التحرر أولوية لا تتعارض مع الإصلاح
القاعدة القرآنية تقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)؛ فهل التغيير مقتصر على السلوكيات الاجتماعية وطرق التعامل الفردي والجماعي، أم أن تغيير النفس وفق القاعدة القرآنية في حالتنا نحن، يعني أيضا أو بالأخص إحداث ثورة نفسية عقائدية تجعل أولوية الناس الكبرى هي الفكاك والخلاص والتحرر من الاحتلال، بغض النظر عما يعتري المجتمع من مظاهر سلبية؟
وقبل كل شيء علينا ألا ننسى أو نغفل أو نقلل من حقيقة مركزية؛ وهي أن المشروع الصهيوني استولى على الأرض وشرّد أعدادا كبيرة من الشعب وأبقى البقية الباقية تحت وطأته اللئيمة بقوة ووحشية السلاح ضمن معادلة دولية وإقليمية تتقاسم بطريقة أو بأخرى الدعم أو التواطؤ أو العجز أو الصمت أو اللامبالاة، وهذه بمجموعها كفلت استمرار هذا المشروع فعليا 70 سنة حتى الآن.
أي أن القوة بمفهومها المادي (المال والسلاح) هي العمود الفقري لهذا المشروع السرطاني، وبالتالي عدم امتلاكها أو امتلاك ما يمكن منها للتصدي له، لم ولن يفضي إلى تحرر حتى لو صرنا جميعا حملة شهادات دكتوراه وما فوقها من هارفارد وأكسفورد والسوربون، وتحولنا جميعا إلى مدونات (إيتيكيت) تمشي على الأرض، ولم تعد آذاننا تسمع أو عيوننا ترى أي مظهر غير لائق أو بعيد عن الذوق والنظام في الشارع أو السوق أو المسجد أو المدرسة أو المشفى أو أي مكان… إذا سلمنا واقتنعنا بهذه الحقيقة وهيمنة هذه المعادلة فلن يكون ثمة خلاف، وسنتوصل إلى مقاربة معقولة… ولكن يبدو بأن هناك من يرى عوار هذه الفكرة أو المفهوم.
وفي كل الأحوال؛ هل يجب أن نظل في انتظار تحررنا من الاحتلال، بغض النظر عن الكيفية، حتى نزيل ما يعترينا من سلوك سلبي على مستوى الأفراد أو الجماعات؟ هذا سؤال يطرحه كثير من الناس من مستويات مختلفة، ولديهم من الأمثلة أو العينات نبع لا ينضب:
– هل الاحتلال يجبرنا على مظاهر النفاق والبذخ على الحفلات والمناسبات، والتي تستهلك موازناتنا المتواضعة، حبّا وشغفا بمظاهر زائفة، فنغرق في القروض والديون؟!
– هل الاحتلال هو المحفّز على التعدي الصارخ على الممتلكات العامة خاصة الشوارع والطرقات؛ تارة بإغلاقها لإقامة حفل ما، أو استخدامها لتوسعة محال تجارية، أو توسعة بيوت وبنايات، أو اللامبالاة بنظافتها برمي النفايات في غير مكانها المحدد.
– لماذا نقف بانتظام و(أدب) أمام شباك تجلس وراءه مجندة صهيونية أثيوبية أو روسية لا تعرف الاغتسال والطهارة، وبالتأكيد ليس لها كثير حظ من علم أو ثقافة، بينما تسود الفوضى أمام شباك لنا يجلس خلفه ابن/ابنة شعبنا المتعلم/ة كريم/ة المحتد، ونفتعل المشاجرات والمماحكات، وكثير منا يحاول تجاوز دوره لإنجاز معاملته؟!
– ألا يلتزم السائق أكثر عند وجود شرطة الاحتلال بقواعد السلامة المرورية، ويتخفف منها في الشوارع الأخرى ضاربا عرض الحائط كل التحذيرات والإرشادات والقوانين التي جاءته ربما من ابنه أو قريبه أو جاره أو ابن شعبه كأبعد تقدير، حرصا على سلامته وسلامة غيره؟
– وفي سياق الكلام عن السائقين والركاب؛ وسلفا أشدد فيما سبق وفيما يلي على اجتناب التعميم، ألا يقوم بعض سائقي المركبات العمومية، إذا ضمنوا ألا شرطة احتلال في مسار سفرهم، بتحميل عدد أكثر من المسموح به من الركاب الذين دفعوا جميعا أجرة، ويتم حشر عشرة أو أكثر منهم في مركبة سعتها وفق تصميمها والقانون والرخصة، سبعة فقط، دون اكتراث بحالتهم الصحية أو النفسية وغيرها مما لا يخفى عليكم؟ وبما أن الصيف يقترب، كم من السائقين لمركبات العمومي، يمتنع عن تشغيل التكييف في القيظ بدعوى وحجة مكررة شبه دائمة (المكيف خربان) بهدف توفير ملليلترات قليلة من الوقود، أو تقليلا لعزم وجهد محرك (ماتور) المركبة الذي صار عنده أهم من أرواح وصحة الناس الذين ينقلهم؟
– هل أجبرنا الاحتلال على قطع الأرحام؟ وهل ما يجرى ليس فقط بين عوائل مختلفة متخاصمة بل داخل العائلة الواحدة من خصومات ونزاعات متواصلة، يدع متسعا للتفكير بالتحرر؟…ألا يمكن أن يؤدي نزاع على بضعة أمتار من الأرض بين عائلتين أو إخوة من عائلة واحدة إلى استخدام السلاح الناري والأبيض، بينما لو صادر الاحتلال مئات الدونمات بقرار عسكري من بضعة أسطر، تسود العقلانية والتحلي بالحلم والتروي، عند من أشهروا البنادق والسكاكين في وجوه بعضهم؟!
أعلم أن هذا غيض من فيض، وأن كل واحد منا يمكنه سرد أضعاف هذه الأمور السلبية أو الكارثية حتى، وأن هناك نظرية وقناعة عند بعض منا؛ وهي أنه لا يمكننا تحرير أي شبر من أرضنا، ما دام هذا حالنا، وتسود حالة من اليأس سواء من إصلاح الحال، ناهيك عن التحرر من الاحتلال.
ويجب ألا نبالغ في تبرئة غير مقصودة لهذا الاحتلال من كل الرزايا والكوارث في مجتمعنا؛ فما خلقته سياسات الاحتلال، وما قام به من تمزيق للأرض والشعب، سيفرز مشكلات مختلفة اجتماعية واقتصادية ونفسية… هذا مؤكد، وبالتالي فإن إلقاء المسئولية على المشروع الصهيوني حتى لو تشاجر رجل مع امرأته، أو جار مع جاره، ليس إفراطا في تبرئة الذات… ولكن يجب معالجة الظواهر والإفرازات السلبية ومحاصرتها، والعمل على الحد من انتشارها، وفي العقل الباطن النظر إلى أن الصهيونية هي السبب.
ومن جهة أخرى فإن كثيرا من الظواهر السيئة في حال تمركز المجتمع وراء فكرة الخلاص والتحرر من الاحتلال، إما ستختفي تلقائيا، وإما لن تشغل الأذهان والعقول بحيث لا يرى الواحد منا سواها.
والسعي لإصلاح الأحوال والتصدي لكل ما هو مؤذٍ من سلوك أو مظهر، أمر لا يتضارب ولا يتناقض مع العمل على التحرر، على وجه الإطلاق، فلا يجوز أن يعطل العمل المقاوم بدعوى ضرورة أو أولوية الإصلاح، ولا يجوز أن يؤجل التصدي لأمراض اجتماعية وتفرعاتها بدعوى التحرر… بل إن كل أمر مكمل للآخر، شريطة عدم الخلط في التخصصات والقدرات، فمن ينجح في حقل أو مجال قد يفشل في حقول ومجالات أخرى.
ويقينا فإن الموازنة بين الأمرين ليست بالأمر السهل، ولكن من المؤسف أن تتراجع فكرة التحرر بحيث لا تكون على سلم الأولويات، أما أسئلة ما بعد التحرر فعوضا عن القول أن نتركها لوقتها، ولكن أيا يكن الأمر فلا شيء أسوأ من الاحتلال، فالاحتلال هو استعباد وإذلال ووأد النفس البشرية ولمّا تخرج الروح منها… وبرأيي ثمة أمور يمكن تأجيلها والتخلي عنها إلى حين استئصال الورم السرطاني، وانشغالنا بها لربما هو الذي أدخلنا في هذا الجدل والحيرة والاختلاف حول الأولويات.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الموساد: تسلمنا من الوسطاء رد حماس على مقترح الهدنة وسندرسه
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قال جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد)، إن الوسطاء نقلوا لفريق التفاوض رد حركة حماس على مقترح...
هنية يجري اتصالات مع قطر ومصر وتركيا بشأن وقف إطلاق النار بغزة
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، ليلة الخميس، إن رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية أجرى خلال الساعات الأخيرة...
لليوم الـ 271.. القسام يوقع قوة صهيونية في كمين محكم ويفجر دبابتين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب الشهيد عز الدين القسام لليوم الـ 271 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور من قطاع...
مسؤولة في إدارة بايدن تستقيل رفضا لسياسة أمريكا بدعم العدوان على غزة
واشنطن – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت المساعدة الخاصة بوزارة الداخلية الأمريكية مريم حسنين، استقالتها من منصبها، تنديدًا بسياسات إدارة الرئيس جو...
خبيرتان أمميتان: محاكم الاحتلال في الضفة توفر غطاء لتعذيب الفلسطينيين
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قالت خبيرتان بالأمم المتحدة، اليوم الأربعاء، إن "النظام المزدوج للمحاكم الإسرائيلية بالضفة الغربية المحتلة،...
أونروا: أطنان من النفايات تحاصر خيام النازحين وسط قطاع غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، اليوم الأربعاء، إن أطنانا من النفايات باتت تحاصر خيام النازحين...
إصابة مستوطن بعملية دهس وإطلاق النار على شاب جنوب الخليل
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شاب فلسطيني مساء اليوم برصاص مستوطن أثناء رعيه الأغنام، قرب السموع جنوب الخليل....