الخميس 08/مايو/2025

هل يتم سلخ الضفة عن الواقع الوطني بمسمى الفن؟

هل يتم سلخ الضفة عن الواقع الوطني بمسمى الفن؟

مفارقات عجيبة تحدث في الضفة المحتلة، فبينما ينتفض الشباب لقضيته ومقاومته للاحتلال بشتى الطرق، تقيم بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية حفلات ومهرجانات غنائية تستمر حتى منتصف الليل، لشبان وشابات بسن المراهقة تجدهم يهتزون على إيقاع موسيقى صاخبة، وتحت الأضواء الملونة المتحركة.

مشاهد لا تشي بأن جيش الاحتلال على بعد دقائق فقط من اقتحام هذه المدينة أو تلك، لاعتقال بعض أبنائها، أو لهدم بيت مقاوم.

فبينما تُحدِق مخاطر كبرى تستهدف الشعب الفلسطيني ووجوده على أرضه ومقدساته، ينصرف اهتمام بعض المؤسسات المحلية والدولية على مدار العام لإقامة مهرجانات للرقص والموسيقى، تحت مبررات متعددة، كنشر الثقافة، والترفيه، والانفتاح على الآخر.

والمدقق في الشريحة التي تستهدفها هذه المهرجانات، يجد أنها شريحة الجيل الشاب، وهي الشريحة التي يعوّل الشعب الفلسطيني عليها للتصدي لتلك المخاطر المحدقة، وليس أقلها مساعي تهويد القدس، وفرض ما يسمى بـ”صفقة القرن”.

ويرى كتاب ومراقبون أنه ليس مطلوبا أن يتم تحريم الفن أو لبس السواد أو الجلوس في البيوت لندب الحظ، لكن المطلوب هو أن تتناغم أنشطتنا الثقافية والفنية مع الحالة التي يعيشها هذا الشعب.

لا تعارض

ولا يجد الكاتب علي أبو الكامل تعارضا بين الجوانب الفنية والثقافية من جهة، وحالة المقاومة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من جهة ثانية، إذا وُظّفت الأولى في خدمة الثانية.

ويقول لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “لطالما خدم الفن القضية الفلسطينية على مدار عقود الاحتلال، سواء بنقل هذه القضية إلى العالم، أو بالحفاظ على الهوية الوطنية وتثبيتها، أو بغرس القيم الوطنية وحب الوطن والاستعداد للتضحية من أجله في نفوس الأجيال الناشئة”.

لكن “أبو الكامل” يستدرك بأن ما يحدث في كثير من المهرجانات الفنية بالضفة هذه الأيام، أن الحضور يكون مغيّباً تماماً عن الواقع الذي يعيش فيه.

ويرى مراقبون أن هذه المهرجانات المتتالية، تساهم بقصد أو بدون قصد، في التأثير بتوجهات الجيل الشاب، وحرف توجهاته واهتماماته عن قضاياه المصيرية والمركزية، لصالح اهتمامات أخرى.

وبحسب هؤلاء، فإن سياسات السلطة، الثقافية والاقتصادية والأمنية وغيرها، أدت على مدار السنوات الماضية، ولو بشكل جزئي، إلى حرف اهتمامات المواطن الفلسطيني، لينصرف عن القضايا الوطنية والعامة، إلى الاهتمام بكسب قوته وتحقيق مصالحه الخاصة.

ومن تلك السياسات؛ إغراق المواطن بالقروض البنكية، ورفع الأسعار، وغلاء المعيشة، أما الفئات الشابة الصغيرة، والتي لم تصل بعد إلى مرحلة تحمل المسؤولية، فقد استُهدفت بالحفلات والمهرجانات الفنية، لمحاولة تأسيس جيل يفتقر للانتماء للهوية والثقافة الوطنية، رغم أن هذا التوجه يثبت فشله دائما أمام رغبات الشباب في التحرر من الاحتلال.

ويؤكد أبو الكامل، أن سياسات إبعاد الشباب عن الهموم الوطنية، انعكست بشكل واضح -إلى جانب عوامل أخرى- في ضعف المشاركة الشعبية بالفعاليات الوطنية، تلك الظاهرة التي باتت تؤرق القوى والفصائل والباحثين والمحللين.

ويتساءل: “كيف يمكن للشعب الذي أغرقته السلطة بالقروض البنكية، وخدرته بالحفلات والمهرجانات الغنائية، أن يستجيب لدعوات المشاركة بالفعاليات الوطنية؟”.

التقاء مصالح

ولعل ما يثير الريبة هو الكمُّ الكبير من الأموال الذي يضخ لإقامة هذه المهرجانات، التي تستمر عادة ما بين ثلاثة وعشرة أيام، في الوقت الذي يشكو فيه الشعب من وضع اقتصادي خانق.

وبالتدقيق في قائمة الداعمين والممولين والراعين لهذه المهرجانات، يتبين أنها تضم جهات رسمية، ومؤسسات أجنبية ومحلية، وشركات خاصة.

ويقول محللون إن السلطة تسعى لتهدئة الشارع بالضفة، لإثبات قدرتها وسيطرتها على الوضع الداخلي، ومنع تفجّر انتفاضات وهبّات جديدة في وجه الاحتلال.

وبالنسبة لبعض شركات القطاع الخاص، خاصة البنوك، فإن ما يهمها هو استقرار الأوضاع الأمنية، وزيادة الطلب على القروض البنكية.

أما بالنسبة للمراكز الثقافية، فبعضها يرتبط بعلاقات خارجية ومؤسسات أجنبية، تغدق عليها بالأموال، لتنفيذ مشاريع وأنشطة تتوافق مع رؤية تلك المؤسسات وتوجهاتها وسياساتها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات