الخميس 08/مايو/2025

ريم بنا.. قاومت احتلالين

ريم بنا.. قاومت احتلالين

كانت تبحث في ثنايا الموت عن وقت مستقطع تقاوم به، تغالب الهواء للحصول على دفقة تحولها إلى نفس مقاوم، فعدوَّاها شرسان لا يعرفان الرحمة، واحد ينهش جسدها (السرطان)، والآخر يقضم أرضها (الاحتلال الإسرائيلي)، قبل أن تستسلم للأول، رافضة أن ترضخ للثاني، لينسدل الستار عن صوت الحياة.

المتتبع لكتاباتها، يلمس تلك الثنائية العجيبة في حديثها عن الحياة والموت، حينما تقول، “سأجري كغزالة إلى بيتي.. سأطهو وجبة عشاء طيبة.. سأرتب البيت وأشعل الشموع.. وأنتظر عودتكم في الشرفة كالعادة.. أجلس مع فنجان الميرمية.. أرقب مرج ابن عامر.. وأقول.. هذه الحياة جميلة.. والموت كالتاريخ.. فصل مزيّف”.
 
هكذا حاولت “غزالة فلسطين” ريم بنا، أن تخفف وطأة الفراق على أولادها، قبل أن تفارق الحياة، الجمعة، عن عمر يناهز (52 عاما)، تاركة صوتها يغني “للمقاومة الفلسطينية” وقصتها رمزا لنضال الإنسانية ضد مرض السرطان.

وفي 5 آذار الجاري، كتبت الفنانة الفلسطينية، عبر صفحتها على فيسبوك: “بالأمس.. كنت أحاول تخفيف وطأة هذه المعاناة القاسية على أولادي.. فكان علي أن أخترع سيناريو.. فقلت… لا تخافوا.. هذا الجسد كقميص رثّ.. لا يدوم.. حين أخلعه.. سأهرب خلسة من بين الورد المسجّى في الصندوق.. وأترك الجنازة وخراريف العزاء عن الطبخ وأوجاع المفاصل والزكام… مراقبة الأخريات الداخلات.. والروائح المحتقنة”.

وكانت الفنانة الفلسطينية أعلنت توقفها عن الغناء عام 2016، وكتبت يومها تقول: “صوتي الذي كنتم تعرفونه، توقف عن الغناء الآن أحبتي.. وربما سيكون هذا إلى الأبد”. بعد إصابة أوتارها الصوتية، بداء السرطان.

ومن أبرز الأنماط الغنائية التي انفردت بها ريم هي التهاليل التراثية الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها كانت تلحن الأشعار التراثية غير الملحنة بأسلوب حداثي خاص بها، مسترشدة بالموسيقى الشعبية الفلسطينية والعربية القديمة، وإيحاءات موسيقى الشعوب في العالم.

وجدان الشعب
تقول على صفحتها الشخصية في فيسبوك إن أغانيها وألحانها مستمدة من وجدان الشعب الفلسطيني ومن تراثه وتاريخه وحضارته، “الموسيقى والألحان نابعة من صلب القصيدة وروافدها، ومن الإحساس بإيقاع الكلمة، ويأتي التزاوج بين الكلمة واللحن بالأغاني العذبة التي تحملنا إلى سماء فلسطين ومنها إلى العالم”.

وأصدرت “بنا” 13 ألبوما، من أبرزها “مرايا الروح” عام 2005 الذي كرس للغناء عن الأسرى الفلسطينيين والمعتقلين العرب في سجون الاحتلال “الإسرائيلي”، وتميزت أغانيها بامتزاج أسلوب الغناء الشرقي والكلمات العربية مع الألحان الغربية.

وتلقت أثناء مسيرتها الفنية في العقدين الأخيرين عدة جوائز، أبرزها تكريمها كشخصية العام وسفيرة السلام في إيطاليا عام 1994، وشخصية العام من وزارة الثقافة التونسية عام 1997، كما فازت بجائزة فلسطين للغناء عام 2000 وبجائزة ابن رشد للفكر الحر عام 2013.

توفيت ريم بنا فجر يوم 24 مارس/آذار 2018 عن عمر يناهز 52 عاما في أحد مشافي مدينة الناصرة، وذلك بعد تدهور مفاجئ طرأ على صحتها، علما بأنها كانت قد أصيبت بسرطان الثدي وهزمته.

وعلى ترانيم ذاك اللحن الخالد، “موطني” و”يما ويل الهوا”، شيعت ابنة فلسطين، تاركة خلفها تراثا فلسطينيا، سيبقى أهزوجة المقاومين بشوارع الناصرة والخليل وغزة وأرجاء الوطن كافة. 

ونعتها وزارة الثقافة الفلسطينية، مؤكدة أنها “تركت بصوتها العديد من الأغنيات التي تتغنى بفلسطين، وتناهض الاحتلال، حتى باتت رمزاً ملهماً للنضال ضد الاحتلال الذي ينخر جسد فلسطين، وضد مرض السرطان الذي تفوقت عليه أكثر من مرة خلال سنوات العلاج”.

وقال وزير الثقافة الفلسطيني إيهاب بسيسو: “لن أقول عن ريم بنا.. رحلت.. ولكنني سأقول إن هذه الأخت الفلسطينية الغالية، اختارت أن تحلق فجر هذا اليوم مع الملائكة في سماء الوطن.. صعدت ريم بنا نحو الأبدية وهزمت سرير المرض.. وبقيت لنا الذاكرة.. وبقي الصوت يغني فلسطين، وسيظل، يغني فينا فلسطين، رغم رحيل الجسد”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات