عملية جنين.. سلسلة من الصعب مواجهتها

تأسست نظرية الردع الإسرائيلية تاريخياً، لمواجهة جيوش نظامية، كانت تعتقد “إسرائيل” أنّها ستشكل خطراً على وجودها، الأمر الذي دفعها لامتاك قوّة كبيرة، وتكنولوجيا متطورة، ساهمت بعلو قدمها، ربما ذلك لحقيقة امتلاكها تلك القوّة، أو على الأرجح بسبب ضعف محيطها وتخلفه، وتخليه عن امتلاك مقومات المواجهة، لمسببات معلومة اختلقها لنفسه.
بمنظور ما تأسست عليه سياسة ردع “تل أبيب”، يمكن القول أنّها نجحت إلى حد كبير، فقد حيّدت وجود أيّ تهديد نظامي عليها، من قبل أي نظام إقليمي يحُدّها، ولكن ما لم تتنبه له “إسرائيل”، أو على الأقل ارتأت سهولة مواجهته والقضاء عليه مع الوقت هو تهديد العمليات الفدائية، أو وجود تنظيمات تُشكل خطراً استراتيجياً عليها.
قبل نحو شهرين من الآن، كتب اللواء السابق والباحث في مركز بيجن -سادات للدراسات جرشون هكوهين- مقالاً مطوّلاً أشار فيه إلى أنّ النظرية الأمنية الإسرائيلية تُعاني عيوباً، توجب على صانعيها والواقفين على رأس الأمن فيها صياغتها من جديد، وحدد هكوهين تلك التحديات بأمرين، الأول بوجود تنظيمات على شكل دولة، في إشارة لحماس وحزب الله، يتشكل تهديداً مستمراً، واستنزافاً يهدف لإيصال قناعة مفادها أنّ المشروع الصهيوني آيل للسقوط.
والثاني، مرتبط بوجود العمليات الفردية، والتي ترسخ فكرة استحالة وجود أمن في الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيؤسس لفكرة مراجعة المشروع ككل، في ظل استحالة التعايش مع هذه الحالة، إلى جانب فقدان قدرة مواجهتها، وإيجاد سبل ردع مناسبة لها.
ولعلّ الناظر إلى الموجات الفلسطينية المتكررة، خلال السنوات الأخيرة والتي لم ترقَ للوصول إلى انتفاضات شبيهة بالأولى في العام 1987، والثانية في العام 2000، إلّا أنّها تميزت بأمور مهمّة، علّ الانتفاضتين لم تملكانها، تلك الميزات تجعل من مواجهتها أمراً صعباً، حيث امتازت بوجود سلسلة عمليات مستمرة منذ ثلاث سنوات، حتى في ظل هدوء تلك الموجات شعبياً، ولعلّ ما يصعّبُ مواجهتها أمورا موضوعية متنوعة، من بينها:
أولاً: وجود احتكاك مباشر بين المستوطنين والجيش الإسرائيلي مع جموع المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية، الأمر الذي يسهل من تنفيذ عمليات الدهس والطعن، وربما إطلاق النار.
ثانياً: ما يحدث في الضفة هي عمليات غير منظمة، تتميز بالفردية في الغالب، ومن الممكن أن يقوم منفذوها بتخطيط لحظي غير طويل، الأمر الذي يحافظ على سرّية العمليات وإمكانية نجاحها، وعدم الحاجة لوجود تنظيمات وخلايا تنظيمية للتخطيط والتنفيذ في الغالب.
ثالثاً: غالبية منفذي العمليات هم من المستبعدين من دائرة تشكيل خطر أمني وفق التعريف الإسرائيلي، أي ليس لديهم سوابق أمنية تتعلق بمقاومة الاحتلال، الأمر الذي يجعل متابعة هذه الفئة صعب جداً، لأنها كبيرة بطبيعة الحال.
رابعاً: “إسرائيل” عملت من خلال سياستها التي تعتمد على التضييق الاقتصادي وقتل الأمل السياسي، لجعل خيار المقاومة، الخيار الوحيد للخلاص من الاحتلال وتحسين الظروف الفلسطينية.
خامساً: الجيل الفلسطيني الشاب الذي راهنت “إسرائيل” على نسيانه لقضيته وتراجع حسه الوطني والديني، بات أكثر شجاعة وأكثر قدرة على اتخاذ زمام المبادرة.
سادساً: باتت المقاومة نموذجا مؤثراً في الوعي الشبابي الفلسطيني، وباتت أسطورة المقاوم وشخصيته أكبر المؤثرات في وعي وطموح الجيل الشاب.
من هنا، فإنّ تحقيق الأمن في ظل المعطيات المذكورة أعلاه، يفنده تكرار العمليات والتي باتت أكثر إيلاماً مع مرور الوقت، ويفتح الباب أمام تساؤل بات متداولاً في الداخل الإسرائيلي، هل يستطيع المستوطن الإسرائيلي وتحديداً مستوطنو الضفة الغربية، التعايش مع هكذا واقع؟، أم أنّ هناك حاجة لإيجاد نظرية أمن جديدة وردع متطور للحد من العمليات.
وليس منّا من يُنكر، أنّ “إسرائيل” جرّبت الكثير من نظريات الردع للحيلولة دون وجود أعمال مقاومة ضدها، ولكنّها لم تفلح بالقضاء عليها، ورغم تفاخر الشاباك الإسرائيلي بإعلانات متكررة أنّه أحبط ما يزيد عن 70% من العمليات قبل وقوعها، إلّا أنّه اعتراف ضمني بفشله في مواجهة ثلث تلك العمليات.
هذا الثلث كان كفيلاً باستمرار حالة أمنية غير محتملة وفق المستوطن الإسرائيلي، والذي يطرب لسماع التصريحات النارية لقيادته، من التأكيد على تنفيذ قانون الإعدام، إلى تنفيذ هدم المنازل واعتقال أقارب منفذي العمليات، هي ذات السياسة وذات التصريحات، التي لم تُسهم في جعل المشهد أكثر أمامناً، بل على العكس جلبت السياسة القمعية المبنية على العقوبات الجماعية، وفق الأبحاث الإسرائيلية المزيد من العمليات والسخط الفلسطيني تجاه “إسرائيل”.
ختاماً، سلسلة العمليات الفلسطينية استطاعت التأقلم مع إجراءات الاحتلال، بل باتت أكثر قدرة على تشكيل تهديد دائم له وبأدوات أبسط، هذا إلى جانب وجود تهديد استراتيجي متمثل بالمقاومة في غزة، الأمر الذي يدفع للتساؤل، هل ستُسهم هذه العمليات بدفع “إسرائيل” لاتخاذ قرارات سياسية حاسمة تدفع فيه ثمن احتلالها، الأمر الذي قد يبدو بعيداً في ظل حُكم اليمين، إلّا أنّ الواقع يقول، هو ذات اليمين الصقوري الأجرأ على اتخاذ قرارات من هذا النوع إن لم يكن على المدى المنظور، إلّا أنّه السبيل الوحيد لمواجهة التحدي الأمني، أو فإنّ على الاحتلال التعايش مع ظروف أمنية تُشير معطياته الداخلية إلى ضعف جبهته الداخلية وعدم قدرتها على احتماله.
* مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الجبهة الشعبية تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير القائد أحمد سعدات
فلسطين المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلامحملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني، ورئيس حكومته الفاشية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه إيتمار...

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...

تحذيرات من انهيار كامل لمستشفيات غزة خلال 48 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، اليوم الإثنين، من أن مستشفيات القطاع على شفا الانهيار خلال 48 ساعة بفعل منع...

غوتيريش: توسيع إسرائيل هجماتها بغزة سيؤدي لمزيد من الموت والدمار
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن خطة إسرائيل لتوسيع هجماتها على غزة ستؤدي إلى مزيد من الموت...

غارات إسرائيلية تستهدف اليمن
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام شنت طائرات حربية إسرائيلية، مساء الإثنين، غارات عنيفة استهدفت مناطق واسعة في اليمن. وذكرت القناة 12...

9 شهداء بغارتين إسرائيليتين في مخيم النصيرات
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتقى 9 شهداء على الأقل، وأصيب عدد كبير من المواطنين بجروح، الإثنين، جراء غارتين شنتهما مسيّرات إسرائيلية، على منطقة...