية إلى القدس. هذا الوعد الذي أطلقه في حين لا تزال مكرمات بلاد الخليج عالقةً على جنبات ثيابه وأهل بيته الذين شاركوا وباركوا مقتل نحو ستين فلسطينياً، على وقع خطوات ابنته “الفاتنة” إيفانكا التي أزاحت الستارة عن سفارة الولايات المتحدة الأميركية في القدس المحتلة في 14 مايو/أيار الجاري، لتكون أول دولة تعترف بالديانة جامعا لشعب تقوم على أساسه دولة دينية يهودية، توازي، إن لم تتفوق على، الدولة الإسلامية إيران، المماثلة لها في قوامها وجامعتها (الدين) وسلوكها نحو العرب، والتي تدّعي أميركا خصومتها والسعي إلى تحجيم دورها، بدعوى إخلالها بالسلم والاستقرار الدوليين، وتخليص العالم من شرورها القادمة عبر سلاحها النووي.
وفي الحالين، الولايات المتحدة الأميركية التي نستنجد بها لتخلصنا من جرائم إيران واحتلالها مذهبيا وعسكريا سورية والعراق، هي نفسها التي تساند الاحتلال الإسرائيلي، وتبرّر جرائمه في فلسطين، وتصون مصالحه في مجلس الأمن، وتعزّز قوته العسكرية والاقتصادية على حساب انتزاع القدرات العربية، وتدميرها منهجياً لمصلحة التفوق الإسرائيلي، ما يجعل السؤال مبرّراً عن إمكانية أن يكون لإدارة ترمب اليوم أي دور في إرساء الأمن والسلام الدوليين في منطقتنا العربية، في ظل انحيازه التام لـ”إسرائيل”، وتبنّيه فرضية وجودها الأسطورية الخارجة عن منطق بناء الدول في العصر الحديث.
أقصد أن الحديث عن “خيانة” للإدارة الأميركية، أو عن تراجع لها، هو فقط لتبرير الأخطاء الجسيمة التي انطوت عليها مراهنة بعضهم على الولايات المتحدة الأميركية التي لم تدّع يوما أنها تحابي مصالح العرب وحقوقهم، بل أكدت على الدوام أنها لا تهتم إلا بمصالحها الخاصة، وضمن ذلك مصالح “إسرائيل” في المنطقة، أي أن الذين راهنوا عليها، وبنوا سياساتهم على أساس توهماتهم عنها، هم الذين يتحملون المسؤولية، في هذا الخصوص.
قد يحيل بعضهم توهماته إلى تصريحات الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، وأركان إدارته، لكن تلك الإدارة التي تتحمل جزءا كبيرا عن مآلات الصراع السوري، والمآسي الناجمة عنه، أرسلت إشارات عديدة واضحة تفيد بأنها غير معنية بإنهاء الصراع السوري، أو بترحيل نظام الأسد، وحصل ذلك مرارا في سكوت وزير خارجيتها، جون كيري، عن تفسيرات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لبيان جنيف، ثم عن عبثه بمسار مفاوضات جنيف، أي أن الولايات المتحدة هي التي سهلت وغطت الدور الروسي، السياسي والعسكري، كما سهلت سابقاً استيلاء إيران على العراق سياسياً واقتصادياً، وما كان لإيران التي تحمل شعار “الموت لأميركا” أن تصل إلى الحدود السورية مع الكيان الإسرائيلي إلا بقرار صامت أميركي، يوظف من جديد الوجود الإيراني لمصلحة خلط الأوراق، وانتزاع الأولويات العربية من المواجهة مع إسرائيل إلى المواجهة مع إيران.
تبيّن كل الدلائل بوضوح أن الولايات المتحدة لم تكن تريد إنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عبر أوسلو، وإنما تغيير مسار الصراع وتحجيم أهداف الفلسطينيين ومحاصرتها ضمن حدود قصر حكم السلطة الفلسطينية (“المقاطعة” في رام الله)، كما الحال بالنسبة للصراع في سورية، فحيث كان يمكن للإدارة الأميركية، والتي بدأت تدخلاتها بالثورة السورية مع الأسابيع الأولى لانطلاقتها 2011، من خلال التصريحات وحراك السفارة الأميركية في دمشق، أن تنهي الصراع، وتلزم النظام بالخضوع إلى تسويةٍ سياسيةٍ عادلةٍ وعاجلة، إلا أنها اختارت الطريق الأطول والأصعب على السوريين، لاستنفاذ قواهم بصفتهم طرفين متصارعين، ولتوسيع عدد الأطراف، بما يضمن تحقيق “الفوضى الخلاقة” التي لا تزال تتشكل في المنطقة كاملة، في وقت تحتفي هي بالقدس، أحد أخطر ملفات الصراع العربي الإسرائيلي، عاصمة للدولة اليهودية.
المصدر: العربي الجديد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
![تحقيق صحفي إسرائيلي ألماني يكشف تفاصيل جديدة عن عملية طوفان الأقصى](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/06/QT594-1080x675.jpeg)
تحقيق صحفي إسرائيلي ألماني يكشف تفاصيل جديدة عن عملية طوفان الأقصى
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام كشف تحقيق مشترك لصحيفتي "يسرائيل هيوم" العبرية و "بيلد" الألمانية، السبت، تفاصيل جديدة عن عملية "طوفان الأقصى"...
![الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/06/doc-34zv7g9-1719692811.jpg)
الآلاف يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بانتخابات مبكرة وصفقة تبادل
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام تظاهر الآلاف -اليوم السبت- في مناطق عدة بإسرائيل، منها تل أبيب؛ للمطالبة بإبرام صفقة تبادل أسرى مع فصائل المقاومة...
![اليوم الـ 267.. كمائن الموت تفتك بضباط الاحتلال وجنوده في غزة](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/06/1-20.jpg)
اليوم الـ 267.. كمائن الموت تفتك بضباط الاحتلال وجنوده في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب الشهيد عز الدين القسام لليوم الـ 267 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور من قطاع...
![هنية يبحث مع قالن وكامل تقييم مسار مفاوضات وقف النار](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/05/icW50-1080x600.jpeg)
هنية يبحث مع قالن وكامل تقييم مسار مفاوضات وقف النار
الدوحة - المركز الفلسطيني للإعلام بحث إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في اتصالين هاتفيين مع مسؤولين رفيعين من تركيا ومصر تقييم مسار...
![الاحتلال يعلن مقتل جنديين إسرائيليين في معارك شمال غزة](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/06/killed_soldiers.jpg)
الاحتلال يعلن مقتل جنديين إسرائيليين في معارك شمال غزة
فلسطين المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم السبت، مقتل اثنين من جنوده خلال معارك في شمال قطاع غزة. ووفقاً...
![حمدان: الاحتلال يمعن في حرب التجويع ومطلوب تحرك عاجل لإغاثة شعبنا](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/02/osama_hamdan-1.jpg)
حمدان: الاحتلال يمعن في حرب التجويع ومطلوب تحرك عاجل لإغاثة شعبنا
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام قال ممثل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في لبنان، أسامة حمدان، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يمعن في حرب التجويع التي...
![مسؤولون عسكريون إسرائيليون: حماس قادرة على النهوض مجدداً](https://palinfo.com/wp-content/uploads/2024/06/hamas_troops.jpg)
مسؤولون عسكريون إسرائيليون: حماس قادرة على النهوض مجدداً
فلسطين المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أعرب مسؤولون عسكريون إسرائيليون سابقون، عن إحباطهم من العمليات العسكرية في مناطق قطاع غزة، مؤكدين قدرة...