السبت 06/يوليو/2024

ياسر مرتجى الشاهد والشهيد

عصام يوسف

لم تحتمل عقلية الاحتلال القائم على كم مهول من سردية التدليس والتزييف للتاريخ كاميرا إضافية تعيد تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقة، فالضحية هي الضحية، والجلاد هو الجلاد، دون أية إضافات.

كاميرا أخرى لفارس آخر من فرسان معركة الحقيقة، ترجل في أثناء جولة من جولات حربه غير المتكافئة، فمن منا يستطيع أن يتخيل معركة أحد طرفيها صحفي يحمل الكاميرا بإرادته التي يؤمن إيمانًا عميقًا بأنها تضاهي رصاص الاحتلال، وربما طائراته العسكرية الأكثر فتكًا وحداثة في العالم؟!

حين نمعن النظر في صور أنتجتها كاميرا “ياسر مرتجى” أكثر نوقن بأن الاحتلال يرى إطار عدسته فوهة مدفع قادر على أن يقلب الموازين في الميدان، وربما من شأنه أن يحسم المعركة.

“ياسر مرتجى” رجل الكاميرا، والصحفي المثابر، الذي ترجّل أخيرًا كان يدرك أهمية عمله، وبموازاة ذلك كان يدرك خطورته أيضًا، لاسيما حين يكون الهدف كشف الحقيقة، التي يناصبها الاحتلال العداء، إذ تقوم ركائزه وأسسه على رصيد هائل من الكذب والأباطيل، والافتراء والتضليل.

مع ذلك سار “مرتجى” في طريق من الأشواك، في الوقت الذي يدرك فيه أن رصاص الاحتلال وقنابله الغازية لم تستثن الصحفيين والإعلاميين خلال مسيرة العودة الكبرى، بعدما أصابت العشرات منهم.

ولا يخجل الاحتلال حين يعلن أن الصحفيين أهدافٌ مشروعة له، ولا يمانع أن يضيف إلى قوائم ضحاياه من الإعلاميين أسماء إضافية، وإن كان ذلك جريمة، وخرقًا واضحًا للقوانين والتشريعات، ولمنطق الأشياء، فالعنجهية وتضخم “الأنا” الذي يفوق كل الحدود، وغيرها من الأسباب التي تدخل فيها عوامل صراع الثقافات، بما تتضمنه من تاريخ “كولونيالي”، تختلط فيه العناصر العقدية والعرقية والدينية … وما إلى ذلك؛ قد أوحت لآخر الاحتلالات على الأرض أنه فوق القانون، وأنه حالة استثنائية في مجتمع دولي تحكمه قوىً تتلون وتتشكل بحسب مصالحها، وتطوّع القوانين “المطاطية” بحسب رغبتها، وكيفما تشاء.

وافق “مرتجى” كبقية أبناء شعبه في غزة وخارجها على أن يخوض معركة ترسيخ الحقيقة، التي تفضي إلى الحفاظ على الثوابت الوطنية، وحماية قضيته العادلة من محاولات التصفية والتذويب والتفكيك التي يمارسها الاحتلال وحلفاؤه، مع وعيه الكامل بصعوبة المرحلة التي بات الاحتلال يجد فيها حلفاء جددًا، لا يمانعون الخوض بدماء الفلسطيني، الذي كانوا بالأمس يناصرونه، وإن كان بالموقف أو الخطاب السياسي وحسب.

كان “مرتجى” فارسًا متمرسًا في المعركة الرامية إلى الحفاظ على القضية الفلسطينية حية، عبر ميادين الإعلام، فقد رافق بعدسته قوافل كسر الحصار عن غزة، ومنها قوافل “أميال من الابتسامات” خلال سنوات مضت، ليكون شاهدًا على عظمة الإنجاز الإنساني، ولينقل هذه الشهادة إلى العالم بأسره، ولتتآلف قلوب الفرسان (مرتجى والمتضامنين الإنسانيين مع غزة) من أجل قضية أجمعت على عدالتها تشريعات السماء والأرض.

رحل “مرتجى”، رحمه الله، شهيدًا في سبيل الله، جاد بدمائه من أجل الأرض والعرض والمقدسات، وشاهدًا، حاول بجد ألا تغفل عينه عن رصد وقائع الجريمة وحيثياتها، ليقدّم للعالم صورة المجرم سارق الأرض والمقدسات والهوية والثقافة، وقاتل الأطفال والشيوخ والنساء والعجَزة كما هي، بما تحمله من بشاعة وقبح، “مرتجيًا” بذلك أن تطالع صوره عيونًا أمينة، تنصف شعبه الضحية، وتحاكم عدوه الجلاد.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات