عاجل

الإثنين 01/يوليو/2024

الصهيونية المسيحية مهندسة سياسات أمريكيا تجاه فلسطين

الصهيونية المسيحية مهندسة سياسات أمريكيا تجاه فلسطين

بعد عجز القراءات السياسية عن تفسير الأسباب التي أملت على الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، اتخاذ قرار إعلان القدس”عاصمة أبدية لدولة الاحتلال الإسرائيلي”، على الرغم من نتائجه الكارثية على علاقات الولايات المتحدة الدولية وعلى الأمن القومي الأمريكي، لجأ مراقبون سياسيون أمريكيون إلى مقاربة دينية والبحث عن أسباب قرار ترمب في المعتقدات الدينية المشتركة بين أنصاره من المسيحيين الأمريكيين الإنجيليين المؤمنين باقتراب نهاية العالم وظهور المخلص، مع الجماعات الدينية اليهودية المتشددة، خصوصاً المنظمات اليهودية الأمريكية الأرثوذكسية، التي تقوم أيديولوجيتها الدينية على الدعوة إلى الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإقامة هيكل سليمان الثالث مكان المسجد الأقصى.

ويُمكن الإشارة إلى أهم العقائد التي تتميز بها الطائفة الإنجيلية على النحو التالي:

– الإيمان بظهور السيد المسيح مرة ثانية.

– الإيمان بالحرب في آخر الزمان أو الـ “ارمجدون” وانتصار المسيح في هذه الحرب واستتباب السلام في العالم.

– الإيمان بوجود جثمان النبي سليمان تحت المسجد الأقصى، ويعتقد الإنجيليون أن المسجد الأقصى هو محكمة السيد المسيح، ويجب إعادة بنائه.

– الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى أنشأ البيت المقدس لليهود، وأن حكومة السيد المسيح سوف تكون في البيت المقدس. بالإضافة إلى ذلك، يعتقدون أن “إسرائيل” والصهيونية هي مخطط من الله تعالى للشرق الأوسط والعالم.

– يعتقد الإنجيليون أنه مع ظهور الدجال (شخصية شريرة في الطوائف المسيحية والإسلامية)، سيؤمن اليهود بالمسيح، وسيهاجر جميع اليهود إلى فلسطين في آخر الزمان.

ووفقا لمعتقدات هذه الطائفة، يمكن أن نفهم سبب أهمية فلسطين المحتلة المحورية لهذه الطائفة. 

في الحقيقة أن هذه الطائفة تؤمن بأن البيت المقدس والأراضي الفلسطينية المحتلة ستكون عاصمة حكومة السيد المسيح في آخر الزمان.

تأثير الإنجيلين على السياسة الأمريكية
تسعى الصهيونية المسيحية للتأثير على السياسة الأمريكية فيما يخص قضايا الشرق الأوسط، ولاسيما القضية الفلسطينية وقضية القدس خاصة، وذلك من خلال إقامة الشبكات والمؤسسات التي مكنتها من تعبئة وسائلها الإعلامية والانتخابية والمالية، وتتركز آليات هذا التأثير في طرق العمل السياسي السائدة، من ذلك على سبيل المثال مراقبة تغطية الإعلام للتطورات السياسية، وكذلك التواصل مع من يقومون بزيارات رسمية للولايات المتحدة.

وهذه الوسائل تشمل كفاءة وجاهزية عالية في حملات الضغط العام المتعلقة بالمنابر الإعلامية السائدة ونواب الحكومة. كذلك تعتبر الاجتماعات واللقاءات الدورية مع نواب الحكومة الأمريكية البارزين في غاية الأهمية للتأثير في السياسة الأمريكية للشرق الأوسط.

وفي بعض الأحيان كانت معظم هذه المجموعات والأهداف السياسية تعمل بعيداً عن الرقابة السياسية لمعظم المحللين. 

لكن يجب ملاحظة أن ما يجعل تأثير الصهيونية المسيحية في السياسة الأمريكية بهذه الفعالية؛ هو أن جهودهم تتضاعف قوتها بواسطة مجموعات المصالح الخاصة الأخرى، مثل مجموعات المحافظين الجدد ومجموعات الضغط الصهيونية اليهودية.   

والتحالف الحالي بين الصهيونيين المسيحيين والصهيونيين اليهود والمحافظين الجدد؛ يجعل الصهيونية المسيحية دعامة رئيسة للضغط الحالي على سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.   

ومع ذلك يجب ملاحظة أن هذا النفوذ لم يكن ليتحقق لولا حقيقة مفادها أن القوة السياسية للصهيونية المسيحية تدفع السياسة الأمريكية باتجاه كانت تميل ناحيته بالفعل نتيجة للعلاقة التاريخية بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”.

 

 


null

ترامب ودعم المسيحيين الإنجيليين
في عام 2016، وخلال السباق الرئاسي الأمريكي، كان يُعتقد أن دونالد ترمب لا يمكنه الفوز، وحين وصل إلى سدة السلطة أرجع المحللون فوزه إلى دعم الإنجيليين له، إذ صوت ثمانون في المائة من الإنجيليين لترمب بمجرد معرفتهم قراره باتخاذ القدس عاصمة لإسرائيل الذي كان بنداً من بنود برنامجه الانتخابي.

ولكن أهم سبب في دعم الإنجيليين لترمب يجب أن يُبحث عنه في التقارب الموجود بين مخططات ومناهج ترمب السياسية وبين معتقدات هذه الطائفة.

وطبقا لشعارات ترمب الانتخابية، فإن معظم القضايا الرئيسية التي تناولها، مثل مكافحة الإسلام، وخفض ميزانيات الخدمات الاجتماعية، وتخفيض الضرائب على الأغنياء، فضلا عن الدعم الشامل للكيان الإسرائيلي، تُظهر أن ترمب هو الخيار الرئيسي للنهوض بأهداف الإنجيليين. لهذا السبب، صوت معظم الإنجيليين له، وكان لتصويتهم دور هام في فوزه الوثيق على المُرشحة الأخرى كلينتون.

وفي ذات السياق، بذل دونالد ترمب قصارى جهده في فترة تسلمه لرئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة كي يستحوذ نوعاً ما على آراء الانجيليين وضمها لسلته، وذلك من خلال إجراءات مثل الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الاسرائيلي.

إرضاء الصهيونية المسيحية
تجلى انحياز الرئيس الأمريكي ترمب للصهيونية منذ تسلمه للحكم من خلال تعييناته في الحكومة فيما يخص القضية الفلسطينية أو الصراع (الفلسطيني “الإسرائيلي “)، والتي تجلت في تعيين سفير أمريكا في  “إسرائيل” ديفيد والذي هو يهودي صهيوني مؤيد للاستيطان بشكل كبير.

والثاني هو تعيين اللبناني الأصل وليد فارس وهو مسيحي ماروني لا ينظر بإيجابية للفلسطينيين بحكم التجربة السابقة بين الفلسطينيين والمارونيين في لبنان. وله مواقف إيجابية تجاه “إسرائيل” وهو مستشار ترمب للشرق الأوسط، إلى جانب تعيين زوج ابنته اليهودي كوشنير، حيث عينه بصفة المستشار الأول، وهو يهودي مؤيد داعم لـ”إسرائيل”.

وإنه ضمن هذه التعيينات الثلاثة التي لها علاقة بالملف الفلسطيني، فالفلسطينيون أمام إدارة أمريكية أكثر انحيازاً مع “إسرائيل” من ذي قبل، وستكون إدارة غير ملتزمة بقرارات الشرعية الدولية الخاصة بالصراع، وغير ملتزمة بأسس عملية التسوية مع الفلسطينيين.

القدس في نهج ترمب
يعدّ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لـ”إسرائيل”، والاستعداد لنقل السفارة من “تل أبيب” إلى القدس، تحولاً نوعياً بالنسبة إلى الرمزية الدينية للقدس، فضلاً عن كونها مدينة فلسطينية محتلة من “إسرائيل” وفق قرارات الأمم المتحدة. وبرزت بعد إعلان ترمب الأخير ضرورة معرفة الانعطافات السياسية إزاء قضية القدس منذ احتلال الجزء الشرقي منها في 5 حزيران (يونيو) 1967.

فيما يتبني الرئيس الأمريكي خطة وصفها ب”الصفقة النهائية” يمثل قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الخطوة الأولى فيها وحسب، وبين مراقبون أن الخطة -التي لم يعلن عنها بشكل رسمي بعد – تتضمن أن تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطينية تضم أجزاء متقطعة من الضفة الغربية، بدون شرقي القدس، لتكون فيها بلدة أبو ديس التي يفصلها جدار عازل عن القدس، عاصمة لفلسطين. كما تتضمن الخطة موافقة الطرف الفلسطيني على بقاء العديد من المستوطنات الإسرائيلية التي كانت الأمم المتحدة قد طالبت بإيقاف بنائها و”إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس” في عدة قرارات، وبالإضافة إلى ذلك تتضمن الخطة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة. 


null

نقل السفارة الى القدس
مخاوف ترمب من فقدان دعم الإنجيليين جعلته أكثر تصميماً على قرار نقل السفارة الأمريكية في الکيان الإسرائيلي إلى القدس، على الرغم من خطورة هذه الخطوة. في الحقيقة أن إجراءاته أدت إلى أن يكون أكثر من 80٪ من الإنجيليين راضين عن أداء حكومته.

وفي السياق نفسه، وبعد قرار ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي ونقل السفارة إليها، أخذ الإنجيليون في قنواتهم التلفزيونية يتحدثون عن شخصية ترمب المباركة من الله (كما يدعون)، في حين أن ترمب مُبارك أكثر من الصهيونيين، ولهذا السبب يُعدّ هو إحدى الأوراق الرابحة للمخططات الصهيونية الشريرة في المنطقة.

الباحثة في الشؤون الدينية، ديانا باس، وفي مقال عبر “سي أن أن”، قالت إن “الكثير من الإنجيليين المؤيدين للرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، يعدّون الاعتراف بالقدس عاصمة “لإسرائيل” قضية أبعد بكثير من السياسة أو الدبلوماسية، بل هي تصب مباشرة في صميم عقائدهم ونظرتهم إلى اقتراب يوم القيامة، وعودة المسيح الثانية”.

بالنسبة للكثير من الإنجيليين المحافظين، فإن القدس ليست مرتبطة بالسياسة ولا بخطط السلام، ولا بالفلسطينيين وحل الدولتين، وإنما تنبع أهميتها من ارتباطها بالنبوءة في الكتاب المقدس وحلول نهاية الزمن”.

وبحسب باس، فإن ترمب يريد من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة “لإسرائيل” تذكير ناخبيه من الإنجيليين أنه “رجل الله الذي يساهم في دفع التاريخ – كما يراه الكتاب المقدس – قدماً ويساهم في حلول نهاية التاريخ”.

تأثير بنس
وقد لعب مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي دوراً محورياً في الخطوة الأمريكية التي يدعمها بالكامل انطلاقاً من قناعاته الدينية باعتباره أحد أتباع الكنيسة الإنجيلية، حيث يصفه الإنجيليون بأنه نبي يعمل على إحياء التيار المسيحي المحافظ ليتبوأ الصدارة في السياسة الأمريكية. 

وخلال إعلان ترمب قراره، كان لافتاً وقوف بنس خلفه، وهو ما عُدّ إشارة واضحة إلى الدور البارز الذي اضطلع به في التأثير على الرئيس.

المراجع:
• الطائفة الإنجيلية في أمريكا .. وقرار ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، موقع إسلام تايمز.
 • لماذا يؤيد المسيحيون الإنجيليين قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ؟، موقع evronews.
• أي دور لعبه الإنجيليين في قرار ترامب بشأن القدس؟، موقع evronews.
• ما علاقة قرار ترامب بـ”نهاية الزمان”؟.. باحثة أمريكية تجيب، قناة العالم.
• خفايا قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مركز فيريل للدراسات.
 • “تأثير المسيحية الصهيونية في السياسة الأميركية”، الجزيرة نت.
• قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل: الدوافع والمعاني والآفاق، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

 

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات