عن خطبة عباس.. كفى
لو قُدّر للزمن أن يعود 25 عامًا إلى الوراء، إلى عام 1993، غداة توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل”، ولو وقف الرئيس محمود عباس يومها على منصة الخطابة في مجلس الأمن الدولي، لما قال غير الكلام نفسه وبالجمل ذاتها، وربما بالنبرات ذاتها التي تحدّث بها في خطبته أمام المجلس مساء الثلاثاء الماضي.
خلال ربع قرن، لم يبقَ العالم على حاله، تغيّر كثيرًا، لكنّ الرئيس عباس لم يتغيّر، ولم يدرك أنَّ العالم حوله تغيّر. بل يبدو أنّه، وهو يصوغ خطته الجديدة القديمة للسلام، ما زال يعتقد أنَّ الزمن لم يدُر، وأنَّ الأيام لم تتقدّم، وأنّه يجلس اليوم في أحد الفنادق النرويجية ليضع اللمسات الأخيرة على اتفاق أوسلو.
يدعو الرئيس محمود عباس إلى “تشكيل آلية دولية متعدّدة الأطراف لحل قضايا الوضع الدائم بحسب اتفاق أوسلو”، وهي كما وردت في خطبته، “القدس، والحدود، والأمن، والمستوطنات، واللاجئون، والمياه، والأسرى”. وخلال فترة المفاوضات التي تلت “أوسلو”، والتي تنتهي قبل حلول عام 1999، كان من المفترض أن “تتوقف جميع الأطراف عن اتخاذ الأعمال الأحادية التي تؤثر في مفاوضات الحل النهائي”. النص ذاته تمامًا استعاره كتبة خطبة الرئيس ونسخوه بالكلمات ذاتها، وألصقوه على الورقة التي تلا منها خطبته الحالية.
لكن ما الذي تغيّر في قضايا الوضع النهائي، وهل من المعقول أنّ الرئيس وحاشيته، خلال حلهم وترحالهم، لا يلحظون المتغيّرات الكبيرة على الأرض؟ وبالعودة إلى نص الرئيس، هل ما زالت القدس عام 1993 هي القدس اليوم؟ هل تمكّن الرئيس من زيارتها مرة واحدة والصلاة في أقصاها؟ وهل ما زالت من قضايا الوضع الدائم؟ وما الذي يجري في داخلها؟ أمّا الاستيطان، فهل يكفي أن نذكر أنّه في ظل الاتفاق على عدم اتخاذ إجراءات أحادية زاد عدد المستوطنين من سبعين ألفًا إلى ثمانمائة ألف مستوطن؟ وبالنسبة للأمن، فقد أنهى الجنرال الأميركي دايتون المفاوضات بشأنه عندما ربط أجهزة الأمن الفلسطينية بمثيلتها الإسرائيلية، وفق ما عُرف باتفاقات التنسيق الأمني التي أصدر المجلس المركزي قراره بوقفه، من دون أن تمتثل السلطة التنفيذية لذلك. وهكذا هو حال قضايا اللاجئين والمياه والأسرى الذين تضاعف عددهم بالآلاف.
بعد ربع قرن من الفشل التام، نعود إلى المربع ذاته والاقتراحات ذاتها التي لم تقوَ السلطة الفلسطينية أو المجتمع الدولي على حمايتها يومًا واحدًا. الأنكى، والغريب والبعيد عن ألف باء المفاوضات، أنَّ السلطة، وعبر خطاب الرئيس، تقيّد نفسها بشروط وتعهدات أمام المجتمع الدولي، تلتزم فيها ألّا تتقدّم بطلب عضوية لـ 22 منظمة دولية في فترة المفاوضات. أي تعهد بعدم الانضمام إلى هذه المنظمات إلى أجل غير مسمى، بما يُعد التزامًا نهائيًّا مجانيًّا بذلك، لم يطلبه منها أحد.
أثار الرئيس محمود عباس، في اجتماع المجلس المركزي، أخيرا، حكاية المنظمات الدولية الـ 22 التي امتنعت السلطة الفلسطينية عن طلب عضويتها، بعد أن تعهدت بذلك سابقا للولايات المتحدة الأميركية في مباحثات ثنائية، من دون أن يوضّح سببًا لهذا التعهد الذي هدف إلى تطمين القادة الصهاينة بعدم السعي إلى ملاحقتهم على جرائمهم. وأعلن أنّه لم يعد هناك عائق من الانضمام إلى هذه المنظمات، بعد أن اعترف الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بالقدس عاصمة موحدة لـ”إسرائيل”. فما الذي تغيّر حتى يتنصل الرئيس من حديثه أمام المجلس المركزي، ويجدد هذا التعهد أمام مجلس الأمن الدولي؟ وما هي العلاقة بين الانضمام إلى هذه المنظمات وقضايا الوضع النهائي التي لم يلتزمها العدو أصلًا؟ وهل هي عربون مدفوع مقدما من أجل العودة إلى دائرة المفاوضات؟ أم هي بوليصة تأمين لعدم اتخاذ أي إجراءات من الصهاينة ضد رموز السلطة؟
استدار الرئيس محمود عباس استدارة كاملة بعد خطبته في المجلس المركزي. أحيلت توصيات المركزي إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي أحالتها بدورها إلى لجانٍ فنية لدراستها. وبكلمة واحدة، وُضعت في الأدراج، وجاءت بدلًا منها المبادرة الجديدة التي تعيدنا إلى نقطة البداية، والتي تقرّر العودة إلى ما جُرّب سابقًا؛ إلى أوسلو والمفاوضات والتنسيق الأمني، وتبتعد كل البعد عن الأجواء التي سادت بعد قرار ترمب، وحتى عن خطبتي الرئيس محمود عباس في المؤتمر الإسلامي والمجلس المركزي.
عدم الانضمام إلى المنظمات الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية، أمر لا شأن له بمفاوضات الوضع النهائي. هو عجز وهروب من مواجهة الاحتلال حتى على المستوى الدبلوماسي، وخوف من إحالة مجرمي الحرب الصهاينة إلى محكمة الجنايات الدولية التي أقرّت أنّ الاستيطان جريمة حرب. هو رسالة حسن نيّة إلى الصهاينة بأنّ السلطة الفلسطينية لا تريد أي شكل من المواجهة معهم، وأنّها ملتزمة الحفاظ على أمنهم وعدم ملاحقتهم دوليًا.
أمّا المؤتمر الدولي الذي دُعي إلى عقده في الخطاب.
المصدر: العربي الجديد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
موديز تخفض التصنيف الائتماني لإسرائيل وسط نظرة مستقبلية سلبية
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام خفضت وكالة "موديز" تصنيف إسرائيل الائتماني للمرة الثانية هذا العام بمقدار درجتين في دفعة واحدة، وأبقت على نظرتها...
حزب الله يوسع دائرة القصف وصواريخه تطال مناطق واسعة
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام وسع حزب الله اللبناني نطاق قصف المستوطنات والمواقع العسكرية الإسرائيلية إلى مسافة 100كم، حيث دوت انفجارات في تل...
بوريل يدعو لعدم الاعتماد على واشنطن لوقف الحرب في غزة ولبنان
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام أعرب مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن أسفه لعدم وجود أي قوة -بما في ذلك الولايات...
واشنطن تنفي علمها بهجوم الضاحية وتصدر توجيهات لقواتها بالمنطقة
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام أكد كبار المسؤولين الأميركيين أنه لم يكن لديهم علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية بغية استهداف...
قصف متواصل منذ ساعات .. الاحتلال يشن عشرات الغارات على بيروت
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام تواصل طائرات الاحتلال الصهيوني منذ الليلة الماضية وحتى فجر اليوم السبت شن موجات عنيفة من الغارات على ضاحية بيروت...
رشقة صاروخية من لبنان تستهدف صفد ومستعمرة كرمئيل
الناصرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجهت المقاومة الإسلامية – مساء الجمعة- رشقات صاروخية كبيرة تجاه مستعمرة كرمئيل ومدينة صفد المحتلة، ضمن سلسلة...
حماس تدين العدوان الصهيوني الإرهابي على الضاحية الجنوبية لبيروت
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بأشد العبارات العدوان والتصعيد الصهيوني الوحشي المتواصل ضدَّ الشعب...