تقارير

عين حسكا.. تعرف على أجمل مناطق الخليل؟

الأربعاء 28/فبراير/2018 الساعة 7:02 صباحًا

من بين تلال مفعمة بالحياة، ينساب واد مغمور بالمياه، والربيع وأشجار اللوز وكروم العنب، يكسوه بساط أخضر مرصع بشقائق النعمان وورود الياسمين البري والريحان، يطلق عليه (وادي حسكا)، شمال مدينة الخليل، مبتعدا نحو خمسة كيلو مترات عن مركز المدينة.

ويحيط بالوادي سلسلة من الجبال الغنية بالأحراش الحرجية والأشجار المثمرة، والتي بات العمران يغزوها، إذ تحتضنه جبال بلدة (حلحول)، وخربة (أرنبة)، وخربة (إصحا) شرقا، كما تحيط به جبال بلدة (بيت كاحل) غربي الخليل، ويمتد الوادي ليرتبط بمحمية طبيعية خلابة، تعرف بمحمية (وادي القف)، المطلة على بلدة ترقوميا غربي الخليل.

طبيعة آسرة

يطلق عليه الزائرون جنة الله في أرضه، جراء تدفق عين مائه طوال العام، فجزء من المكان أراض زراعية لعائلات من حلحول والخليل يزرعون الخضروات الأرضية مثل الخس والملفوف والزهر والفجل واللفت والبقدونس وغيرها، فيما يزين جنبات الوادي الأعشاب البرية والأشجار الحرجية المثمرة المتداخلة كاللوز والبرقوق والمشمش والخوخ.

وتعد كروم العنب المعلقة، سيدة المكان، حيث العنب الشامي الأحمر، والجندلي، والبيروتي، وقد وصل وزن عنقود العنب الخليلي من كروم هذا الوادي إلى ثلاثة كيلوجرامات.

ويعد وادي حسكة متنزها طبيعيا كذلك، يؤمه سكان المدينة والقرى المجاورة، وتغزوه الرحلات الشبابية والكشفية، وخاصة في الربيع، إذ يقيمون المخيمات الكشفية المتنقلة، يتمتعون بصوت خرير عينه المتدفقة وظلال أشجاره المنعشة.

عبق التاريخ

تعدّ عين حسكا معلما تاريجيا منذ آلاف السنين، فعمرها مرتبط بجذور مدينة الخليل، قبل نحو ستة آلاف عام، فقد أشار لها المؤرخ الفلسطيني مصطفى مراد الدباغ في كتابه النفيس (بلادنا فلسطين) وباتت حديث المؤرخين والرحالة فيما بعد، لا بل شكلت شريان حياة للثورة، إبان ثورة عام 1936م.

ويقول المعمر الحاج حسن البدوي (84 عاما) من الخليل، في حديث خاص لمراسلنا: “كان مقر قيادة الثورة جنوبي فلسطين، في وادي شعب الملح غربي الخليل، بقيادة المرحوم عبد الحليم الجولاني الملقب بـ”الشلف”، فكان الثوار الفلسطينيون يغزون مستوطنة عتصيون، جنوبي بيت لحم، ويعودون عبر وديان صوريف وبيت أمر وحلحول، حتى ينتهي بهم المطاف نحو عين حسكا”.

ويتابع: “كان الوادي يعدّ استراحة مقاتل لهم، يربطون خيولهم ويغتسلون ويضمدون جراحهم، ويأكلون ويشربون وينامون بأمن وأمان كون الوادي سحيقا، وملتفا بالأشجار الحرجية، فلم تجرؤ القوات البريطانية أو العصابات الصهيونية على النزول إليه، فكان ملاذا للمجاهدين والثوار”.

طيور الوادي

ويشكل “وادي حسكا” بدفئه وأمنه ملاذا للطيور البرية، إذ تعيش بين أشجاره الملتفة، فتتخذ من رؤوس الأشجار العالية عشوشا لها، وتنشر بالمئات على جنبات عين الماء، ترتوي وتغتسل في منظر يأسر القلوب والعقول.

ويسهب المهندس الزراعي شادي التميمي، مسؤول دائرة حماية الطيور البرية في وزارة الزراعة الفلسطينية، في الحديث عن طيور الوادي لمراسلنا: “يحتضن العشرات من أنواع الطيور البرية، مثل الشنار والحمام البري وعصافير الدويري والمحنى والقنبرة الحمراء والسنونو، وغيرها كثير، فهي تنتشر في الربيع بعد حلول الدفء في الوادي وتدفق ماء العين بغزارة ونمو الخضراوات والثمار والأعشاب الأرضية، وخاصة “الشنار” الذي يتخذ من نبات “النتش” الملتف عشوشا لصغاره على الأرض وليس على جذوع الأشجار، بعكس البلابل الملونة التي تفضل الأماكن العالية.

وادي العطاء
جنبات الوادي تزخر بالمزروعات والخضراوات الأرضية التي تنعم على المزارعين بالدخل الجيد، ولعل مشهد الحمير الصاعدة من عمق الوادي وهي محملة بالزهر البلدي الأصفر، والخس الأخضر المنعش، واللفت البلدي بنفسجي اللون، حيث تتمايل الأحمال من اليمين إلى اليسار على ظهر الدابة، فيما الحاج أبو خليل القواسمي (76 عاما) يحاول تعديلها وتركيزها، كي لا تسقط عن الدابة، حتى يصل بها إلى سوق الخضار، فتشكل له دخلا جيدا ينعم به على أسرته.