عاجل

الإثنين 01/يوليو/2024

عبد الجواد شماسنة.. ربع قرن قابضًا على جمر الأسر

عبد الجواد شماسنة.. ربع قرن قابضًا على جمر الأسر

تسقط الكلمات أمام 25 عاماً في الأسر.. أعوامٌ متتالية أكلت أحلاماً وطموحات وحقوقاً وأفراحاً، وسرقت فرحة شابٍ اعتقل والده حين كان لا يزال جنيناً في بطن أمه، واليوم يتطابق عمره مع سنوات عمر والده التي أمضاها في الأسر.

25 عاماً في الأسر، هي واقعٌ مقدسيٌ تعيشه عائلة الأسير عبد الجواد يوسف عبد الجواد شماسنة (55 عاماً) من بلدة قطنّة شمال القدس المحتلة، والذي دخل السجن في ريعان الشباب، تاركا سبعة أطفال وزوجة وأبوين كانوا يأملون أن لا يطول غيابه.

اليوم؛ كبر الأطفال، وصاروا آباء وأمهات، وما زال والدهم يتوق لحرية قريبة ليعوض مع أحفاده بعض ما فاته من متعة الأبوّة التي حرمه منها الاحتلال.

عودة الأمل
الحاج يوسف شماسنة، والد الأسيرين عبد الجواد ومحمد شماسنة، ومع كل خيبات الأمل التي غزت عائلته خلال 25 سنة، لم يفقد الأمل بأن يرى ولديه يوماً وقد فتحا عليه وعلى زوجته الباب، كأن شيئاً لم يكن.

يعود الأمل في قلب الحاج يوسف من جديد حين يسأل أحدهم عن ولديه، وكأن الحياة رُدت إليه، يضعف قليلاً بين الكلمات، ثم ما يلبث يرفع صوته فخوراً ومؤمناً بأن الحرية قريبة.

يذكر الحاج يوسف ابنه عبد الجواد الذي عُرف بين أبناء بلدته برجولته وشجاعته وإقدامه وصفاته الحميدة التي جعلته مثالا يحتذى لكل شباب البلدة.

درس عبد الجواد حتى الصف السادس الأساسي، قبل أن يترك الدراسة ليلتحق بالعمل ومعاونة والده في مواجهة تكاليف الحياة المعيشية، ثم تزوج ورزق بسبعة أبناء، ثلاثة ذكور وأربع إناث.

في الثاني عشر من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1993 داهمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال منزل عبد الجواد، وفتشت المنزل بدقة، واعتدت عليه بالضرب المبرح، قبل أن تعتقله هو وزوجته الحامل في شهرها السابع.

عاش عبد الجواد معاناة مضاعفة نتيجة اعتقاله هو زوجته، فقد أمضى 48 يومًا في أقبية التحقيق، تعرّض خلالها للتعذيب الشديد والعنيف.

أما زوجته، فقد أمضت 12 يومًا في سجن المسكوبية، ولم يكترث المحقّقون لكونها حاملاً، بل مارسوا بحقها الضغط النفسي، وهدّدوها بخطف وقتل ابنها أحمد إذا لم تعترف.

وُجِّهت للأسير عبد الجواد تهمة قتل أربعة مستوطنين في حي “راموت أشكول” بالقدس المحتلة، بالاشتراك مع شقيقه محمد وشقيق زوجته إبراهيم شماسنة، وحُكِم عليه بالسجن أربعة مؤبّدات وعشرين عامًا.

من الأولاد للأحفاد
في الأسر أصبح عبد الجواد جَدّاً، فقد تزوج أولاده ورزقوا بأحفاد، كل هذه السنوات والمناسبات المفرحة والمحزنة مرت، ولطالما حلم بأن يخرج ويرافق أولاده حياتهم، وأن يزوجهم هو، ويشهد ولادة أول حفيد، ويؤذّن له.

أجود وأحمد ويوسف، أبناء الأسير عبد الجواد، وكذا والدتهم وجدتهم، محرومون اليوم من حقهم في رؤيته، سنواتٌ مرت ولم يسمح لأي منهم بزيارته في سجن نفحة.

اليوم يكافح الأولاد الثلاثة ذكرياتٍ غير موجودة فعلياً مع والدهم، فقد كانوا أطفالاً حين اعتقل، ولم يكونوا برفقته في أي جلسة عائلية.

قضية الزيارة ليست الوحيدة التي تؤرق بال عائلة الأسير عبد الجواد، بل يضاف إلى ذلك أمراضه والإهمال الطبي المتعمد، فأعراض المرض لديه بدأت بألم في جسده، تحول إلى تقرحات، ثم أثّر ذلك على كامل جسده، ليصل إلى مركز الإبصار لديه، فضعف مستوى نظره.

وحتى اليوم، تجهل عائلة عبد الجواد حقيقة وضعه الصحي، لأنه لا يخبرهم شيئاً، مخافة أن يحزنوا ويقلقوا عليه، لكن والده الحاج يوسف يؤكد أن ابنه يعاني من الإهمال الطبي، ولديه آلام تستدعي علاجه كحقٍ مشروع.

بطولة وألم
يروي الحاج يوسف قصة بطولة ابنه عبد الجواد تماماً كما كان يسردها حين يلتم أحفاده حوله ليلاً، يحكي كيف تلقى اتهام ابنيه بقتل أربعة مستوطنين، يحاول تذكر صورة ولديه في آخر زيارة.

يقول: “زرتهما يوم الاثنين الماضي في سجن نفحة، فقد أصبحت الأمل الوحيد لهما الآن، فغالبية العائلة ممنوعة من الزيارة، لكنهما لم يخبراني بأي شيء سيئ أو بقهْر الزنزانة الذي يعيشانه والذي نسمع عنه”.

لم يسبق لابنَي الحاج يوسف، في أي زيارة، أن أظهرا له ضعفاً أو قهراً، يحاول دائماً كما قلوب الآباء أن يجتر الكلمات من ألسنتهما ويجبرهما على الحديث حول أمراضهما، وكيف يعيشان.

يسرد الحاج يوسف عدد المرات التي زارته فيها مؤسسات الأسرى والمسؤولون بأطيافهم، ورغم ترحيبه بتفاعلهم، لكن شيئاً لم يحدث عقب ذلك.

ويسرد كذلك كيف أصيبت العائلة بانتكاسة أكثر من مرة حين لم تشمل الصفقات أسماء ابنيه، ولا أي أسيرٍ من الأسرى القدامى المقدسيين، وكأنهم ليسوا من هذه البلاد.

رغم ذلك، وعقب كل انتكاسة، كان الحاج يوسف ينهض من جديد، ويعقد آماله على إيمانه بالله أولا، ثم على رائحة أي خبرٍ من شأنها أن يجعل لقاءه بابنيه قريباً، وتبلغ اليوم آماله عنان السماء بأن اسميهما هذه المرة لن يسقطا.

رغم السنوات التي ناهزت ربع القرن، يملك الحاج يوسف مقداراً من الإيمان والأمل لا ينتهيان، يعلم أن حرية ابنيه قريبة، لكنه يأمل أن يكون موجوداً ليراها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات