عاجل

الأحد 06/أكتوبر/2024

الأسير عبد الناصر عيسى.. تلميذ العياش النجيب

الأسير عبد الناصر عيسى.. تلميذ العياش النجيب

في أواخر ستينيات القرن الماضي، ولد الأسير عبد الناصر عطا الله رفيق العياش وتلميذه، ليعيش هناك في أزقة مخيم بلاطة وحواريه، وليتعلم في مدارسه قبل أن ينتقل لدراسته الجامعية حيث جامعة النجاح  الوطنية.

الهادئ المتزن المثقف الصابر المجاهد الوحدوي.. هكذا وصفه كل من عرفه وعاش معه في السجن وخارجه، وازن بين دراسته الجامعية وبين عملة في صفوف الكتلة الإسلامية، وحتى العمل في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس إبان الثمانينيات.

علم ودعوة ومقاومة

انتمى إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس منذ بدايتها، وكان اعتقاله الأول في سجون الاحتلال الصهيوني في عام 1989 بتهمة المشاركة في مقاومة الاحتلال، وإلقاء قنابل المولوتوف وبعض القنابل على القوات الصهيونية؛ ليمكث في السجون آنذاك مدة عامين ونصف.

نشط عيسى في صفوف الكتلة الإسلامية بجامعة النجاح الوطنية، قبل أن يتقلد منصب الإمارة فيها؛ حيث أبدع في ميادين العمل الطلابي، واستطاع أن يضرب مثالا حقيقيا للمزاوجة بين العلم والعمل الدعوي والمقاومة في آن واحد.

لم يثن عيسى اعتقال الاحتلال له، فبعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال الصهيوني في عام 1992 عاد من جديد إلى ميادين العمل الإسلامي والتنظيمي في صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس وأذرعها الدعوية والاجتماعية، ليتم اعتقاله مجددا في عام 1993 بتهمة المشاركة في فعالية وأنشطة حركة حماس، وليمضي مجددا في سجون الاحتلال عاما كاملا.

ولعل الفترة التي تلت الإفراج عن عيسى عام 1994 أنهت فترة زمنية تختلف كليا عن سابقتها، فمجرد خروج عيسى من سجون الاحتلال الصهيوني سارع إلى الانخراط في العمل العسكري في صوف كتائب الشهيد عز الدين القسام، وأصبح تلميذا نجيبا من تلاميذ الشهيد يحيى عياش، وظله الذي يسير معه ويتعلم منه فنون الجهاد وأبجديات مقاومة الاحتلال، ليصبح بعد ذلك مطاردا لقوات الاحتلال الصهيوني التي اتهمته بالتخطيط  للعديد من عمليات المقاومة الاستشهادية والتفجيرية.

تضليل استخبارات الاحتلال والسلطة

إثر ذلك، بات عيسى مطاردا ليس لقوات الاحتلال الصهيوني وأجهزتها الاستخبارية فحسب، بل إن أجهزة أمن السلطة هي الأخرى سخرت كل طاقاتها للقبض عليه واعتقاله، حيث استطاع عيسى بحنكة وذكاء أن يمارس التضليل بحق الاحتلال وأجهزة امن السلطة من خلال التنقل بين المدن مستخدما اسما مستعارا وهوية مزورة؛ استطاع من خلالها الإفلات من قبضة الجهتين أكثر من مرة، تنقل خلالها إلى مدينة غزة وتلقى تدريبات وتعليمات من معلمه الأول العياش، قبل أن يعود أدراجه إلى الضفة، ليتابع التخطيط والتنفيذ للعمليات الجهادية.

في عام 1995 نجح عيسى في إيصال حقيبة من المواد المتفجرة للشهيد محيي الدين الشريف الذي كان يتحضر لتنفيذ عملية في مدينة القدس، وعاد عيسى أدراجه إلى مدينة نابلس، وما أن وصل أحد شوارعها وهم بإجراء مكالمة هاتفية مع رفيق دربه ومعلمه يحيى عياش، حتى تفاجأ بالعشرات من جنود الاحتلال يحيطون به، لتكون تلك اللحظات الأخيرة في عمل عيسى المقاوم خارج السجن.

استماتت قوات الاحتلال، ومن خلال أساليب التعذيب بحق الأسير عيسى في محاولة انتزاع منه أي اعتراف يتعلق بمصير الحزام الناسف الذي نقله للشريف، وتعرض للتعذيب الشديد دون أن تنبس شفته بأي كلمة أو اعتراف إلى أن استطاع الشريف تنفيذ العملية، لتصاب أجهزة المخابرات الصهيونية وحكومتها بالهزيمة.

سجن وعزل

على إثر ذلك، أصدرت محكمة الاحتلال الصهيوني حكما قاسيا بحق الأسير عيسى بالحكم عليه بالسجن مدى الحياة مرتين، لتبدأ بعدها رحلة تنقل  من سجن إلى آخر؛ حيث تنقل إلى أغلب المعتقلات والسجون، وليتم عزله أيضا في سجن عسقلان لمدة عامين وتحديدا بين عامي 1997-1999 وليمنع خلال تلك الفترات من أي زيارة من ذويه.

ورغم صدور حكم الاحتلال بحقه، إلا أن مخابرات الاحتلال أخضعت عيسى للتحقيق القاسي، وفي كل مرة كان يصل إلى حالة من الإنهاك والتعب لدرجة أنه يصبح على حافة الموت بغية انتزاع منه اعترافات حول المقاومة.

ولم تحل قضبان الاحتلال بين عيسى والعمل المقاوم، فقد اتهمته قوات الاحتلال بالوقوف وراء تشكيل مقاوم، والتخطيط لخلية شهداء من أجل الأسرى التي شكلتها قيادات كتائب القسام في الضفة الغربية، والتي نفذت العديد من العمليات المؤلمة بحق الاحتلال، أدت إلى مقتل العديد من الصهاينة وإصابة العشرات.

ورغم انتظار والدته الطويل له لعله يكون في أحد صفقات التبادل أو الإفراجات، إلا أن الموت فرق بينها وبين هذا الحلم، ولم يحظ عيسى بوداع والدته التي التحقت بالرفيق الأعلى، وتوفيت عام 2012، لتترك تلك الحادثة في قلبه غصة أعادته إلى الوراء حيث حضنها الدافئ والمواقف التي لم ولن تمحى من ذاكرته.

ويكفي الأسير عيسى شرفا بأن كل من التقى به قد تعلق وتأثر به، ونقل عن دماثة أخلاقه، وروعة أفكاره، وجمال روحه، وسلامة ورجاحة عقله، وقدرته على نسج العلاقات الاجتماعية القوية بين الجميع، وتمتعه باللغة الايجابية، رغم محاولات الاحتلال النيل من عزيمته.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات