الجمعة 02/مايو/2025

خرجا من الأرض أم أمطرتهما السماء.. كيف نفذت المقاومة عملية أسدود؟

خرجا من الأرض أم أمطرتهما السماء.. كيف نفذت المقاومة عملية أسدود؟

في مثل هذه الأيام كان ميناء اسدود الصهيوني شديد التحصن على موعد مع استقبال الاستشهاديين البطلين نبيل مسعود ابن كتائب الأقصى ومحمود سالم ابن كتائب القسام، واللذين سطرا أروع ملاحم البطولة عندما فجرا جسديها الطاهرين في جنود وشرطة الاحتلال داخل الميناء و أحالا ليل العدو إلى نهار.

تركوا العدو يتخبط مذعورا لا يدري من أين خرج هذان البطلان، هل أمطرتهما السماء، أم خرجا من باطن الأرض، أم هل خرجا من بطن حوت في البحر ساقهما إلى الشاطئ؟

ما يعرفه الجميع أن البطلين مسعود و سالم نفذا عملية استشهادية مزدوجة في ميناء أسدود قبل أعوام، أوقعت 13 قتيلاً صهيونياً وعشرات الجرحى، وتركت العملية أثرا واضحا لدى حكومة شارون الذي اتخذ قرارا بعدها باغتيال وتصفية جميع قادة المقاومة.

فعملية أسدود كانت الأولى التي نجح فيها فدائيون في الوصول إلى منطقة استراتيجية في العمق الصهيوني انطلاقا من قطاع غزة.

ضربة نوعية

وفي تطور نوعي لقدرات فصائل المقاومة الفلسطينية عامة، وكتائب الشهيد عز الدين القسام وكتائب شهداء الأقصى، وجهت هذه الفصائل ضربة استراتيجية نوعية ضد الكيان ومصالحه الاستراتيجية.

تمكن استشهاديان من كتائب القسام وكتائب الأقصى _ يسكنان مدينة غزة_ من تفجير جسديهما الطاهرين داخل ما يسمى بميناء أسدود داخل أراضينا المحتلة عام 1948 مما أسفر عن مقتل أحد عشر صهيونياً وإصابة العشرات، في عملية هي الأولى من نوعها منذ بداية انتفاضة الأقصى المباركة.

فقد أعلنت كل من كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكتائب شهداء الأقصى مسئوليتهما المشتركة عن العملية الاستشهادية النوعية داخل ما يسمى بميناء أسدود عصر يوم الأحد 14/3/2004م.

وقالت الكتائب في بيان عسكري مشترك لهما “بحمد الله وقوته وتوفيقه تعلن كتائب الشهيد عز الدين القسام، وكتائب شهداء الأقصى، مسئوليتهما المشتركة عن عملية ميناء أسدود الاستشهادية؛ حيث تقدم اثنان من مجاهدينا تحفّّهما رعاية الرحمن، تجاه أرضنا الحبيبة المغتصبة في ميناء أسدود التجاري، وبرعاية الله عز وجل، نجح المجاهدان من الوصول لهدفهما المحدد، وتفجير نفسيهما ليحولا الميناء إلى كتلة من النيران الملتهبة، وبهذا تكون أكذوبة الأمن الصهيونية قد سحقت ونسفت معها كل الحواجز الأمنية والجدران الواهية والأسلاك الشائكة تحت أقدام استشهاديينا الأبطال”.

الميناء المحصن
جاءت فكرة تنفيذ عملية استشهادية في ميناء أسدود المحصن والمعقد من القيادي في كتائب الشهيد عز الدين القسام، الشهيد القائد فوزي أبو القرع، والشهيد القائد حسن المدهون.

ووفقا لتقرير لموقع “القسام”، فإنه بعد دراسة جيدة ومعقدة للفكرة، تم عرضها على قيادة كتائب القسام والأقصى، جاءت الموافقة على الفكرة الأولى، وهي استهداف الميناء بعملية استشهادية يستخدم فيها المتفجرات والأحزمة الناسفة.
كانت القيادة تدرك أن هجوماً معقداً كهذا أمر بالغ الصعوبة في ظل الاحتياطات الأمنية الصهيونية البالغة ووجود قطاع غزة تحت حصار خانق براً وبحراً وجواً، ونجاح المهمة كان رسالة لشارون وحكومته مفادها أن فرض الإجراءات الأمنية لا يكفي لجلب الأمن للمغتصبين المحتلين.

بعد الدراسة الكاملة والوافية للخطة من جميع جوانبها، ورسم خارطة مفصلة للميناء، بناء على معلومات حصل عليها الجناحان العسكريان بطريقة خاصة، ووقعت الموافقة على التنفيذ بسرية تامة، تم تكليف الشهيد فوزي أبو القرع مع قيادي ثانٍ من كتائب القسام ،والشهيد حسن المدهون وقيادي آخر في كتائب الأقصى، بمتابعة العملية والإعداد لها مع توفير كل الإمكانيات المتاحة.

الوسيلة التي استخدمت في تنفيذ العملية “كونتينر بضائع خاص” تم توفيره بصعوبة بالغة، بحيث يدخل الميناء الذي يعج بالكونتينرات التي تفرغ وتحمل البضائع من وإلى قطاع غزة عبر معبر المنطار.

سر الغرفة

في نهاية الكونتينر البالغ طوله 12 مترا، تم تجهيز غرفة سرية وبدقة متناهية، حيث لم يتجاوز عرض الغرفة 55 سنتمترا، بحيث تم إنشاء جدار قياسي على غرار الجدار الحقيقي في نهاية الكونتينر لا يستطيع من يراه أن يميزه.

في داخل الغرفة، تم تثبيت مشابك حديدية يتشبث بها الاستشهاديان عند رفع قوات الاحتلال الكونتينر وهزه لتفتيشه في المعبر، بحيث لا يعمل التفتيش والأرجحة على تقلب من بداخل الكنتينر، فتصدر أصوات تكشف أن أمراً ما في الداخل.
على الجوانب الثلاثة للغرفة السرية، تم فتح أبواب مموهة جيدا تفتح من الداخل ولا تفتح من الخارج ولم يترك أي فراغ في هذه الأبواب يثير الشك أو الريبة، وحتى يتمكن الاستشهاديان من الخروج من أي الأبواب إذا ما تم حشر الكونتينر بين كونتينرات أخرى في الميناء تغلق المنافذ، بحيث إذا أغلق المنفذ على اليمين مثلا استطاع الاستشهاديان الخروج من الجهة اليسرى والعكس، وإذا أغلق المنفذان الأيمن والأيسر يفتحان الباب الخلفي.

داخل الغرفة السرية تم تجهيز ما يشبه (حمّام الطوارئ) ولوازم أخرى تتحفظ الكتائب عن الإفصاح عنها، كما تم تزويد المنفذين بالمياه المعدنية والتمر، لأن الرحلة من المؤكد ستكون شاقة وطويلة عليهما.

تدريب الاستشهاديين

بعد (التشييك) الدقيق من القادة أعطيت الإشارة بالانتهاء من إعداد الكونتينر والغرفة السرية بطريقة فنية رائعة وهندسية مثيرة، وبذلك انتهت الخطوة الأولى.

الخطوة الثانية كانت اختيار الاستشهاديين منفذي العملية، فاختارت كتائب القسام الشهيد محمود سالم (18 عاما)، واختارت كتائب الأقصى نبيل مسعود (17 عاما)، و كلاهما من مخيم جباليا للاجئين  تم تدريبهما تدريبا جيدا، وتأقلما على الغرفة السرية، وتعلما كيفية تثبيت أنفسهما عند تفتيش الكونتينر داخل المعبر، حيث إن الإجراءات في المعبر شديدة الصرامة.

تنفيذ العملية كان يحتاج إلى حزام ناسف وحقيبة متفجرات، وقد استخدم في هجوم أسدود مواد متفجرة جديدة لم تستخدم في أي عملية سابقة.

كما احتاجت المهمة لباسا خاصا يرتديه الاستشهاديان يتناسب مع طبيعة الهدف وأجهزة خلوية صهيونية “أورانج” للمتابعة والاتصال مع غرفة العمليات المشتركة.

فجر الرابع عشر من مارس 2004 تمت مراجعة الخطة بشكل نهائي، وتفقد القادة مع الاستشهاديين الغرفة داخل الكونتينر، وصعد نبيل ومحمود للغرفة بعد إعطائهما التعليمات بإغلاق وسائل الاتصال التي بحوزتهما حتى دخول الميناء، لتبدأ الرحلة، و يبدأ الترقب من القادة في غرفة العمليات المشتركة، وقلوبهم تخفق بالدعاء أن ينجح الله المهمة.

كلمة السر

وضع القادة حسابات زمنية بأن الكونتينر سيكون في الطرف الصهيوني الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم، و لكن تأخر دخول الكونتينر إلى الساعة الواحدة بعد الظهر بسبب وجود كونتينرات كثيرة تحت التفتيش، و مما زاد الطين بلة أن ذلك اليوم كان شديد الحر، فصارت المشقة والتعب مضاعفين على نبيل ومحمود. تم تفتيش الكونتينر من قوات الاحتلال، وأعطت وحدة الرصد الأنباء بأن الكونتينر قد خرج من المعبر باتجاه ميناء أسدود، في هذه اللحظات، تنفس الجميع الصعداء.

بعد ذلك ساد الهدوء غرفة العمليات المشتركة، فالجميع بانتظار المكالمة الأخيرة من نبيل ومحمود، وعند الساعة الرابعة عصراً، اتصل نبيل على القائد حسن المدهون وقال له: “أنا عند أمي” وهي كلمة السر المتفق عليها، والتي تعني أن نبيل سيفجر نفسه في الهدف بعد ثوان معدودة، ثم انقطع الاتصال.

نبيل فجر نفسه داخل الميناء، في حين كان محمود في مكان بعيد ينتظر احتشاد جنود وشرطة الاحتلال في المكان ليفجر حقيبته وسطهم، قد فجر نبيل نفسه على بعد أمتار من مخازن للمواد الكيميائية، الأمر الذي زاد الإرباك في صفوف الصهاينة.

وسائل الإعلام الصهيونية بدأت تتناقل أن انفجارا مصدره أسطوانة غاز قد وقع في ميناء أسدود، فلم يكن لدى قوات الاحتلال ما يؤكد أن الانفجار نفذه استشهادي. بعد تجمع جنود الاحتلال وفي مكان الانفجار الأول، خرج عليهم الاستشهادي محمود سالم، وفجر نفسه وسطهم، لتسفر العملية عن مقتل ثلاثة عشر صهيونياً وإصابة ثلاثين بعضهم بجراح خطيرة.

صدمة العدو

قادة الاحتلال صرحوا في تعقيبهم على العملية بأن كارثة كانت ستحدث في جنوب فلسطين المحتلة لو وقع الانفجار داخل مخازن المواد الكيميائية، واعترفوا أن المقاومة استهدفت منطقة استراتيجية لم تستهدف من قبل.

لم يخطر ببال قادة العدو الوسيلة التي نفذت من خلالها العملية، فتارة قالوا إن المهاجمين وصلا الميناء بواسطة أوراق مزورة، و تارة أخرى قالوا إنهما دخلا عبر نفق من تحت الأرض، و ثالثة خمنوا أنهما وصلا عن طريق البحر بواسطة زورق أو ضفادع بشرية..

الكاتب الصهيوني في جريدة يديعوت أحرونوت علق على العملية بالقول: “هذه العملية أثبتت أن لا جدار مهما كان عاليا يمكنه أن يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أهدافهم التي يخططون لها بدقة”.

كما أن حكومة شارون اتخذت عقب العملية قرارا بتصفية جميع قادة وكوادر كتائب الأقصى وكتائب القسام، فبدأت ذلك باغتيال الشيخ أحمد ياسين بعد أسبوع من تاريخ العملية، أعقبه اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وشهد قطاع غزة أوسع حملة اغتيالات وقصف للمقرات والمواقع والمؤسسات التابعة لحماس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

إسرائيل تقصف محيط القصر الرئاسي في دمشق

إسرائيل تقصف محيط القصر الرئاسي في دمشق

دمشق - المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي - الجمعة- عدوانًا على سوريا، واستهدفت محيط القصر الرئاسي في دمشق، في تصعيد لسياسة...