الأربعاء 03/يوليو/2024

الطائرات الورقية.. مشهد طفولي يتوارى خلف الأجهزة الذكية

الطائرات الورقية.. مشهد طفولي يتوارى خلف الأجهزة الذكية

مشهد قلما نجده الآن في مدننا وقرانا وحتى مخيماتنا بعد أن كان مظهرا طفوليا لا يغادر سماء الأراضي الفلسطينية؛ حيث الطائرات الورقية التي كانت تحلق عاليا مع أحلام الطفولة، والتي قيدتها ممارسات الاحتلال وحاولت أن تشوه ملامحها الجرائم اليومية له.

فمع دخول فصل الربيع ومن ثم فصل الصيف، كان يتسابق الأطفال في السنوات الماضية إلى اقتناء الطائرات الورقية التي يعدونها بأيديهم لوحدهم أو بمساعدة ذويهم، ويتفنن كل منهم بإخراجها بالشكل والحجم واللون والتصميم الذي يريد.

وفي السنوات الأخيرة التي شهدت دخول عالم الأجهزة الذكية إلى حياة الناس بات مشهد تلك الطائرات غير مألوف بل شحيح إلى درجة كبيرة، كدليل على أن اقتنائها واللعب واللهو بها لم يعد كالماضي؛ الأمر الذي يثير علامات استفهام ممن عاش تلك المرحلة أو من لديه أبناء يعزفون عنها الآن.

وحتى أولياء الأمور أنفسهم باتوا يلمسون الفرق الشاسع بن طفولتهم وطفولة أبنائهم بعد أن عزفوا عن الألعاب الشعبية ومظاهر الطفولة الماضية والتي كانت الطائرات الورقية أحد مظاهرها وملامحها، ويجدون صعوبة في محاولة إقناعهم باقتناء تلك الطائرات واللهو بها.

بين الأمس واليوم

حامد عواد مواطن يسكن المنطقة الشرقية من مدينة نابلس يتحدث عن الطائرات الورقية بين الأمس واليوم قائلا: “قبل سنوات في زمننا أو من جاء بعدنا كانت الطائرات الورقية ملازمة لكل طفل إلى درجة أن الجميع يتسابق لاقتنائها قي بدايات فصل الربيع والصيف، وكان الأطفال يمضون الساعات وهم يلعبون ويلهون بها فرادى ومجتمعين، وينتابهم أثناء ذلك الفرحة العارمة والسعادة كلما وجدوا طائراتهم تحلق عاليا في السماء كدليل على سلامة صنيعهم واختراعهم الورقي”.

ويضيف: “المظاهر الطفولية تلك كانت كفيلة بأن ترسم ملامح السعادة عل شفاه الأطفال، وتبعث بالراحة كذلك عند ذويهم الذين في أغلب الأحيان كانوا جزءًا من صياغة هذا الحلم الجميل لكل طفل من خلال مساعدتهم في صناعة الطائرات الورقية”.

أما اليوم يتابع عواد: “فقد نفت وطمست أجهزة التكنولوجيا تلك الملامح، وغيبت الطائرات الورقية وكثير من الألعاب الشعبية، وأحلت مكانها برامج تركت أثارها السلبية على طبيعة الطفولة”.

المؤرخ والقاص والحكواتي حمزة العقرباوي، عدّ غياب مشهد الطائرات الورقية من واقع الطفولة الحالية، وتراجعه بشكل ملموس، مرده إلى اقتناء الكثير من الأطفال الأجهزة الذكية والانكباب عليها على حساب الألعاب الشعبية، بالإضافة إلى فتح الأسواق أمام ألعاب الأطفال المستوردة التي في أغلبها لا تحمل مضمونا ولا رسالة.

مراحل المهمة

ويتحدث العقرباوي عن تفاصيل الطفولة المتعلقة بصناعة الطائرات الورقية قائلا: “كنا نبدأ أولا بمرحلة البحث عن العصي المخصصة للطائرة، وبالعادة كنا نأخذها من سيقان نبتة العصفر أو القصيب قبل أن تبدأ المرحلة الثانية من تثبيتها، ووضع الورق أو البلاستيك فوقها، وأخيرا وضع الخيط، والذي كنا نسميه الميزان حتى تنجح تلك الطائرة بالإقلاع”.

وتابع “كان يتنافس الأطفال فيما بينهم لامتلاك تلك الطائرات، كما تنافسهم في حيازة خيوط طويلة تضمن تفوق تحليق طائراتهم الورقية على طائرات الآخرين”.

وأخيرا قال العقرباوي: “موسم صناعة الطائرات كان يبدأ بنهاية فصل الشتاء، ولكن الزخم والذروة تكون بانتهاء المدارس وبداية الصيف الفعلية، حيث كانت تتحول السماء في أغلب القرى إلى لوحة ملونة بفعل المئات من الطائرات الورقية  التي تحلق بأيدي الأطفال”.

احتراف الطفولة

حتى الكتاب والإعلاميين لم يكونوا بمنأى عن ذكريات الطفولة تلك ولا سيما إذا ما استحضروها في موسمها، وعادوا بالذاكرة إلى الوراء كما هو الحال مع الكاتب والإعلامي أحمد البيتاوي الذي قال خلال منشور له عبر الفيس بوك: “في مثل هذه الأيام ونحن أطفال، وبعد الخروج من فترة البيات الشتوي، كان يبدأ موسم صناعة “الطائرات الورقية”… كنا نتسابق على كبر حجمها وجمالها وطول خيطها، بعضنا كان محترفاً في صناعتها، خبيراً في أعداد مقاسات ميزانها وطول ذيلها”.

وأضاف “الميزان كان أهم جزء في الطائرة، فهو الذي يحدد توازنها ويمنع ميلها لليمين أو الشمال، كنا نصنع هيكلها الداخلي من عيدان الخشب حيناً ومن “القصيب” أحياناً أخرى”.

ويتابع البيتاوي شرح تفاصيل طائرته الورقية: “أما غطاؤها فكان من النايلون تارة ومن الورق تارة أخرى، النايلون كان أفضل في العموم، أما الورق فكان سريع التمزق، كنا نضطر لعجن بعض الطحين من المنزل من أجل تحويله للاصق بعد مزجه بالقليل من الماء، لتثبيت الورق على الهيكل الداخلي”.

وأكمل: “كان انقطاع حبل الطائرة أثناء تحليقها في السماء أقرب للمأساة أو الخسارة الكبيرة، فذلك يعني ضياع جهد ساعات وربما أيام.. كنا نضطر أحياناً للجري خلفها ومحاولة استرجاعها، حتى لو استدعى الأمر الركض لمسافات كبيرة خوفاً من أن تقع في أيدي الغرباء”.

وفي حالات أخرى أردف: ” كان تشابك خيطها أو ذيلها بأسلاك أعمدة الكهرباء أو فوق سطح الجيران أو على هوائي التلفاز “الانتين”، خسارة في الدرجة الثانية… بعض الأهالي كان متعاوناً ويسمح لنا بإنقاذها والبعض الآخر كان لئيماً يحول بيننا وبين تخليصها، فتظل على السطح حتى يبهت لونها وتتقطع أوصالها وتتكسر أضلاعها الثلاثة، بينما نرقبها بحسرة من بعيد دون فعل أي شيء..

اليوم ختم البيتاوي حديثه بعبارة تلتقي مع  فكرة  المادة الإعلامية هذه حيث يقول: “توشك صناعة الطائرات الورقية على الانقراض بعد ظهور الطائرات الصينية الجاهزة، كحال عشرات، وربما مئات الصناعات المحلية”.

آثار تربوية

التربوي والمختص في الشأن الاجتماعي مخلص سماره رأى أن الأجهزة الحديثة الذكية إلى جانب بعض إيجابياتها ألقت بظلالها السلبية على الطفولة، ونفت كثير من الملامح التي يجب أن تبقى حاضرة في أذهانهم على حد قوله.

وتابع خلال حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” كثير من الألعاب الشعبية تغيب اليوم عن مسار حياة الأطفال بل أنهم لم يسمعوا بها، ولعل الطائرات الورقية واقتناءها هي الأخرى تراجع إلى مرحلة يخشى عليها بالفعل من الانقراض والتلاشي في ضوء الانكباب على  وسائل التكنولوجيا الحديثة.

ولو حاولنا الوقوف على الطائرات الورقية، وماذا تشكل من قيمة تربوية، قال سمارة: “يكفي أن صناعة الطائرات الورقية هي إلهام للإبداع والاعتماد على الذات عند الأطفال، كما أنها فرصة للتعاون فيما بينهم سواء في صناعتها أو في الاحتفال بالتحليق بها”.

وحتى الآباء والأمهات في بعض الأحيان كانوا جزءًا من هذا الحلم الطفولي يتابع سمارة: “الآباء أنفسهم كانوا يبادرون إلى صناعتها لما لها من دور في رسم السعادة على شفاه أبنائهم، ومجرد أن يتعاون الآباء مع أطفالهم في إنتاج لعبة معينة، تعطي شحنات ايجابية وتنعكس بشكل كبير على حياة الطفل وإبداعه تفوق عشرات المرات من تلك الألعاب المحشوة بالأجهزة الذكية”.

وختم سمارة قائلا: “الألعاب الشعبة ومنها صناعة الطائرات الورقية كانت وسيلة لتقريب العلاقات الاجتماعية بين الأطفال أنفسهم وبينهم وبين ذويهم، على عكس الأجهزة الذكية التي قلصت تلك العلاقات، بل عدمتها في دخل البيت الواحد، وأثرت بشكل  كبير على القدرات العقلية والإبداعية للأطفال”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة

الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة الماضية وفجر اليوم الأربعاء، حملة اقتحامات ودهم في عدة مدن وبلدات...