عاجل

الإثنين 01/يوليو/2024

القسامي أحمد عتيق .. ذكريات حاضرة بعد 16 عاما من الشهادة

القسامي أحمد عتيق .. ذكريات حاضرة بعد 16 عاما من الشهادة

في التاسع عشر من ربيع آذار عام 2002، كان موعد أقحوان وشقائق النعمان، أن تتفتح خجلا، في أكثر المناطق الربيعية البديعة في فلسطين، يملأ نوارها دماء نزفت، وفاح عبيرها، من ربيع شقيقي أحمد عتيق (19 عاماً)، وربيع رفيق دربه صالح الذي تخطى (28 عاما).

حكاية يرويها الصحفي محمد عتيق، في ذكرى تنفيذ شقيقه أحمد ورفيق دربه صالح، لعملية بطولية لكتائب القسام اقتحما فيها معسكر تياسير للاحتلال الإسرائيلي، قبل 16 عاماً.

يقول محمد: هذه العبرات القليلة، كنت معها في عراك داخلي في نفسي، فِي كل ذكرى، بان أخط بعض السطور، عن وسام شرف وعز لنا، أو أن أكتم هذه العبارات، واكتفي بقول “حسبهم أن الله يعرفهم”، لأنني لم أكتب عنهم يوما إلا بعض السطور القليلة، لأنهم وسام شرف وعز لنا، ولا نزكي على الله أحدا.

ولكن تبقى الذكريات، تمر من أمام عيني وكأني لا زلت أعيشها، أعجز في بعض الأحيان أن أدونها، ولكن بين سطورها رجال عظام لابد أن تدون ذكراهم، فكيف تمر هذه الذكرى، دون أن أدوّن مخططي العملية الاستشهادية، وهما الشهيدان قيس عدوان، ومازن فقهاء، ونحن على أعتاب الذكرى الأولى للفقهاء.

ما زلت أذكر حين استيقظت من نومي صباح ذلك اليوم ولا زال فراش شقيقي أحمد فارغاً، وبقي فارغاً للأبد، لم تقودني مخيلتي أنه سيبقى فارغاً، رغم شعلان انتفاضة الأقصى، ولَم تمض أيّام على انتهاء اجتياح مخيم جنين، وعملية السور الواقي، وأحمد كان قلبه مولعا، بالعمليات الاستشهادية، فكان خبر العمليات الاستشهادية، شغفه الوحيد، وكانت هذه الأخبار، تجعل وجهته العودة إلى منزلنا، متوجها إلى شاشة التلفاز، حيث لا زلت أذكر حوارا دار بيني وبينه، بينما كنت أنتظر موعد فترة الأطفال المسائية على شاشة التلفاز، دخل المنزل وقبل أن يلتقط أنفاسه، أخذ مني جهاز تحكم التلفاز، لتكون الشاشة مليئة بالقتلى اليهود، اعترضت حينها ليبادرني بجوابه “أفلام قتل اليهود أحلى من أفلام الكرتون”.

كان علينا أن نتقبل أنا وعائلتي، واقعا جديدا، وحياة مختلفة، وأن نلتحق بعوائل الشهداء، فبوادر الحياة الجديدة، قد بدأت منذ انقضاء اليوم الذي يسبقه، بعد أن جمعتنا سفرة الإفطار لآخر مرة، وكان حديث شقيقي الشهيد عن خنساء فلسطين أم نضال فرحات وهي تودع فلذة كبدها محمد وهو ذاهب للشهادة، وابتسامة عريضة تبتسم على شفاه أخي أحمد، التي أيقنا أنها بعض المزاح، أو تمجيد الشهداء، فقد كان لسانه مداوما على تمجيد الشهيد أبو الهنود.

انقضت وجبة الفطور، وغادرت أنا وأشقائي إلى المدرسة، وكان على أحمد أن يتوجه إلى دكنتنا ليأخذ مصروف جيبه للجامعة من والدي إلا أنه لم يفعل ذلك، وعند موعد الغذاء لم يعد أحمد إلى البيت كما المعتاد، وانقضى نهار ذلك اليوم ولم يعد، وحل الظلام الدامس لنا والمشرق له و لرفيقه، لم يترك والدي أحدا من رفاقه الا وسأله عن احمد، إلا أنه لم يجد جوابا، كان عليه أن يتخذ قرار صعبا، وقاسيا كان بالنسبة لنا، أن يغلق باب البيت، دون أن يعود احمد.

لزمنا فراشنا للنوم، إلا أن والدتي لازمت صلاة قيام الليل وشاشة التلفاز، حين استيقظنا، كان وجهها شاحبا من التعب، لم تنم تلك الليلة، منذ أن قرأت خبر على شاشة التلفاز مع بزوغ الفجر، عن اعتقال شابين على دراجة نارية، أثناء توجههما لتنفيذ عملية فدائية، كان هذا الخبر الأقسى علينا، فبدأت صدورنا تملؤها الحرارة، فذلك الخبر، الصاعقة المدوية لنا، وتوجهنا إلى مدارسنا كالمعتاد، كان يجب علينا الآن نظهر اختفاء احمد، وبدأ والدي بتوسيع دائرة البحث عنه، فتوجه إلى الشيخ جمال أبو الهيجاء، في مخيم جنين، لعله يعرف خبرا عن أحمد، إلا أن محاولة والدي لم تنجح.

كانت الساعة تشير إلى الساعة العاشرة صباحا، فإذ بشاب يهرع إلى الشيخ جمال أبو الهيجاء ليخبره، أن نجل الشيخ علي عتيق استشهد برفقة شاب من قباطية، على مسمع والدي، و لم يعرف الشاب أن الذي يجلس برفقة الشيخ جمال، هو الشيخ علي عتيق، ليبادر الشيخ جمال، بتهنئة والدي باستشهاد أحمد، الذي كان مؤلما رحيله عنا، ولكن كان الخبر الذي استقر به روع العائلة، بعد توارد الأنباء عن اعتقال جثمانه من الاحتلال.

كان علينا أن نصبر ونحتسب، كنت آنذاك على مقاعد الدراسة في الصف الرابع، حينما سمعت مكبرات المساجد تنعى أخي أحمد، وينتهي دوام المدرسة، بالتزامن مع نعيه شهيدا، لم تقودني مخيلتي ذات العشر سنوات، أن أصدق ما أسمع، ورغم عودتي إلى البيت من المدرسة، وقد امتلأ بيتنا بالمهنئين من الرجال والنساء، وكان وجه والدتي، قد عاد إلى طبيعته في صفائه ونقائه، ووالدي شامخا كشموخ الجبال رأيت الصبر في عينيه، كل ذلك كان مجرد خبر عابر، حتى كان اللقاء مع أخي شهيدا ليلا، وأن أضع قبلة على جبينه، والدموع تذرف من عيني، وحينها انطلق الجميع بالحديث، عن كرامته بالشهادة، وكانت يداه لا زالتا بوضعية حمل السلاح، رغم مرور أكثر من خمسة عشر ساعة على استشهاده.

كنت أرى الدموع في أعين الكثيرين، الا أن الدموع غابت عن أعين والدي ووالدتي، التي بادرتني بالكلام، “هذا الدم رح يشفع لنا يوم القيامة، وسيفوح عطرا”.

انطوت صفحة أحمد من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة، وودعت جماهير غفيرة جثمان أخي أحمد، وكان قد ودع بلدتنا برقين على طريقته الخاصة، فقام بوضع راية حركة حماس على مئذنة المسجد، قبل استشهاده بيومين.

وترك أحمد بصمة أخرى، حين كان يمتلك كتاب كيف تكون أسعد الناس، فخط بقلمه على الكتاب، “إذا أردت أن تكون سعيدا فعليك الانضمام إلى كتائب القسام”.

نعته كتائب القسام برجل المحراب، ابن المساجد، الداعية ابن الداعية، كيف لا وهو ابن الشيخ علي عتيق الذي تعرفه جنين جيدا، الداعية الإسلامي، الذي أفنى حياته بمشوار لجنة الإصلاح العشائري.

وقف والدي على روضة أحمد مخاطبا الناس “الحمد لله الذي اصطفى أحمد شهيدا، “يا أحمد لقد كان أبوك، يخطب في الناس عشرين عاما، ما تجاوزت خطاباته حجرات المساجد، وأنت اليوم لقنت العالم درسا، وأصبحت لي المعلم اليوم”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات