الخميس 04/يوليو/2024

عن وطنية اجتماع المجلس الوطني

لمى خاطر

ثمة إشكالية كبيرة نعاني منها في فلسطين، ويعاني مثلها بصور أخرى العرب في بلادهم، وهي استئثار الطغمة الرسمية الحاكمة بالتوصيفات ذات الهالة البليغة، كالوطنية، والمصلحة العليا، والقيادة الشرعية، ونحو ذلك من مفردات تستبطن خواءً طاغيا، ويستخدمها المتسلطون سلاحاً ضد معارضيهم والمشككين بجدوى نهجهم العبثي.

في مدينة رام الله التي يجتمع فيها المجلس الوطني بعد تعطيل لأكثر من 27 عاماً يلزمك أن تفتش بالمجهر عن المعايير الوطنية أو المتسقة مع المصلحة الوطنية العليا التي استندت إليها السلطة حين قررت عقد اجتماع المجلس ورتبت له، مبتعدةً عن التوافق الوطني ومتنكرة لكل الاتفاقات الفصائلية السابقة التي أقرّت ضرورة عقده بالتوافق بعد ضمان تمثيله لمختلف شرائح الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وبعد إصلاح مؤسسات منظمة التحرير التي ترهلت وجف ماء فاعليتها منذ عقود، وظلت فقط تُستدعى اسمياً عند حاجة السلطة الفلسطينية إليها، لكي تشرعها سلاحاً في وجه معارضيها، ولتثبت بها دعائم استبدادها وتفردها بالقرار وتنكرها لرؤى القوى المؤثرة في الشارع الفلسطيني.

منظمة التحرير الفلسطينية صارت مجرد كيان ورقي لا وجود له إلا على ألسنة قادة السلطة الذي يرددون بمناسبة وبدون مناسبة أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، دون أن يتنازلوا ويشرحوا لعموم الفلسطينيين من أين استمد هذا الكيان شرعيته، وكيف ظل طوال عقود يحمل الصفة ذاتها دون تجديد أو انتخاب، مع تجاهل كل التغيرات المهولة التي جرت على خريطة السياسة الفلسطينية، والتي ضمرت بموجبها أسماء وقوى وتكلست ونضبت فاعليتها، فيما تقدمت أخرى وصعدت وحازت جدارة تمثيلية لقسم كبير من الفلسطينيين. 

لكن هذه التغيرات الكبيرة قوبلت بإنكار وتجاهل من قيادة السلطة الفلسطينية، هذه السلطة التي ينحصر وجودها في الضفة الغربية فقط، ويرتكز بقاؤها على مدى حاجة الاحتلال لوجودها ككيان يريحه من عناء إدارة شؤون السكان تحت الاحتلال، ويصرف عنه أذى المقاومة في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة إداريا. لكن السلطة في جوهرها ظلت مجرد فصيل واحد، ولم تستوعب أي مكون من خارج إطار حركة فتح، ومع ذلك ظلت تصرّ على ادعاء تمثيلها للفلسطينيين، وأحقيتها في إلزامهم جميعاً بخياراتها التي لم تعد معروفة ولا مفهومة في الفترة الأخيرة، وتخلو من كل شيء جدير بالنظر، إلا من العشوائية والتخبط، والاستمرار في تخدير الناس بالكلام والاجتماعات والمؤتمرات والقرارات التي لا يُنفذ منها شيء.

تبذل السلطة الفلسطينية وقتاً كبيراً في الحديث عن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، وفي القول إنها – أي القضية- تمر بمرحلة حساسة وخطيرة، وتتهددها محاولات التصفية، لكنها لا تقول شيئاً عما يلزم لمواجهة هذه التحديات، أو تقول كلاماً لا تنفذ منه شيئا، وتصر على سلوك عدة طرق التفافية تبعدها عن الطريق المباشر المتعين على كل جهة تواجه مخاطر وتحديات أن تسلكه، أي الالتفات إلى الداخل والتصالح مع الشعب وقواه المهمة، والتخلي عن نزعة الاستعلاء والمكابرة والمزايدة، والتوقف عن ممارسة الهواية الأثيرة لديها المتمثلة في مناكفة معارضيها وإيذائهم معنوياً وماديا، ولا سيما إذا كان معارضو السلطة يمثلون الأغلبية ويملكون مفاتيح الفاعلية الحقيقية وليسوا مجرد هياكل متكلسة عديمة الجدوى.

لكن إصرار قيادة السلطة على عقد المجلس الوطني في هذه الظروف وهذا المكان يعني أنها معنية قبل أي شيء آخر بمقاطعة القوى الحية له، حتى لو ادعت عكس ذلك، فهذا يريحها أمام ارتباك خياراتها، وأمام العالم، وأمام حلف الثورة المضادة في الإقليم، الضاغط لخنق قوى المقاومة واستبعادها من المشهد.

لم يعد الفلسطيني اليوم يعول على هذه الكرنفالات الاحتفالية التي تقيمها السلطة من حين لآخر، بغض النظر عن مسمياتها، ليس فقط لأنه شبع من الكلام والتنظير والوعود بدولة، فالدولة لا تصنعها مؤتمرات الخطب والشعارات المتخاصمة مع مضامينها، بل أيضاً لأنه عاين جيداً كيف أن كل القرارات والتوصيات التي تخرج عن هذه التجمعات تظل حبراً على ورق، ولا ينفذ منها شيء لصالح الشعب الفلسطيني؛ فرداً كان أم قضية، اللهم إلا تلك المتعلقة بتشديد حصار غزة وفرض مزيد من إجراءات التضييق والتجويع عليها!

لهذا كله من الطبيعي أن نتساءل عن مقدار ما تبقى من وطنية اجتماع ما يسمى بالمجلس الوطني الفلسطيني، بتشكيلته وظروف انعقاده وجدول أعماله ومخرجاته، وأعضائه الذين لا يمثلون إلا لوناً واحداً من الطيف الفلسطيني الواسع داخل فلسطين وخارجها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات