السبت 29/يونيو/2024

تقدير استراتيجي حول مخططات تصفية الأونروا

تقدير استراتيجي حول مخططات تصفية الأونروا

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تقديره الاستراتيجي الجديد حول المحاولات الأمريكية لتصفية وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ باعتبارها شاهداً رئيسياً دولياً على كارثة فلسطين سنة 1948، ونكبة اللاجئين الفلسطينيين؛ وخطّ دفاع أول في حقهم في العودة إلى أرضهم التي أُخرجوا منها.

وحدد المركز، ثلاث سيناريوهات حول مستقبل الأونروا؛ أولها يُشير إلى تمكُّن الأونروا من تجاوز أزمتها الراهنة، كما تمكنت من تجاوز العديد من الأزمات السابقة، أما السيناريو الثاني فيُرجِّح بقاء الأونروا ولكن مع المزيد من الإضعاف لدورها وتأثيرها، من خلال تقليص إيراداتها واستمرار الحرب السياسية والإعلامية عليها.

ويرجح السيناريو الثالث نجاح الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفائهما في إفشال أو إلغاء الأونروا من خلال تغيير “تفويضها” المحدد بالقرار 302، وضمّ عملها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ويرى أن فرص السيناريو الثالث مستبعدة، أما فرص السيناريو الأول فما زالت قائمة غير أن ذلك يحتاج إلى تضافر جهود جميع داعمي الأونروا، وإلاّ فسيفتح المجال بشكل أكبر للسيناريو الثاني.

ولأهمية التقدير، ينشره “المركز الفلسطيني للإعلام” كاملا:

مخططات تصفية الأونروا: إلى أين؟!

تقدير استراتيجي (104) – أيار/ مايو 2018

ملخص:

تزايدت في الفترة الأخيرة المحاولات الأمريكية لتصفية وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ باعتبارها شاهداً رئيسياً دولياً على كارثة فلسطين سنة 1948، ونكبة اللاجئين الفلسطينيين؛ وخطّ دفاع أول في حقهم في العودة إلى أرضهم التي أُخرجوا منها.

ويُشير السيناريو الأول في التوقعات المستقبلية إلى تمكُّن الأونروا من تجاوز أزمتها الراهنة، كما تمكنت من تجاوز العديد من الأزمات السابقة، أما السيناريو الثاني فيُرجِّح بقاء الأونروا ولكن مع المزيد من الإضعاف لدورها وتأثيرها، من خلال تقليص إيراداتها واستمرار الحرب السياسية والإعلامية عليها. بينما يرجح السيناريو الثالث نجاح الولايات المتحدة و”إسرائيل” وحلفائهما في إفشال أو إلغاء الأونروا من خلال تغيير “تفويضها” المحدد بالقرار 302، وضمّ عملها إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وتبدو فرص السيناريو الثالث مستبعدة، أما فرص السيناريو الأول فما زالت قائمة غير أن ذلك يحتاج إلى تضافر جهود كافة داعمي الأونروا، وإلاّ فسيفتح المجال بشكل أكبر للسيناريو الثاني.

أولاً: الأونروا: من الولادة إلى محاولات التصفية:

استجابة لرغبة الوسيط الدوليّ الكونت برنادوت، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب القرار 194/1948 لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين UNCCP. وبموجب الفقرة 12 من القرار عينه قرّرت لجنة التوفيق في 1949/8/23 تشكيل “البعثة الاقتصادية للدرس” Economic Survey Mission أو ما سمي حينها بـ”بعثة كلاب” Clapp. وبناء على توصية البعثة، أنشأت الجمعية العامة بموجب قرارها رقم 302 في 1949/12/8 “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)”. وهكذا وُلدت الأونروا بوصفها “منظمة إنسانية” في مخاض سياسي، وجاء ذلك في أعقاب فشل حلّ مشكلة اللاجئين في مؤتمر لوزان.

وتأتي المحاولات الإسرائيلية الأمريكية الراهنة لإنهاء دور الأونروا، عبر العمل على تجفيف مواردها، أو دمج تفويضها ضمن صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين UNHCR في سياق المخططات الأشمل، الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وفي القلب منها قضية اللاجئين وحقّ العودة. وهذه المخططات ذات سياقات وأبعاد إقليمية ودولية تتصل باشتراطات “عملية التسوية” في نسختها الجديدة التي تحمل اسم “صفقة العصر”. ولها، في الوقت عينه، تداعيات وآثار كارثية في كل منطقة من مناطق عمليات الأونروا، فيما يتعلق بتقديم الخدمات.

بيد أن مخططات تصفية دور الأونروا ليست جديدة، حيث إنها رافقت الوكالة منذ نشأتها وارتبطت بالسياق السياسي والطبيعة المؤقتة التي ولدت بموجبها هذه الوكالة، من جهة، وبتفويضها الملتبس والمزدوج ما بين الإغاثة/ والتشغيل، من جهة أخرى.

وهنا، يمكننا التمييز بين مقاربتين رئيسيتين: الأولى، مقاربة اقتصادية اجتماعية تتأسس على تفسير تفويض الأونروا وتكييفها لتخدم غرض التصفية؛ والثانية، مقاربة سياسية تتمثل في ممارسة الضغوط المباشرة والمكشوفة على المجتمع الدولي من أجل تحقيق الهدف عينه. وفي حقيقة الأمر، فإن المقاربة الأولى هي الأخرى مقاربة سياسية في الجوهر، ولا تنفصل المقاربتان كلتاهما عن هدف إنهاء خدمات الأونروا وتوطين اللاجئين في الدول المضيفة، وتصفية حقّ العودة.

ثانياً: المقاربة الاقتصادية الاجتماعية:

بموجب التفويض الممنوح للأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة أنشئت هذه الوكالة الدولية من أجل: “تنفيذ برامج الإغاثة والتشغيل للاجئين الفلسطينيين بالتعاون مع الحكومات المحلية، وفقاً لتوصيات اللجنة الاقتصادية للدرس. وقد أوكلت الجمعية العامة للأونروا مهمة مزدوجة: إدارة الغوث من جهة، والسير ببرنامج الأشغال، في الوجهة المنشودة من جهة أخرى”.

وفي الأساس كان ينظر لعمل الأونروا في مجال إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، على أنه مجرد فعل قصير الأمد أملته ظروف سياسية حساسة. أما المفهوم الأصلي لتفويض الأونروا فهو كامن في اسم الأونروا نفسه: “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى”، ما يعني أن يحل برنامج التشغيل، المراد منه في نهاية المطاف توطين اللاجئين، محل الإغاثة.

وفي هذا الصدد، بدأت الأونروا بعد تأسيسها بفترة قصيرة في تطبيق ما سميّ حينها “برنامج الأشغال والتشغيل”، تنفيذاً لتوصيات البعثة الاقتصادية للدرس. وكانت قد أجرت لهذا الغرض مفاوضات تمهيدية مع حكومات الدول المضيفة بهدف تقوية اقتصاديات تلك الدول وتوفير فرص عمل للاجئين في الوقت عينه، بما يوصلهم إلى درجة من الاكتفاء الذاتي تسمح بشطبهم من سجلات الإغاثة. ويضمن هذا البرنامج تطبيق المشاريع والبرامج التالية:

• مشاريع الأشغال العامة الكبرى Large Scale Public Works Projects) 1950) التي كان يتوقع منها شطب ما يزيد عن 100000 لاجئ من برنامج الإغاثة بحلول منتصف سنة 1951.

• برنامج الدمج Reintegration Programme) 1951) الذي تبنى خطة لثلاث سنوات كانت تهدف إلى تحويل إدارة الإغاثة إلى الحكومات المضيفة خلال فترة لا تتعدى 1952/7/1 [1]، على أن يتم خفض موازنة الإغاثة بشكل مضطرد.

• مشاريع الدعم والاكتفاء الذاتي Self-Support Projects، التي تبنتها الأونروا منذ سنة 1950 من خلال تقديم قروض صغيرة لمساعدة الأفراد أو المجموعات في الوصول إلى الاعتماد الذاتي، تمهيداً لدمجهم في اقتصاديات الدول العربية المضيفة.

• وحتى برنامج التعليم، وهو من أكبر وأهم برامج الوكالة، كانت تعدُّه الأونروا منذ البداية على أنه برنامج تكميلي لعملية التأهيل الاقتصادي ومشاريع الدمج. وللمفارقة، وفرّ التعليم، بوصفه رأس مال اجتماعي، فرص عمل للاجئين، وحافظ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني.

ثالثاً: المقاربة السياسية:

بدأنا نشهد منذ أواخر سنة 2015، وحتى قبل ذلك في لجنة الموازنات في الكونجرس الأمريكي في سنة 2013، حملة إسرائيلية أمريكية شرسة ومنسقة على الأونروا في الأمم المتحدة، تشكك في مبرر وجودها سياسياً وأخلاقياً، بهدف تقويض هذا الوجود. وتتلخص مقولات تلك الحملة في: اتهام الأونروا بأنّها تشكِّل “عقبة أمام السلام”؛ وبأنها تعمل على “إدامة الصراع العربي الإسرائيلي” و”تطبِّق معايير مزدوجة عندما لا تعيد توطين اللاجئين الفلسطينيين”؛ وبأن مجرد تخصيص منظمة من منظمات الأمم المتحدة لكي تعنى بالفلسطينيين دون غيرهم من لاجئي العالم يعدّ بمثابة “انحياز ممنهج من قبل نظام الأمم المتحدة ضدّ إسرائيل”. وقد طالت الحملة أيضاً مناهج التعليم التي تعتمدها الأونروا، فوصفتها بأنها تعمل على “شيطنة إسرائيل”.

وتصاعدت الحرب الأمريكية الإسرائيلية على الأونروا منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وإثر صدور قرار الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2017 المناهض لإعلان ترامب، الذي رأى أن الجهود الرامية لتغيير وضع القدس “باطلة ولاغية”. وفي تعليقها على القرار، أعلنت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي في 2018/1/2 أن إدارة الرئيس ترامب “لا تنوي الاستمرار في دعم الأونروا حتى يوافق الفلسطينيون على العودة إلى طاولة المفاوضات”. وفي اليوم التالي (2018/1/3) غرّد ترامب على تويتر قائلاً: “سنوياً ندفع للفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات، ولا نحصل منهم في المقابل على أي تقدير أو احترام. إنهم لا يريدون مباحثات السلام، فلماذا ينبغي علينا أن ندفع لهم كل هذه المبالغ الطائلة في المستقبل”.[2]

وعلى الرغم من معارضة العديد من الدول لموقف إدارة ترامب من الأونروا، كلّ لأسبابه، إلا أنه لا يمكن، فعلياً، عزل النتائج الهزيلة التي أسفر عنها مؤتمر روما لدعم الأونروا الذي عُقد في 2018/3/15، والذي حضرته أكثر من 90 دولة، عن تأثيرات الموقف الأمريكي. إذ لم يسفر المؤتمر سوى عن تعهدات بجمع 100 مليون دولار من أصل المبلغ المطلوب، والمقدر بنحو 446 مليون دولار.

رابعاً: الآفاق والسيناريوهات المحتملة:

استناداً إلى التجربة التاريخية في التعاطي الدولي مع أزمات الأونروا، وبناءً على مختلف المعطيات المتوفرة حتى اليوم، هناك، من وجهة نظرنا، ثلاثة سيناريوهات محتملة فيما يختص بمستقبل الوكالة، ارتباطاً بالأزمة الأشد خطورة التي تواجهها في تاريخها، حسب تعبير المفوض العام للأونروا بيير كرينبول. ونرى أنه لا توجد حدود قاطعة بين السيناريوهات الثلاثة، حيث يمكن أن ينفتح أحدها على الآخر، وفقاً لتطورات الأزمة.

1. السيناريو الأول:

يفترض هذا السيناريو المتفائل تمكن الأونروا من تجاوز أزمة التمويل الراهنة، استناداً إلى الأسباب والعوامل/ الاحتمالات التالية:

أ. أن الأونروا معتادة على مواجهة أزمات التمويل، وإن كانت الأزمة الحالية هي الأسوأ، وهنا تجدر الإشارة إلى أزمة سنة 2015، والتي كادت أن تدفع بالأونروا إلى قطع العام الدراسي حينها.

ب. الدعم السياسي والمعنوي الذي حصلت عليه الأونروا في مؤتمر روما على الرغم من الضغوط المعاكسة التي مارسها الأمريكيون في الكواليس، وبالرغم من مردوده الهزيل على صعيد تعويض العجز المالي. ما يعني حرص المجتمع الدولي على استمرار عمل الأونروا، انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، في ظلّ غياب فرص فعلية لحلّ عادلٍ ودائمٍ لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

ج. إطلاق الأونروا في كانون الثاني/ يناير 2018 حملة “الكرامة لا تقّدر بثمن #DignityIsPriceless” بهدف جمع مبلغ 500 مليون دولار، من أجل توفير التعليم والرعاية الصحية والمساعدات الغذائية الطارئة، والمساعدات العينية للاجئين في مناطق عملياتها كافة. هذا إضافة إلى توجيه نداءً طارئاً لجمع مبلغ 800 مليون أخرى لتمويل برامجها الطارئة في سورية والأراضي المحتلة سنة 1967، وللفلسطينيين من سورية المقيمين في لبنان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات