عاجل

الجمعة 21/يونيو/2024

جيش الاحتلال في مسيرة العودة بين شهوة القتل وهاجس الخوف

جيش الاحتلال في مسيرة العودة بين شهوة القتل وهاجس الخوف

 قبل شروق شمس الجمعة اغتال الاحتلال المزارع عمر وحيد سمور (27 عاما)، وأصاب آخر وهما يقصّان نبات  البقدونس على مسافة كيلو متر واحد من السلك الفاصل، مفتتحاً الفصل الأول من مسلسل ترويع المشاركين في مسيرة العودة السلمية التي شهدت بعدها بساعات اغتيال 15 شهيداً وإصابة 1500 آخرين.

الجيش الإسرائيلي الذي بدا مضطرباً لحد الهلع في التعامل مع عشرات الآلاف من المدنيين الذين لفّوا رقابهم فقط نحو السلك الفاصل من مسافة مئات الأمتار رفع القوة النارية في التعامل مع المسيرات السلمية على حدود غزة، وبدا متجهّزاً لكافة السيناريوهات حسب ما أدلى بذلك وأشرف شخصياً (آيزنكوت) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.

وأمام عقدة المستوطن الإسرائيلي الأمنية التي يحاول التخلص منها أمام جيش دولته المدجج بالسلاح؛ حاول الأخير ممارسة القتل المباشر، لكن أدواته القتالية ونيرانه المفرطة عكست فشلاً أمنياً وممارسة ستجلب مزيدا من الإخفاق للجيش ومستوطنيه أمام العالم.
استهداف مباشر
ربما تتفوق “إسرائيل” بجيشها المتطور عتاداً وتكنولوجيا على جيوش الإقليم من حولها في معارك كلاسيكية، لكن جيشها ظهر أمس في مسيرة العودة مضطرباً وهو يواجه كتلة بشرية عزلاء من السلاح تطالب بحقها في العودة إلى فلسطين.

الرصاص الحي من بنادق القناصة المتطورة كانت نجم العرض الذي وزع فيه الجيش قنابل الغاز المسيل للدموع شديدة التأثير من بنادق وطائرة بدون طيار ثم توّج العدوان بإطلاق قذائف مدفعية على الحدود.

وكان آيزنكوت قد طالب قبل أيام باستخدام الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين الفلسطينيين، وهو ما يؤكد مخطط الاحتلال لإيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف الفلسطينيين بعد أن استخدم نيران القناصة بكثافة يوم الجمعة وقتل وأصاب المئات.

وتمثل تصريحات قادة الاحتلال بشكل واضح النية المبيتة للقيام بعمليات القتل المبرمج للفلسطينيين العزل، وهو ما خالف القانون الدولي الإنساني.

ويؤكد اللواء واصف عريقات الخبير العسكري، أن الجيش لم يتعامل مع مسيرة العودة على أنها سلمية شعبية، بل تعامل أن المشاركين مدججون بالسلاح، لذا نشر عددا كبيرا من الجنود والقناصة، وطالب مستوطني غلاف غزة بحمل السلاح وإطلاق النار بتعليمات مفتوحة.

ويتابع: “كانت أكثر من 750 إصابة بالرصاص الحي ورصاص القناصة ما يؤكد تصميم الجيش إيقاع أكبر عدد من الخسارة البشرية لردع المحتجين بعد فشلهم في ردعهم بوسائل حرب نفسية وبث دعاية تخويف، وقد أربكهم حديث الأطفال والشيوخ أن رصاص الجنود لن يخيفهم”.

أما محمد مصلح الباحث في الشئون الإسرائيلية فيرى أن العقيدة الأمنية لجيش الاحتلال تحمل هاجساً أمنياً تدفعه للتضحية بكل شيء حتى يحافظ على الثقة بين المواطن الإسرائيلي والجيش.

ضغط الجبهة الداخلية الإسرائيلية والمستوطنين بضرورة توفير الأمن عزز من لجوء الجيش لرفع قوته النارية أملاً في ردع المسيرات السلمية فارتكب جرائم.

الاعتماد على سلاح القناصة وإطلاق غاز مسيل للدموع من طائرات، يؤكد حسب تحليل الباحث مصلح أن الاحتلال مستعد للقتل، وأن آيزنكوت كان جادًّا حين صرّح استعداده لكل السيناريوهات.

جيش مرتبك
ويصف الخبير عريقات تصرف جنود وقناصة الاحتلال بأنه كان تصرف القلق وليس المرتبك فقط لكن الكم البشري الهائل الذي تواجد بشكل سلمي أزعج الجيش، فهو لم يتوقع استجابة سكان غزة فأصابه الرعب من فكرة اجتياح الحدود مستقبلاً .

وتنوعت الوسائل القتالية التي استخدمها الجيش بكثافة بين الغاز المسيل للدموع، ورصاص القناصة، ما عكس فشل توقعات الأمن الإسرائيلي، وقد نقلت وسائل الإعلام حسب رؤية الخبير عريقات شكلاً وحدوياً فلسطينياً خلف العلم الفلسطيني.

ويتابع: “تاريخياً الجيوش لا يمكن أن تواجه الشعوب فهي ربما توقع خسائر وتؤثر فيها لكن لا يمكن أن تحد من تأثيرها، وأتوقع محاولتهم استخدام مزيد من القوة النارية لمنع المسيرات السلمية لكنهم سيفشلون” .

ويؤكد الباحث مصلح أن مسيرة العودة باتت تفرض رؤية سياسية جماهيرية، وأن الشعب الفلسطيني تقدم على قيادته السياسية من خلال الممارسة الواعية، ما أدى لاضطراب الاحتلال في التعامل مع الميدان.

ويقول الباحث مصلح إن ممارسات الجيش كشفت وجه الاحتلال الحقيقي في التعامل مع المدنيين، بل سجل صورة من صور الكارثة التي اشتكى منها أيام النازية حين طبقها ميدانياً على حدود غزة.
مواقف مضطربة
ما جرى على حدود غزة أعاد الذاكرة الإسرائيلية لسبعة عقود مضت، وقد بدت مواقفه مضطربة على أكثر من صعيد وهو يواجه كتلة بشرية كبيرة تتحرك قرب الحدود وتطالب بإنفاذ قرار الأمم المتحدة (194) بينما تجاهلت “إسرائيل” ما يقدر بـ135 قراراً دولياً عن معاناة الفلسطينيين.

ويقول كريم جبران مدير البحث الميداني في مؤسسة (بيتسيلم) الإسرائيلية، إن الجيش الإسرائيلي ارتكب خرقا واضحا لحق الإنسان في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي، وأطلق النار باستخدام قوة مفرطة أدت لوقوع إصابات وضحايا.

ويضيف لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: “حذرنا نحن في بيتسيلم قبل المسيرة بيوم كل من الحكومة الإسرائيلية والجيش من جريمة وقعت ضد مدنيين فلسطينيين ودعوناهم للتراجع عن تهديدات أطلقوها مسبقاً لأن الجنود استهدفوا مواطنين عزل وهذا منافٍ للقانون” .

وكان الجيش الإسرائيلي قديماً يتذرع حين يطلق النار بأن حياته تتعرض للخطر لكنه حسب وصف الباحث في بيتسيلم أطلق النار على من اقترب من السلك الفاصل ولم تتعرض حياة جنوده للخطر بينما هم متحصنين في مواقعهم.

ودعا جبران إلى محاسبة القيادة السياسية الإسرائيلية وقيادة الجيش التي وضعت قواعد لإطلاق النار أدت لوقوع ضحايا وإصابات بعدد كبير جداً.

ويدعو الباحث مصلح لتفعيل أدوات الإعلام الدولي بكافة اللغات حتى يعرف العالم جرائم “إسرائيل” وأن جيشها يستهدف بالرصاص القاتل متظاهرين سلميين في معركة شعبية تحتاج في الوقت ذاته لجهوزية كاملة وخبرة، فهي لن تكون معركة هواة أمام عدوان جيش خبير متحفز للقتل.
ولعل كثير من الشخصيات الإسرائيلية باتت تدرك حالة الإحراج التي ستقبل عليها “إسرائيل” من جرّاء جرائم جيشها وقيادتها الإسرائيلية فهذه الكاتبة الصهيونية كاولنيا لندسمان تقول: “مسيرة العودة أثبتت أن المقاومة الشعبية هي أكبر مصدر تهديد على تواصل الاحتلال” بينما دعا آخرون لمعاملة مختلفة مع المسيرات السلمية.

أما أودي سيغل معلّق الشؤون السياسية في قناة الإسرائيلية الثانية، فيقول: “مسيرة العودة نسفت المسوغات التي تقدمّها الحكومة الإسرائيلية لتبرير تقليلها من شأن الفلسطينيين ومقاومتهم وتصويرهم أنّهم مشكلة هامشية”.
الفعاليات المتصاعدة في مسيرة العودة والمتوقع استمرارها لأسابيع؛ قلبت كل الحسابات الأمنية، حتى بدا جيش الاحتلال حائراً بين اللجوء من القوة إلى يمين القوة أم الاعتراف بالفشل وانتزاع الفلسطيني حقه في الحياة.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات