طنطور فرعون.. الشاهد على هوية القدس الكنعانية

منذ عهود موغلة في القدم شكّل الاستقطاب الديني والعقائدي لمدينة القدس حالة من حالات التطور الديمغرافي؛ فمنذ العصور الكنعانية وما تلاها ساد الاعتقاد بأن للقدس صلة ما بين الحياتين، أي الحياة الدنيا والآخرة، وقد عبر القادمون عن هذا الاعتقاد بالسكن في المدينة أزلاً والتوصية بأن يدفنوا بعد مماتهم في القدس، لذلك كثرت القبور وتناثرت وتفاوتت ما بين قبر بسيط كتبت عليه نقوش وأسماء، وقبر منمق فخم يشهد أولاً على مكانة بانيه، ويعترف ثانيًا بكون القدس جسرًا بين الحياتين.
وهكذا جاء ما يُسمى “طنطور فرعون” وبجانبه قبر زكريا وقبور بني حزير.. قبور متجاورة في أسفل السفح الغربي للجزء الأخير الجنوبي من جبل الزيتون المقابل للجزء الشرقي من سور المسجد الأقصى والقدس.
تاريخ التشييد
وقال الباحث في تاريخ القدس روبين أبو شمسية لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “لقد سمي الضريح أو المبنى التذكاري بهذا الاسم ليشهد على مدى تأثر الفن المعماري المحلي بالفن المصري الفرعوني، والتناغم الذي واكب العصر اليوناني من تمازج للثقافة المعمارية اليونانية والفرعونية؛ وقد أرجع علماء الآثار والدارسون على أن هذه القبور تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، أي آواخر الفترة اليونانية؛ حيث سادت مفاهيم التحضير للدفن بشكل يتوافق مع المكانة التي يحظى بها الميت أثناء حياته، ولذلك جاءت هذه القبور متفاوتة من حيث المبنى.
يقع هذا المعلم التاريخي بين تل الظهور الموجود جنوب المسجد الأقصى المبارك والسفح الشرقي لتلة راس العامود في وادي قـدرون (وادي النار أو وادي ستنا مريم).. هذا المعلم التاريخي الناهض جاء على شكل مكعب أبعاده موحدة مقطوع من الصخر، ومنفصل عن الصخر المنقور فيه، ويتساوى قياسه طولاً وعرضًا وعمقا 680 من الأمتار، وارتفاعه نحو 12.80م، وفي كل ركن من أركانه أربعة أعمدة، يعلوها إفريز يوناني فوقه قبة مشيدة من حجارة متناسقة ومدرجة في العمق حتى أعلى القبة التي شكلت مجسمًا لزهرة الزنبق مفتوحة إلى السماء، ويفصل بين الزنبقة والمكعب إفريز من حجارة مجدلة تهيئ الانتقال من حالة الحفر إلى مرحلة التشييد.
واجهة فنية
وبقي هذا الصرح المشيد ضمن مفهوم الواجهة التزينية للقبر الحقيقي الذي يقع خلفه تمامًا وتفصله عن الصرح مسافة 1م تقريبًا؛ حيث حفر قبر جماعي واجهته مربعة ارتفاعها لا يتعدى المترين ويعلو الواجهة بناء جملوني (مثلث) على طراز فن المداخل اليونانية سواء للمباني العامة أو المعابد أو القبور، وإذا ولجنا داخل القبر وجدنا أنفسنا في ساحة لمراسيم الدفن والتهيئة للقبور التي تبلغ خمسة قبور، واحد في الواجهة واثنان على كل جانب، مما يحدو بالظن أنها قبور جماعية لعائلة واحدة.
ادّعى الاحتلال في السبعينيات أن أحد القبور يخص “أبشالوم بن داود” مؤكدين أنه دفن هناك، إلا أن الباحث أبو شمسية قال إن الأبحاث التي أجريت على يد قوات الاحتلال أنفسهم أثبتت أنه لم يكن لهذا الشخص أي علاقة بالمكان، لذلك أهملت بلدية الاحتلال هذه القبور، فلا توجد عليها حراسة، ولا ينالها نصيب من الترميم.
وأبشالوم هو ابن سليمان، وهو حسب الرواية التوراتية ثار على أبيه وانتهت حياته بالقتل في القرن العاشر قبل الميلاد. غير أن أكثر علماء الآثار أرجعوه إلى الفترة اليونانية وبالتحديد أواخر الفترة، أي القرن الأول قبل الميلاد، ويعتقد العلماء -ومنهم جو ستيرنج وزياس- أن هذا القبر قد يعود إلى فترة بناء القبور على أيدي عوائل سكنت القدس في الفترة اليونانية وكانت ذات مكانة أو مناصب سياسية أو دينية مرموقة في المدينة سواء كانوا يهودًا أو غيرهم.
وأضاف أبو شمسية: “بينما يظل طنطور فرعون محيرًا لكثير من الباحثين من حيث الآمر ببنائه ولمن، إلا أنه يبقى واحدًا من أهم مباني القبور التي تشهد على عظمة ومهارة الفن المعماري في ذلك الوقت”.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يرتكب 4 مجازر دامية في غزة استهدفت مدرستين وسوقًا شعبيًا ومطعمًا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، ارتكاب الاحتلال الإسرائيلي 4 مجازر دموية خلال 24 ساعة آخرها قصف مطعم مكتظ، وقبلها...

القسام يوقع قوة صهيونية من 10 جنود بين قتيل وجريح في رفح
رفح - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري، لحركة حماس، تنفيذ كمين لقوة صهيونية راجلة من 10 جنود وإيقاعها بين قتيل وجريح في...

38 شهيدًا و145 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، وصول 38 شهيدا، منهم 4 شهداء انتشال، و145 إصابة إلى مستشفيات قطاع غزة، خلال 24 ساعة...

مخطط إسرائيلي لإقامة أحياء استيطانية في قلقيلية وبيت لحم
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عن مخطط تعمل عليه سلطات الاحتلال الإسرائيلي من أجل بناء مجموعة من الأحياء...

تقرير إسرائيلي: 3 آلاف قنبلة لم تنفجر في غزة إعادة تدويرها يثير المخاوف
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفاد تقرير إسرائيلي بأن نحو 3 آلاف من القنابل التي أسقطها جيش الاحتلال على قطاع غزة خلال حرب الإبادة المتواصلة، لم...

استشهاد المعتقل إسماعيل الأسطل في سجون الاحتلال
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مصادر حقوقية استشهاد المواطن محمد إسماعيل الأسطل نتيجة التعذيب الوحشي في سجون الاحتلال الإسرائيلي. وأفادت مصادر...

محمد طوباسي .. مدني فلسطيني اغتاله الاحتلال لأنه رفض التخابر معه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إن وثق شهادات مقلقة تفيد بقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي شابًّا مدنيًّا في قطاع...